ترجّح ورقة تقدير موقف نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات عودة احتجاجات المعطلين إلى الشارع المغربي، بأعداد قد تكون أكبر مقارنة باحتجاجاتهم السابقة، خصوصا في حالة عودة الزخم للحركات الاحتجاجية الأخرى. وتضيف الورقة التي أعدّتها الباحثة نادية الباعون أنّ تدابير الدولة المغربية، من قبيل "التوظيف مقابل عدم التسييس" التي كانت استراتيجية للتعامل مع "حركة المعطّلين"، وإرجاع الخدمة العسكرية التي تشكّل تدبيرا وقائيا مؤقّتا لأزمة تشغيل الشّباب، تبقى تدابير محدودة للحدّ من عودة العاطلين حاملي الشهادات إلى الاحتجاج في الشارع العام ما لم تتم معالجة جذور ظاهرة بطالة الشباب المرتبطة بنموذج الاقتصاد السياسي المعتمِدِ على الرّيع بدل التنافسية. خروج إلى الشارع ترى ورقة المعهد المغربي لتحليل السياسات أنّ السياق الراهن المضطرب قد يؤدّي إلى خروج المعطلين إلى الشارع في أي وقت، لاسيما مع عدم تنظيم قانون التجمعات العمومية لاحتجاجاتهم، وهو القانون الذي لا يسمح الفصل 11 منه بالتظاهر إلا للتنظيمات القانونية بشرط تقديمها لتصريح مسبق إلى السلطات، الأمر الذي لا يتوفر في مجموعات المعطلين، التي ترجح الباحثة أنه في حالة عودتها، ستحافظ في الغالب على نمط تعبئتها بوصفها "حركة لا سياسية". ويبدو، حَسَبَ تعبير ورقة تقدير الموقف، أن "لا مبالاة السلطات في التجاوب مع المعطلين حاملي الشهادات العليا ولّد شعورا بالتحدي"، وهو ما يفسّر "بدأ نشطاء الحركة في التخطيط لاستثمار فرصة احتجاجات الأساتذة المتعاقدين من أجل التّجنّد للرجوع بقوة إلى الشارع"؛ حيث يعتبر بعض ناشطي الحركة "أنهم حاليا في فترة عطلة، في انتظار العودة مجددا للاحتجاج في الشارع"، وينتظرون أن يكون مستجد احتجاجات الأساتذة المتعاقدين فرصة، لاسيما أمام اقتناعِهم بالحق في التوظيف المباشر الذي ألغته الحكومة. انطباع المعطّلين بأن "الضغط في الشارع هو الطريقة الوحيدة لتحقيق مطالبهم"، مردّه بالنسبة للورقة إلى اعتياد السّلطات أخذ فترة طويلة للاستجابة لمطالب الحركات الاحتجاجية التي تحقق الضغط في الشارع، وهو ما برز في عام 2016 عند توقيع الحكومة محضرا مع الأساتذة المتدربين نصّ على توظيف فوج يضم الآلاف دفعة واحدة، مع وجود مرسومين ينص أحدهما على المباراة، في حين رفضت الاعتراف بمحضر المعطلين، ما أدى إلى عودة احتجاجاتهم إلى الشارع للمطالبة بحل ملفهم أسوة بالأساتذة المتدربين. تاريخ المشكل تذكر الورقة أن الحكومة اتّجهت منذ سنة 2006 إلى إلغاء التوظيف المباشر في الوظيفة العمومية عبر تحضير مشروع قانون ينصّ على ضرورة اجتياز جميع المرشّحين للوظيفة العمومية مباراة التوظيف دخل حيّز التطبيق في 18 فبراير 2011، قبل أن تتراجع عن تطبيقه بعد انفجار موجة احتجاجات "الربيع العربي" سنة 2011 بمرسوم استثنائي صدر في شهر أبريل من السنة ذاتها يخول لحاملي الشهادات العليا الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية إلى غاية 31 دجنبر من العام ذاته. كما وقعت الحكومة محضرا مع مجموعات المعطلين في 20 يوليوز 2011 يخول لهم الإدماج المباشر، بموجبه تم إدماج أزيد من أربعة آلاف معطلّ من حاملي الشهادات العليا في الوظيفة العمومية بشكل مباشر. وتذكِّر الورقة بأنه بعد صعود حزب العدالة والتنمية في بداية عام 2012 إلى قيادة الحكومة، تم التوجّه مرة أخرى نحو إلغاء التوظيف المباشر، وصرّح عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، في 14 ماي 2012، بأن "أساس التوظيف هو المباراة وليس الاحتجاج، لكونه لا يضمن