ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجهة نظر: احتجاجات المعطلين بالمغرب وإرهاصات تجدد دورة الاحتجاج
نشر في لكم يوم 15 - 04 - 2019


مقدمة
منذ سنة 2006، اتجهت الحكومة المغربية نحو إلغاء التوظيف المباشر في الوظيفة العمومية عبر تحضير مشروع قانون جديد ينص على ضرورة اجتياز جميع المترشحين للوظيفة العمومية مباراة التوظيف. دخل هذا القانون حيز التطبيق في 18 فبراير 2011[1]، ولكن بعد انفجار موجة احتجاجات "الربيع العربي" سنة 2011، تراجعت الدولة عن تطبيقه بمرسوم استثنائي صدر في شهر أبريل 2011 يخول لحاملي الشهادات العليا الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية إلى غاية 31 دجنبر 2011، كما وقعت الحكومة محضرا مع مجموعات المعطلين في 20 يوليوز 2011، يخول لهم الإدماج المباشر. وفي هذا الاطار تم إدماج 4304 معطلا من حاملي الشهادات العليا في الوظيفة العمومية بشكل مباشر.
ولكن بعد صعود حزب العدالة والتنمية بداية سنة 2012 إلى قيادة الحكومة سيتم التوجه مرة أخرى نحو إلغاء التوظيف المباشر. ففي يوم 14 ماي 2012، صرح رئيس الحكومة السابق عبد الاله بنكيران[2]، أن أساس التوظيف هو المباراة وليس الاحتجاج، لكونه لا يضمن الإنصاف، مستدلا بالفصل 6 من الدستور الذي ينص على تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين، وبالفصل 31 الذي ينص على الاستفادة على قدم المساواة من الحق في الشغل والدعم من طرف السلطات، وعلى أن الولوج للوظائف العمومية يكون حسب الاستحقاق، وعلى المادة 22 من القانون الجديد للوظيفة العمومية التي تنص على المباراة، معتبرا أن المرسوم الاستثنائي قد تم في إطار القانون القديم الذي كان يسمح بالتوظيف المباشر[3].
وقد خلف هذا الموقف استياءا في صفوف المعطلين حاملي الشهادات العليا، لا سيما أولئك الذين وقعوا محضر 20 يوليو ز2011، وقد أعلنوا رفضهم لهذا الموقف الحكومي، وعملوا على مقاومة قمع السلطات من خلال تشكيل لجنة خاصة تعنى بالصمود في الشارع عندما تعطى الأوامر للسلطات الأمنية بالتدخل واستعمال القوة لتفكيك وقفاتهم الاحتجاجية. بالإضافة إلى ذلك اتخذوا قرار مقاطعة المباريات، وتشبثت المجموعات الموقعة على المحضر، بما تعتبره "الحق" في التوظيف المباشر بناءا على المرسوم والمحضر، في حين طالبت المجموعات التي لم يشملها المحضر، وتلك التي تأسست بعد انقضاء أجل المرسوم الوزاري، بإلغاء جميع القوانين التي تلغي التوظيف المباشر[4].
تراجع احتجاجات المعطلين
لقد كانت حركة المعطلين، تستند في تبرير مواقفها إلى كون التوظيف المباشر يشكل حقا مكتسبا، بموجب قرارات التوظيف المباشر التي أصدرتها الدولة المغربية خلال الفترة (1999- 2011) خارج الاطار القانوني الذي يتضمنه النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والذي أكد على ضرورة المباراة للحصول على الوظيفة العمومية[5]. وقد كانت الدولة تلجأ إلى هذه الممارسات في السابق لامتصاص غضب العاطلين حاملي الشواهد العليا الذين كانوا يخوضون احتجاجات مستمرة أمام البرلمان المغربي وكانت مصدر قلق مستمر للسلطات.
