حينما يأتي ذكر شقيق الملك، الأمير مولاي رشيد، في مجالس المغاربة، يأتي دائما مغلفا بغير قليل من الصمت الممزوج بالسرية والغموض، حتى أصبح ينعت عند بعضهم ب«الأمير الصامت» أو «الملفوف بالغمام». فلا يتكلم الأمير أمامهم سوى عبر المجالس الرسمية، ولم يخلف أبدا توقعهم بأنه أمير لا يحب الكلام، وأنه ابن وفي لأرستقراطيته. فمن هو هذا الأمير الذي يكاد المغاربة لا يعرفون عنه شيئا، سوى أنه ابن الحسن الثاني، وشقيق محمد السادس؟ التحق مولاي رشيد، وعمره أربع سنوات (من مواليد 20 يونيو 1970)، بالمدرسة المولوية التي كان يديرها (وما يزال) عبد الجليل الحجمري. وتلقى دروسه الجامعية على يد مجموعة من الأساتذة، أمثال عبد الله ساعف (وزير التربية الوطنية السابق) وفتح الله ولعلو (وزير المالية)، والعلوي المدغري (وزير الأوقاف السابق)، والسملالي. وما زالت تربطه، إلى حدود الآن، بهؤلاء الأساتذة علاقة صداقة يقول عنها عارفون إنها متينة وشفافة. في المدرسة المولوية، تدرج في الفصول الدراسية، رفقة 13 زميلا، من بينهم المهدي الجواهري ورضا معنينو، وأمين الصفريوي..إلخ، إلى أن حصل على شهادة الباكالوريا، ليلتحق بكلية الحقوق بأكدال التي تخرج منها سنة 1993 ببحث أنجزه تحت إشراف ذ. سعيد إهراي. ثم نال بعدها دبلوم القانون المقارن. وفي سنة 1996 ،حصل على دبلوم الدراسات العليا في العلاقات الدولية. وبعد وفاة والده الحسن الثاني، دافع سنة 2001 عن أطروحة لنيل الدكتوراه بجامعة بوردو حول موضوع «منظمة المؤتمر الإسلامي، منظمة دولية متخصصة»، وهي المناسبة التي لم يحضرها أي عضو حكومي، حيث اكتفى الأمير بأصدقائه وبأفراد من الجالية المغربية المسلمة واليهودية المقيمة بفرنسا، إلى جانب القنصل المغربي ببوردو. وأطول فترة تدريب استفاد منها الأمير كانت بإلحاح من والده سنة 1993 واستغرقت 6 أشهر بالأمم المتحدة، رافقه خلالها اثنان من زملاء الدراسة، رضا معنينو والمهدي الجواهري (مدير ديوانه الحالي). ومعروف عنه أنه ميال لممارسة الرياضة، حيث كان رئيسا شرفيا للفتح الرباطي، ورئيسا شرفيا للجامعة الملكية المغربية للرماية بسلاح القنص، وكان رئيسا شرفيا للجامعة الملكية المغربية للغولف. ولرياضة الغولف موقع واسع في قلب اهتمامات الأمير، حيث ارتشف الشغف بها من وقت فراغ والده منذ أن كان في سن الثامنة، حتى إن دار السلام- كما يقول المقربون من دائرته- تحولت إلى مسكن ثان للأمير، حيث كلما أتيحت له الفرصة يقضي بها وقتا يوازي الوقت الذي يقضيه في الإقامات الملكية. بل إنه حين يكون خارج مدينة الرباط، وما أن ينهي مهامه حتى يسارع الخطو إلى غولف إمليس أو الغولف الملكي بمراكش ليقارع الحفر ويجبرها على الإذعان للحد الأدنى من الضربات كما استطاع أن يلقنه ذلك معلمه (مدربه) كريم جسوس، وكما استطاع هو أن يحقق عبر إجهاد نفسه بالضرب الخفيف والسوينغ والقياس الدقيق. كرم الضيافة وليس هذا فحسب، فللأمير شغف خاص بالعضلات المتينة التي تصنعها رياضة كمال الأجسام، حيث