الإنصاف"، وبأنّ "الولوج للوظائف العمومية يكون حسب الاستحقاق". ذلك خلّف، حَسَبَ المصدر نفسه، استياء في صفوف المعطَّلين حاملي الشهادات العليا، لاسيما في صفوف من وقعوا منهم محضَرَ 20 يوليوز 2011، الذين أعلنوا رفضهم للموقف الحكومي، وعملوا على مقاومة قمع السلطات من خلال تشكيل لجنة خاصة تعنى بالصمود في الشارع عندما تعطى الأوامر للسلطات الأمنية بالتدخل واستعمال القوة لتفكيك وقفاتهم الاحتجاجية، كما اتّخذوا قرار مقاطعة المباريات. وتشبثت المجموعات الموقعة على المحضر، تزيد الورقة، بما تعتبره "الحق" في التوظيف المباشر بناء على المرسوم والمحضر، في حين طالبت المجموعات التي لم يشملها المحضر، وتأسّست بعد انقضاء أجل المرسوم الوزاري، بإلغاء جميع القوانين التي تلغي التوظيف المباشر، واستندت حركة المعطَّلين، في تبرير مواقفها، إلى كون التوظيف المباشر يشكل حقا مكتسبا، بموجب قرارات التوظيف المباشر التي أصدرتها الدولة المغربية خلال الفترة المتراوحة بين 1999 و2011 خارج الإطار القانوني الذي يتضمّنه النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي أكد على ضرورة المباراة للحصول على الوظيفة العمومية. وأدّت لعبة شد الحبل بين الطرفين إلى لجوء حركة المعطلين إلى القضاء، عبر رفع دعوى قضائية سنة 2013 ضد رئيس الحكومة أمام المحكمة الإدارية بالرباط، قضت في المرحلة الابتدائية لصالح المعطلين، قبل أن تستأنف الحكومة المغربية الحكم القضائي، ويلغى الحكم المستأنف لِعَدَم قبول الدعوى شكلا. أسباب تراجع حركة المعطّلين أوردت ورقة المعهد المغربي لتحليل السياسات أن حركة المعطلين من حاملي الشهادات العليا ستختفي من الشارع ابتداء من سنة 2018، فبينما كان عددهم قبل سنة 2011 حوالي 3000 شخص، يحتجّ منهم في الشارع ما يقرب من 1500 معطل، وبلغ في عام 2011 حوالي 8000 شخص مسجل في اللوائح، يحتج منهم حوالي 3000 في الشارع بشكل منتظم، انخفض العدد في سنة 2012. ووصل في سنة 2013 عدد المسجّلين في لوائح المعطّلين إلى 4604، يحتج منهم حوالي 800 فقط، ليبلغ عدد المسجّلين في 2018 حوالي 287 شخصا فقط، يحتج منهم حوالي 80، ثم اختفت المجموعات بشكل نهائي من الشارع في 2019، مما قد يوحي بنجاعة مقاربة إلغاء التوظيف المباشر في إفراغ الشارع من المحتجين، وفق الورقة. وعدّدت الورقة عوامل تساعد في فهم أسباب تراجع العدد الإجمالي للمعطلين بدء من سنة 2013، على رأسها "تصريح رئيس الحكومة السابق القاضي بإلغاء التوظيف المباشر، وانسحاب فئة من مناضلي مجموعات المعطلين بعد اتخاذ المُسَيّرين قرار مقاطعة مباريات التوظيف"، إضافة إلى "عدم مبالاة السلطات المغربية بمطالب حركة المعطلين، باعتبار أن تفاعلها في السابق، ولو عبر القمع، كان يجعل المعطلين يشعرون بتجاوبها معهم، لكن الحركة تراجعت من حيث العدد، ولم تعد قادرة على التصعيد بسبب عدم اكتراث السلطات لها ولِمطالبها". كما ترجّح ورقة تقدير الموقف التي نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات أن "العياء النفسي والبدني للمعطَّلين كان عاملا حاسما في تراجع الحركة"؛ وتزيد مفسّرة اختفاء حركة المعطّلين من الشارع خلال عام 2019 ب"إحساس المعطلين بالعياء النفسي والبدني والانطفاء، نظرا للفترة الطويلة التي قضوها في النضال دون تحقيق مكتسبات، لاسيما أن الاحتجاج في الشارع يحتاج مصاريف كثيرة من أجل التنقل والإقامة في مدينة الرباط، في حين ينتمي جُلُّهُم إلى أسر محدودة الدخل، وهو ما رافقه تراجع في التّغطية الإعلامية لاحتجاجاتهم، وغياب في دعم الرأي العام لمطالِبهم".