لذلك، لم يؤدي إلغاء التوظيف المباشر إلى تغيير هذه التمثلات لدى حركة المعطلين، في حين من وجهة نظر الدولة، يتعارض التوظيف المباشر مع الفصل 22 من هذا القانون وتعتبر هو المعيار لالغاء التوظيف المباشر[6]. وقد تم تأويل هذا الفصل لكونه جعل السبيل الأوحد للتوظيف هو المباراة، والاستثناء الذي أرساه المشرع عليها، هو ما تضمنته الفقرة الثالثة من هذا الفصل، والذي ترخص بموجبه الحكومة للسلطات المكلفة بالدفاع الوطني أو بالأمن الداخلي والخارجي للدولة، بأن تقوم بتوظيفات بعد اختبار الكفاءات المطلوب توافرها في المترشحين. وبحسب مبررات المعطلين، لم يسبق للتوظيف المباشر أن تم في إطار القانون، وإنما فرضته الحركة بفضل احتجاجاتها في الشارع[7]، كما يعتمدون أيضا على المرسوم الوزاري الاستثنائي الذي صدر سنة 2011، مبررين ذلك بحصولهم على دبلوماتهم قبل إصدار هذا المرسوم[8]. لذلك، يطالبون بالاستفادة من التوظيف المباشر كما استفادت منه باقي المجموعات السابقة.
وقد أدت لعبة شد الحبل بين الطرفين إلى لجوء حركة المعطلين إلى القضاء، عبر رفع دعوى قضائية سنة 2013 ضد رئيس الحكومة أمام المحكمة الإدارية بالرباط، قضت في المرحلة الابتدائية لصالح المعطلين[9]، قبل أن تستأنف الحكومة المغربية الحكم القضائي، وتقوم محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف، وبعدم قبول الدعوى شكلا[10]. ونتيجة لذلك ضعفت تعبئة المعطلين، قبل أن تنتعش احتجاجاتهم مرة أخرى سنة 2016، عبر المجموعة التي تسمى "معطلي المحضر"، بعد توقيع الدولة لمحضر مع تنسيقية الأساتذة المتدربين يقضي بتوظيفهم عبر مباراة، ليختفي "معطلو المحضر" بعد عدم التفاعل مع مطلبهم[11].
يظهر هذا المبيان التراجع اللافت لكل من العدد الإجمالي للمعطلين حاملي الشهادات العليا المسجلين في لوائح التوظيف المباشر وعدد المحتجين منهم ابتداءا من سنة 2012، التي تم فيها إلغاء التوظيف المباشر حيث ستختفي الحركة من الشارع ابتداء من سنة 2018،. إذ كان عددهم قبل سنة 2011 يصل إلى حوالي 3000 شخص، يحتج منهم في الشارع ما يقارب 1500، وبلغ سنة 2011 حوالي 8000 شخص مسجلا في هذه اللوائج يحتج منهم 3000 في الشارع بشكل منتظم، وانخفض سنة 2012، ليصل سنة 2013، إلى 4604 شخص مسجلا في لوائح المعطلين، يحتج منهم حوالي 800 فقط. وسنة 2018، بلغ عدد المسجلين في لوائح الأطر العليا المعطلين حوالي 287 شخصا فقط، يحتج منهم حوالي 80، لتختفي المجموعات من الشارع سنة 2019 بشكل نهائي، مما قد يوحي بنجاعة مقاربة إلغاء التوظيف المباشر في إفراغ الشارع من المحتجين.
العياء النفسي والبدني
هناك عدة أسباب تساعد على فهم أسباب تراجع العدد الإجمالي للمعطلين بدءا من سنة 2013. السبب الأول يرجع أساسا إلى تصريح رئيس الحكومة السابق والقاضي بإلغاء التوظيف المباشر، إضافة إلى انسحاب فئة من مناضلي محموعات المعطلين بعد اتخاذ المسيرين لقرار مقاطعة مباريات التوظيف[13].
يضاف إلى ذلك، عدم مبالاة السلطات المغربية بمطالب حركة المعطلين، باعتبار أن تفاعلها في السابق، ولو عبر قمع الحركة الاحتجاجية، كان يجعل المعطلين يشعرون بتجاوبها معهم، لكن الحركة تراجعت من حيث العدد، ولم تعد قادرة على التصعيد بسبب عدم اكتراث السلطات بهم وبمطالبهم. ويدخل ضمن هذه اللامبالاة، غياب ما يسمونه "حوارات جدية في تدبير مطلبهم"[14]، باعتبار أنه سبق لرئيس جهة الرباط خلال سنة 2018 أن فتح حوارا مع المعطلين، واقترح عليهم التشغيل الذاتي بوساطة الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، لكنهم رفضوا تدخل هذه الوكالة، كما أنهم يعتبرون أن الحوارات لا طائل من ورائها، إذ لا تعدو أن تكون وسيلة من أجل الاستماع والتهدئة فقط[15].
