لمْ يجدْ هذا الشّيخ السّيتيني، الذي قدمَ من منطقة ولادْ البُوزيري بإقليم سطات، ضالته المفقودة إلا في الجَناح المُخصّص لكسّابي الإبل والأبقار والأغنام، بمعرْض الفلاحة في مكناس؛ فهُنا يتحسَّسُ هذا الكسّاب القادمُ من حقولِ الشّاوية حُبَّ الأرْضِ المعْطاءة، وما تكتنِزهُ من خيْراتٍ، حيثُ تمتزجُ رائحة روْث الأبْقار والأغنامِ القوية، التي يقول إنها تمنحه الشعور بالانتعاش والحيوية، وتوقظُ فيهِ مشاعرَ الحنين. هنا في الجناحِ المُخصّص للمَواشي بالملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، يتقاطرُ المئاتُ من الزّوار الذين يرْغبونَ في اكتشاف الحيوانات الضخمة، من إبلٍ وأبقارٍ وأغنامٍ، ومشاهدة عروض ملكة جمال الأبقار، وغيْرها من المُسابقات التي تنظَّمُ في الحلبة التي تتوسّط الفضاء، والتي لا يرى الزوار بعْضها إلاّ في التلفزيون. عند مدْخلِ قطب المواشي بالملتقى الفلاحي، هناكَ جناحٌ مخصص للعجول الضخمة، التي يصلُ وزن بعضها إلى 1500 كيلوغرام. حجم العجول المعروضة وطريقة تعليفها ووضعيتها داخل الجناح تجذبُ الناظرين والزوار، ولن يكونَ الأمر مُبالغاً إذا وجَدتَ فلاحين لهم باعٌ طويلٌ في المجال يأخذونَ صوراً ومقاطع فيديو للعجول المعروضة كباقي الزّوار العاديين. وأنت تمْضي في مشوارِ اكْتشاف الحَيوانات المعرُوضة في جناح المَواشي والأبقار الضخمة سيلفتُ انتباهكَ وجودُ لوحة تقدّم معلومات حوْل سلالة العجول وسنّها ومعلومات أخرى؛ غيْرَ أنّ أكثر ما يجْذب عينَ المشاهدِ هو معرفة أوزان العجول المعروضة وما إذا كانت تنتمي إلى فصائل "مونبليارد"، والهولشتاين"، والتي تشبه في شكلها الجواميس. ويتناول هذا النّوع من العُجول الشمندر والحليب والنخالة والفوراج والسيكاليم، وتتمُّ ترْبيتها بشكل عادي رفقة الأبقار الأخرى؛ لكنها تُربط بشكل انفرادي، كما أنّ "قيمة الأبقار المعروضة التي قدْ يبلغ وزنها 800 كيلوغرام تصل إلى 3 و4 ملايين سنتيم"، حسبَ أحدِ الكسّابة. وتتكلّف وزارة الفلاحة بكلّ ما يتعلق بعلف ونقْل قطعان الحيوانات المشاركة في الملتقى الفلاحي الدولي بمكناس، ويتمّ اختيار الرؤوس التي تُعرض في الملتقى من لدن لجنة تابعة للجمعية الوطنية لمربّي الأغنام والماعز، ويحصُل العارضون على مبلغ مالي. ويقول مصطفى الخولي، وهو كسّاب قدم من نواحي الدارالبيضاء وهو الوحيد الذي يملك ضيعة تنتج مثل هذا النوع من العجول في المغرب، إنّ "القطيع المغربي الذي يُنتج اللحوم الحمراء في تكاثر ويُعْطي نتائج إيجابية، خاصة تلك التي تنْتمي إلى فصائل "لابلوداكيتان" و"بلون دو بيلج" و"كاسكون"، في وقت لم يكن يوجد في المغرب إلا فصيلان وهما "مونبليارد" و"الهولشتاين"". وأضاف المُرّبي، الذي يتوفر على قطيع مهم من الأبقار والعجول الضخمة، في تصريح لجريدة هسبريس، أنّ "لحوم هذه الأصناف من النوع الممتاز". أما مصطفى دراوش، وهو تقني بتعاونية مبروكة ومربي أبقار ببنسليمان، فيقول لجريدة هسبريس إن عملية الانتقاء تتمُّ عبر تمثيل مختلف الأصناف الموجودة في المغرب، مشيراً إلى أنه من اللازم أن تحمل الأبقار بطاقة معلومات تتضمن اسم المنطقة التي قدمت منها وسنها وكمية الحليب التي تنتجها، بالإضافة إلى اسم الفلاح والصنف وتاريخ الازدياد وعدد الحلبات. وكشف دراوش أنّ بقرة "مونبليارد" "يمكنها أن تنتج 7000 لتر خلال السنة، وكلّما زادتْ في السن إلا وزاد إنتاجها". من جانبها، خديجة (53 سنة)، وهي فلاحة قدمت من منطقة دكالة، قالتْ إن الأبقار المعروضة "زينة"، خاصة القادمة من منطقة دكالة، منوهة بالتنظيم المحكم لأشغال المعرض الذي يستفيد منه الفلاحون ويكتشفون أشياء جديدة تغني معارفهم". واعتبر رمضان بودلال، وهو فلاح قدم من منطقة تاوريرت، أن "الفلاح البسيط يكتشف من خلال هذا المعرض أشياء جديدة ويلتقطُ معلومات قد تغيّر نمط عيشه"، مشيراً إلى أنّ "المعرض نجح في خدمة الفلاح". وتتميز دورة 2019 بمشاركة 240 عارضا دوليا، من 61 دولة من القارات الخمس؛ وهو ما يعتبرُ، حسب المنظمين، "شاهداً على الإشعاع الذي اكتسبه الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب كأول معرض فلاحي في إفريقيا وأحد أهم الملتقيات الفلاحية على الصعيد العالمي". وتؤكد أهمية المشاركة الإفريقية هذه الملاحظة، إذ تمثل الدول الإفريقية ثلث عدد العارضين الدوليين المشاركين في هذه الدورة. كما تعزّزت المشاركة الأسيوية خلال هذه الدورة لتصل إلى 12 دولة.