يقضي أوقاتا في التمرينات المضنية، حتى يتصبب عرقا وأثقالا وليونة جسدية. ويتوفر- حسب المقربين دائما- على قاعة رياضة مجهزة بأحدث الآليات. كما يحب ركوب الأمواج (الجيتسكي)، وينافس شقيقه في محاولة ترويضها وحملها على الإذعان لأقدامه وتحليقاته الجسدية. وحينما تنكسر الأمواج أمامه، يهرع إلى يخته الراسي بميناء الرمال الذهبية بتمارة، ليقوم برحلة بحرية يحرص على أن لا تتعدى 80 عقدة بحرية، إلى أن تكل منه الذراعان، فيعود إلى المنزل الذي كانت تقطنه جدته الراحلة، لالة عبلة، بمدينة الرباط، على مقربة من غولف دار السلام، بطريق زعير. المنزل تم تشييده على الطريقة الإنجليزية. ويتوفر، إلى جانب ذلك، على دار مغربية من طابق علوي واحد يضم غرف نوم وقاعة سينما تتسع ل 40 فردا وتتضمن آخر التجهيزات الرقمية (أنجزها في عهد الملك الحسن الثاني). ويفضل الأمير التفرج على أفلامه أبطاله المميزين، روبير دنيرو ومايكل دوغلاس وغيرهما. وفي الطابق السفلي هناك صالونات لاستقبال الضيوف وقاعة للأكل. ويذكر المقربون من دائرته أن أقرب أفراد عائلته إلى قلبه هي الأميرة للا مريم، ثم أحفاد والده بدون استثناء. أما أقرب اللغات إلى قلبه، فهي الإسبانية التي يحب الحديث بها، ويتابع البرامج الوثائقية الناطقة بها، وفي المرتبة الثانية تأتي اللغة الانجليزية التي يستعملها أثناء إقامته بأمريكا (لأنه كثير التنقل بين الرباط ونيويورك)، ثم أخيرا اللغة الفرنسية التي يتكلم بها داخل الصالونات المغلقة لعلية القوم. ويرجع المقربون حبه للإسبانية إلى مربيته الإسبانية، الآنسة دياز، التي تبلغ من العمر 65 سنة، وهي تقيم، الآن، بمدينة تمارة، وما زالت في خدمته. وللطبخ مكانة هامة في حياة الأمير، فهو شديد الإعجاب بالمطبخ المغربي، المسلم واليهودي. وأقرب الأطباق إلى نفسه، طبق «السخينة» وطبق «الكسكس بسبع خضاري»، وهما الطبقان اللذان لا يستطيع أن يكبح شهيته أمامها، ولا يضاهيهما في المكانة إلا الأكل الأسيوي بحسائه وطحالبه ومختلف أطباقه الشهية. وسر الأمير مع الطبخ الأسيوي لا يملك مفتاحه سوى طباخين اثنين، الأول يعمل بمطعم «فوجي» الياباني بالرباط، والثاني بمطعم «غاردن» بالقرب من فندق السويس بالدار البيضاء. وإذا استضافك الأمير في الطابق الأسفل من منزله، فكن متأكدا أن الطبق الملكي لن يكون إلا «طاجين الحوت»، إلى جانب الشواء على الطريقة الأطلسية (خروف يسوى على نيران هادئة). أما إذا شاركته وجبة الفطور، فكن متأكدا أيضا أنك ستتناول طاجين ب «الخليع» الفاسي مصحوبا بأكواب الشاي ب«الشيبة». وفي أيام الجمعة، فإنه شأنه شأن بقية المغاربة يحتفل بالكسكس الدكالي المضمخ برائحة السمن البلدي. أما إذا كنت من مرافقيه إلى مراكش، فإنك لا محالة من الفائزين بإيدام الطنجية. قلب الأمير في قلب مولاي رشيد مساحة احترام واسعة لرئيس حرسه الخاص، العميد الإقليمي لخليفي (50 سنة)، بمكانة خاصة. وليس أدل على ذلك من وقوفه في وجه المديوري أيام الحسن الثاني، حينما رغب في تغيير