ولكن فوق كل ذلك يشكل العياء النفسي والبدني للمعطلين عاملا حاسما في تراجع الحركة. فخلال سنة 2019 اختفت الحركة من الشارع بسبب إحساس المعطلين بالعياء النفسي والبدني (الانطفاء burnout)، نظرا للفترة الطويلة التي قضوها في النضال دون تحقيق مكتسبات، لا سيما أن الاحتجاج في الشارع يحتاج إلى مصاريف كثيرة مثل التنقل والاقامة في مدينة الرباط، وجل المعطلين ينتمون إلى أسر محدودة الدخل، وتراجع التغطية الإعلامية لاحتجاجاتهم، بالإضافة إلى غياب دعم الرأي العام لمطالبهم[16].
سياق ملائم لتفاقم أزمة المعطلين
يعتقد حاملوا الشهادات العليا المعطلين بأحقيتهم في التوظيف المباشر لأن فئتهم هي الأكثر عرضة للبطالة مقارنة مع باقي الفئات الاجتماعية الأخرى. فبحسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، فإن حملة الشهادات أكثر عرضة للبطالة من أولئك الذين لم ينهوا دراساتهم، ففي سنة 2018، انتقل المعدل الوطني للبطالة من 10,2% إلى 9,8%، ولكن يبقى هذا المعدل أكثر ارتفاعا ضمن فئة حاملي الشهادات العليا، سيما خريجي الجامعات، حيث يبلغ معدل البطالة في صفوفهم حوالي الثلث[17]. وقد سبق لملك البلاد أن اعتبر في خطاب 13 أكتوبر 2017، أن التقدم الذي يعرفه المغرب لا يشمل كل المواطنين وخاصة الشباب، الذي يمثلون أكثر من ثلثي السكان[18].
يحتل مطلب الشغل الرتبة الأولى في لائحة مطالب الحركات الاجتماعية في المغرب[19]، في حين تظل المناصب العمومية عاجزة عن امتصاص عدد العاطلين المتزايد، إذ عرفت تراجعا ملحوظا خلال الثلاث سنوات الأخيرة منذ سنة 2016، لتبدأ في الارتفاع ابتداءا من سنة 2019. فسنة 2016، تم إحداث 25998 منصبا ماليا، وسنة 2017، تم إحداث 23768، ليتراجع هذا العدد سنة 2018، بحيث تم إحداث 19315 منصبا ماليا، كما يُتوقع إحداث 25208 منصبا ماليا برسم الميزانية العامة للسنة المالية 2019.
يلتقي تراجع المناصب المالية مع سياسة الإصلاح الإداري التي تتجه نحو المزيد من ترشيد النفقات. وقد بدأت ارهاصات هذا التوجه الجديد مع إصدار مرسوم فصل التكوين عن التوظيف لدى خريجي مراكز تكوين الأساتذة سنة 2015، ثم بعد ذلك إصدار قرار التوظيف عبر التعاقد ابتداءا من سنة 2016، ثم قرار تنظيم مباريات خاصة لفائدة دكاترة الوظيفة العمومية تهم تحويل مناصبهم التي يشغلونها بإداراتهم الأصلية إلى الجامعة، كصيغة لا تتطلب خلق مناصب مالية جديدة[20].
ولا توحي الظرفية الاقتصادية بإمكانية تحسن في خلق مناصب مالية جديدة، بسبب انخفاض الاستثمار وتوقع ارتفاع الحاجات المالية في تمويل الاستثمار العمومي، وارتفاع نسبة المديونية، مما يجعل الحكومة مطالبة بتوفير أكبر ما يمكن من الادخار الداخلي والوطني لمواجهة حاجيات النمو دون تحكم أي مصدر للتمويل الخارجي[21].
