يتناول الروائي الإسباني "إدواردو مندوثا" في روايته "شجار قطط. مدريد 1936"، والتي صدرت ترجمتها إلى العربية مؤخرا، أحد أكثر الفترات سخونة في تاريخ بلاده، قبيل اندلاع الحرب الأهلية بين معسكرين شديدي التنافر. لا يقدم "مندوثا" طرحًا تقليديًا للمسألة، إذ اختار بطلًا إنجليزيًا لروايته، ما أتاح له تقديم أحداث الرواية والفترة التي تدور فيها بعين "أجنبية" دون انحيازات لأي من المعسكرين. البطل هو الإنجليزي "أنطوني وايتلاندز" الذي يصل على متن قطار إلى مدريد في ربيع عام 1936 ويجب عليه أن يُصادق على لوحة مجهولة، تنتمي إلى صديق "خوسيه أنطونيو بريمو دي ريبيرا"، نجل الديكتاتور الراحل "ميغيل دييغو دي ريبيرا"؛ لوحة يمكن أن تكون قيمتها الاقتصادية عالية وحاسمة لصالح تغيير سياسي كبير في تاريخ إسبانيا. إلا أن شغف الحب مع النساء من مختلف الطبقات الاجتماعية يصرف الناقد الفني عن مهمته دون أن يعطيه الوقت لقياس مدى تضاعف المضطهدين له من رجال شرطة، دبلوماسيين، سياسيين وجواسيس، في جو من المؤامرات وأعمال الشغب. تحمل الرواية، التي صدرت ترجمتها العربية عن دار (مسعى)، في ثناياها ما هو أكثر من هاتين الفقرتين اللتين وردتا في الغلاف الخلفي للترجمة، فعبر كتابة نثرية رشيقة ومسلية يكشف "مندوثا" للقارئ الظروف التي أدت لاندلاع الحرب الأهلية، حين كانت المأساة على وشك الانفجار. بهذه الطريقة يجد القارئ نفسه يتجول، كما يفعل بطل الرواية الأجنبي، في أوساط النبلاء والسياسة والمؤامرات العسكرية ليعرف السبب وراء "شجار القطط" الذي سيقع بين معسكري اليمين واليسار في إسبانيا. وتستمد الرواية اسمها من لوحة للفنان الإسباني فرانثيسكو دي جويا يظهر فيها قطان لونهما أسود يتعاركان فوق سور طوبي متهدم، وهي استعارة بطبيعة الحال عن الوضع الذي كانت عليه إسبانيا قبل اندلاع الحرب الأهلية (1936-1939). ولأن بطل العمل خبير في الفنون وبالأخص "دييغو بيلاثكيث"، فتذخر الرواية بإشارات كثيرة للوحاته، لتكشف عن ثقافة مندوثا الفنية الهائلة، لكن الأهم من هذا إجادتها لاستخدامها كإسقاطات تعكس تلك الفترة الحرجة من تاريخ إسبانيا. وحول هذا يقول طه زيادة، مترجم الرواية إلى العربية، في تصريحات ل(إفي) إنه يمكن تقسيم الشخصيات إلى عدة مستويات اجتماعية، وبالتالي لغوية وهو ما يشكل إشكالية في الترجمة. ويضيف زيادة "نجد طبقة النبلاء وأوساطها ورجال الدين، ثم رجال السياسة والأحزاب والخدم والرعاع، ولكل منها أسلوبها المنفصل، لكن يجمع بينها جميعا الطابع المدريدي في فترة الثلاثينيات". لا تخلو الرواية من ظهور شخصيات تاريخية حقيقية في أدوار محورية وشرفية، من خوسيه "أنطونيو بريمو دي ريبيرا" مؤسس حزب الفلانخي الإسباني إلى الجنرالين "فرانثيسكو فرانكو" و"كييبو ديل يانو" واهتمامها بالحصول على دعم طبقة النبلاء في تحركهم الانقلابي. وينجح "مندوثا" في تقريب الصورة من هذه الشخصيات التاريخية في الفصول التي تظهر فيها دون إصدار أحكام مطلقة وعبر حوارات ذكية مبنية بصورة عالية الجودة. ووفقا لزيادة، الذي حصل على النسخة الأولى من جائزة الترجمة الإسبانية المصرية عام 2015، فإن "أسلوب مندوثا ليس صعبًا، لكنه خاص جدا، فهذه أول رواية لابن برشلونة تدور أحداثها في مدريد، لكنه اجتهد في توثيقها قدر المستطاع". وقدم زيادة ترجمة الرواية للعربية، التي صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، مؤخرا في المركز الثقافي الإسباني بحضور مديرته "سيلبيا رودريغث خيرالبا"، التي هنأته على الإنجاز مع التأكيد على أن "ثربانتس" مفتوح لكل المترجمين لتقديم أعمالهم. وقال زيادة أثناء تقديم العمل أن ترجمة هذا العمل تطلبت منه مهارات بحثية متنوعة، وخاصة في الجزء المرتبط باللوحات التي تظهر فيها، وكذلك بعض التعبيرات اللغوية الخاصة بالعاصمة الإسبانية مدريد في فترة الرواية، معربا عن فخره بتقديم العمل للعربية. ومؤلف الرواية، "إدواردو مندوثا"، من مواليد برشلونة 1943 وله العديد من الأعمال أبرزها (مدينة العجائب) 1986 و(سر السرداب المسحور) 1979 و(متاهة الزيتون) 1982.وحصل عام 2016 على جائزة "ثربانتس" أرفع جوائز الأدب الناطق بالإسبانية. *إفي