لخليفي وتعويضه برجل أمن آخر من المقربين إليه . وهي من اللحظات النادرة التي استشاط فيها الأمير الصامت غضبا، مما حمل المديوري على التراجع في الحال تجنبا لكل ما من شأنه أن يعكر الأجواء عليه. يتنقل الأمير مولاي رشيد في موكب يبلغ عدد أفراده 4 من بين 10 حراس يتناوبون على تمتيعه بالحراسة اللصيقة. كما يرافقونه دوما، في حله وترحاله. ورغم ذلك، فالمعروف عنه أنه لا يحب أن يكون مرفوقا بالحرس، خاصة إذا كان في أحضان المدن المغربية القريبة من مزاجه، مثل الرباط (التجمع العائلي) وإفران (الراحة والاستجمام) والحاجب وأزرو (القنص) ومراكش (الغولف) وتمارة (السكن الشاطئي)، أو في أحضان الدول التي تعود التردد إليها، مثل أمريكا (اشترى مؤخرا منزلا بنيويورك) والإمارات العربية وهاواي. بل إن تربية الحيوانات والعطف عليها أحب إليه من الطوق الأمني، كما يقول المقربون. أما الناس البسطاء الذين يحيطون بهم، فيغمرهم بعطف خاص، حتى تنتفي أحيانا المسافة الفاصلة بينهم وبين النخبة المقربة. ففي الوقت الذي قام بشراء منزل «جنان» (كان صديقا لعمه الأمير مولاي عبد الله) وأهداه لمدير ديوانه المهدي الجواهري، فإن يديه السخيتين كانت تتحرك في كل الاتجاهات لتغدق على الناس الأوفياء الذين يخدمونه، وكان يختفي وراء أيادي مدير ديوانه للقيام بأعمال خيرية، من قبيل التكفل بمصاريف إجراء العمليات الجراحية للمعوزين. أقمصة باريس معروف عن الأمير الصامت ولعه الصارخ بالأناقة، فإذا فتحت دولابه الشخصي الذي يشرف عليه رئيس الخدم «سعيد» (من بين أقرب المقربين إليه)، فإنك لن تعثر سوى على أشهر الماركات العالمية، فأغلب أزيائه وقبعاته أتى بها من ولاية تيكساس، أما القمصان فتعرفها محلات باريس الأشهر اسما في سماء الموضة، كما يعرفها مشاهير العالم من رجال الفن والسياسة. وفي الرقعة المخصصة للأحذية، لا يمكنك إلا أن تمعن النظر في أشهر الماركات الإيطالية. وتكاد تنعدم الماركات المحلية، مثل أحذية أوديربي التي ينتجها الوزير الأول إدريس جطو! ومن الملاحظات التي ينقلها المقربون إليه حبه العارم للنظارات والساعات، فهو يغيرها بنفس المنوال الذي يغير به أقمصته. وإلى جانب عشقه للأناقة على طريقة والده، فإن مولاي رشيد يحب السياقة، تماما مثل شقيقه، ويملك أسطولا من السيارت، لعل أقربها إلى قلبه المرسديس ديكابوتابل (المكشوفة)، و«أوستن مارتن» الإنجليزية، وأحيانا «الفيراري» الزرقاء الرابضة في المرأب كعادتها. كما أنه من عشاق التجوال الليلي عبر الشوارع الهادئة والفارغة. أما في النهارات، فإنه يسوق بهدوء وحكمة، وهذا ما وقفت عليه «الوطن الآن» حينما التقته صدفة بشارع روزفلت بأنفا العليا في أوائل فبراير الماضي، حيث كان يسوق سيارة الدفع الرباعي «فولسفاكن» بسرعة بطيئة. وحينما يمل من المقود، فإن سائقه الخاص، حسن الرباطي (من تواركة)، يمسك بزمام السيارات. وقبل ذلك، كان يتكفل بهذه المهمة سائقه السابق (السي بلعيد) الذي تقاعد وحصل على تكريم خاص من الأمير مولاي رشيد.