قد يؤدي هذا السياق المضطرب إلى خروج المعطلين إلى الشارع في أي وقت، سيما وأن احتجاجاتهم لا ينظمها قانون التجمعات العمومية، وإنما "الحق المكتسب" في احتلال الفضاء العمومي الذي ظهر في التسعينات، إذ لا يسمح الفصل 11 من هذا القانون بالتظاهر إلا للتنظيمات القانونية، شرط تقديم تصريح مسبق للسلطات[22] وهو شرط لا يتوفر في مجموعات المعطلين ولا تتقيد به. يضاف إلى ذلك، ضعف تطبيق معايير المساواة والكفاءة والاستحقاق في التوظيف، إذ سبق للمندوب السامي للتخطيط أن صرح سنة 2015، بأن أكثر من ربع التوظيفات بالمملكة تخضع لمنطق المحسوبية والزبونية وتأثير العائلات النافذة[23]. وسنة 2019، أقر ذات المسؤول بأن 70% من العاطلين يستعينون بشبكة الأقارب والأصدقاء للحصول على منصب شغل[24]. كما أن السلطات اعتادت لفترة طويلة الاستجابة لمطالب الحركات الاحتجاجية التي تحقق الضغط في الشارع، وهو ما يعطي الانطباع لدى المعطلين بأن الضغط في الشارع في الطريقة الوحيدة لتحقيق مطالبهم. وهو ما برز سنة 2016، بتوقيع الحكومة المغربية لمحضر مع الأساتذة المتدربين والذي نص على توظيف فوج الأساتذة الذي يضم الآلاف دفعة واحدة، مع وجود مرسومين ينص أحدهما على المباراة[25]، في حين رفضت الحكومة في الوقت نفسه الاعتراف بمحضر المعطلين، مما أدى إلى عودة احتجاجات المعطلين إلى الشارع سنة 2016 للمطالبة بحل ملفهم إسوة بالأساتذة المتدربين[26]. وخلال سنة 2019 ، وبعد تدبير ملف الأساتذة المتعاقدين، أجرت مجموعات المعطلين حاملي الشهادات تعبئة على الفيسبوك من أجل الخروج إلى الشارع يوم 20 مارس 2019، إلى جانب تنسيقية محضر 20 يوليوز[27].
يبدو أن لامبالاة السلطات في التجاوب مع المعطلين حاملي الشهادات العليا ولد شعورا بالتحدي، ولهذا بدأ نشطاء الحركة التخطيط لاستثمار فرصة احتجاجات الأساتذة المتعاقدين "للتجند كي يعودوا بقوة إلى الشارع"[28]. إذ يعتبر بعض ناشطوا الحركة أنهم حاليا في فترة عطلة، في انتظار العودة مجددا للاحتجاج في الشارع، بحيث تنتظر أن يكون مستجد احتجاجات الاساتذة المتعاقدين فرصة احتجاجية، سيما أمام اقتناعهم بالحق في التوظيف المباشر[29].
خلاصة
من المرجح على المدى القريب، أن تعود احتجاجات المعطلين إلى الشارع، ربما بأعداد أكبر، لا سيما في حالة عودة الزخم الاحتجاجي للحركات الاحتجاجية الأخرى، ولكن بالنسبة للمعطلين، ستحافظ في الغالب على نمط التعبئة كحركة لا-سياسية. أما على المدى البعيد، وإذا ما استمر التراجع في خلق مناصب التوظيف في القطاع العام وأمام ضعف القطاع الخاص في خلق مناصب الشغل، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى طول أمد السنوات التي يقضيها المعطلون في البطالة قبل تحقيق الاندماج المهني، كما ستتزايد أفواج الخريجين العاطلين. وفي ظل هذا السياق، وأمام احتمالات انتقال المطالب الاحتجاجية في المغرب من البعد الاجتماعي إلى البعد السياسي[30]، فمن المتوقع أن يؤثر المعطلون على السلم الاجتماعي، باعتبار أن الدولة اعتمدت في تدبيرها للحركة في السابق على استراتيجية "التوظيف مقابل عدم التسييس"، كما وظفت الحركة استراتيجية التسييس للضغط على السلطات من أجل الجلوس على طاولة الحوار والتفاوض. وقد تشكل العودة إلى الخدمة العسكرية تدبيرا وقائيا مؤقتا لأزمة تشغيل الشباب[31]، إلا أن هذه التدابير تبدو محدودة في الحد من عودة مجددة للعاطلين حاملي الشهادات إلى الاحتجاج في الشارع العام، ما لم يتم معالجة جذور ظاهرة بطالة الشباب والمرتبطة بنموذج الاقتصاد السياسي المعتمد على الريع بدل التنافسية.

هوامش
[1] ونشر بالجريدة الرسمية، يوم 19 ماي 2011.
[2] – جواب رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران على سؤال شفوي حول السياسة العامة للحكومة لإنعاش التشغيل والتخفيف من ظاهرة البطالة، في إطار أولى جلسة شهرية للأسئلة الشفوية المتعلقة بالسياسة العامة الموجهة إليه، ورد عن فرق الأغلبية بمجلس النواب. بتاريخ 14 ماي 2012.
[3] – مرسوم رقم 2- 11- 100، صادر في 4 جمادى الأولى 1432(8 أبريل 2011) يحدد بصفة استثنائية وانتقالية كيفيات التوظيف في بعض الأطر والدرجات. ج. ر عدد 5933، الصادرة بتاريخ 7 جمادى الأولى 1432، 11 أبريل 2011.
[4] – ملاحظة مشاركة 2012، وملاحظة مباشرة 2013، وانطلاقا من بيانات بعض المجموعات.
[5] – حيث كان ينص على ما يلي :" يقع التوظيف في كل منصب من المناصب إما عن طريق مباريات تجرى بواسطة الاختبارات أو نظرا للشهادات، وإما بواسطة امتحان الأهلية أو القيام بتمرين لإثبات الكفاءة، وذلك مع مراعاة المقتضيات المؤقتة المقررة في التشريع الجاري به العمل".
[6] – في المذكرات الجوابية الأصلية والإضافية والتعقيبية المقدمة من طرف الوكيل القضائي والمودعة بكتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بتاريخ 5- 3- 2013، و3- 4- 2013، والتي يلتمس فيها عدم قبول الدعوى التي رفعتها معطلة من أطر محضر 20 يوليوز 2011، للحكم بتسوية وضعيتها الفردية المالية بإدماجها في سلك الوظيفة العمومية وفقا لالتزام الحكومة بالتوظيف المباشر لمحضر 20 يوليوز 2011. أنظر: أصل الحكم المحفوظ بكتابة الضبط بالمحكمة الإدارية بالرباط، قسم قضاء الإلغاء: حكم بتاريخ الخميس 12 رجب 1434، الموافق ل 23/5/2012، ملف رقم: 2012/5/568. حكم عدد 1888، ملف عدد 567/5/2012.
[7] – حوار مع ممثلي حركة الأطر العليا، بتاريخ 14 مارس 2018، بساحة البريد بالرباط.
[8] – حوار مع نادية الميسر، 5 مارس 2019.
[9] – أصل الحكم المحفوظ بكتابة الضبط بالمحكمة الإدارية بالرباط، قسم قضاء الإلغاء: حكم بتاريخ الخميس 12 رجب 1434، الموافق ل 23/5/2012، ملف رقم: 2012/5/568. حكم عدد 1888، ملف عدد 567/5/2012.
[10] – المملكة المغربية، وزارة العدل، محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، القرار عدد 3610، المؤرخ في 01/08/2014.
[11] – حوار مع عضوة في تنسيقية الأطر العليا المعطلة، بتاريخ 14 مارس 2018.
[12] – في سنوات 2009- 2010، 2011، تم الاعتماد على معطيات رسمية(ملحقة الوزير الأول سابقا، والهيأة الوطنية لدعم مطالب الأطر العليا المعطلة، وخلال سنوات 2012، 2013، 2018، و2019، تم الاعتماد على مسيري الحركة.
[13] – مقابلات مع مسيري الحركة، سنة 2013.
[14] – حوار مع نادية الميسر، المنسقة السابقة للتنسيقية الوطنية للأطر العليا المعطلة، بتاريخ 5 مارس 2019.
[15] – نفسه.
[16] – حوار مع نادية الميسر، المنسقة السابقة للتنسيقية الوطنية للأطر العليا المعطلة، بتاريخ فاتح مارس 2019.
[17] – المندوبية السامية للتخطيط، مذكرة حول مميزات السكان النشيطين العاطلين سنة 2018، الأربعاء 27 فبراير 2019، على موقع المندوبية السامية للتخطيط.
[18] الخطاب الملكي في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 2017-2018، الرباط، 13 أكتوبر 2017. الرابط: http://www.parlement.ma/ar/الخطب-الملكية/الرباط،-13-أكتوبر-2017-الخطاب-الملكي-السامي-في-افتتاح-الدورة-الأولى-من-السنة-التشريعية
[19] عبد الرحمن رشيق، الحركات الاحتجاجية في المغرب من التمرد إلى التظاهر، منشورات منتدى بدائل المغرب، ماي 2014، ص 48.
[20] – – أنظر جوابا كتابيا لخالد الصمدي، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي على سؤال كتابي لعمر بلافرج، عضو بالحزب الاشتراكي الموحد، بمجلس النواب، حول حصر مباريات الأساتذة المساعدين في فئة الموظفين، سؤال كتابي رقم 315 بتاريخ 27/ 4/ 2017. المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، كتابة الدولة المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي، 4 غشت 2017.
[21] – تصريح محمد الحليمي، المنذوب السامي للتخطيط على هامش ندوة الصحافة حول الوضعية الاقتصادية ل 2018، وتوقعاتها لسنة 2019، 16 يناير 2019. موقع المندوبية السامية للتخطيط، الإثنين 28 يناير 2019.
[22]– قانون رقم 76.00 بتاريخ 23 يوليوز 2002، صادر في ج.ر عدد 5046 بتاريخ 10 أكتوبر 2002، ص 2890.
[23] – الحليمي: أكثر من ربع الوظائف تخضع للمحسوبية والعائلات النافذة، في اليوم 24، بتاريخ 27 يناير 2015. http://www.alyaoum24.com/256492.html
[24] – لحليمي: "باك صاحبي" تسيطر على سوق الشغل بالمغرب، في المساء، العدد 3826، الجمعة فاتح مارس 2019.
[25] – مرسوم رقم 588. 15. 2 صادر في 24 من شوال 1436(10 أغسطس 2015) بتغيير المرسوم رقم 854. 02. 2 الصادر في 8 ذي الحجة 1423(10 فبراير 2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية. ج. ر عدد 6402، 24 ذو الحجة 1436(8 أكتوبر 2015)، ص 8344.
[26] – عبر تتبع مجموعة محضر 20 يوليوز على الفيس بوك: "تنسيقية أطر محضر 20 يوليوز 2011". https://web.facebook.com/groups/somoud/?fref=nf
[27] – إعلان عن محطة نضالية، تنسيقية أطر محضر 20 يوليوز 2011، الرباط في 15 مارس 2019.
[28] – حوار مع نادية الميسر، فاتح مارس 2019.
[29] – حوار مع نادية الميسر، 5 مارس 2019.
[30] – عبد الإله سطي، احتجاجات الهوامش: القشرة وما تخفيه، المعهد المغربي لتحليل السياسات، 12 مارس 2018. https://mipa.institute/5495
[31] – يخلص اسماعيل حمودي في مقال حول دواعي عودة الخدمة العسكرية إلى أنه" من المستبعد على المدى البعيد أن ينجح هذا المشروع في امتصاص غضب الشباب العاطل والمهمش، لأن الشباب الذين يلجون إلى سوق الشغل سنويا يقدرون بمئات الآلاف، وهو ما يقتضي إيجاد حلول عميقة لمعضلة إدماج الشباب". أنظر إسماعيل حمودي، العودة إلى الخمة العسكرية: الدواعي والتحديات، 28 ديسمبر 2018. https://mipa.institute/6332
*باحثة مساهمة في المعهد المغربي لتحليل السياسات، حول موضوع الحركات الاجتماعية بالمغرب، متخصصة في الاحتجاج الاجتماعي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.