قال محمد سعيد، مسيحي مغربي، إن "زيارة البابا إلى المغرب من شأنها تشجيع التسامح والحوار بين الحضارات والأديان، بحيث يمكن إدراجها ضمن الدبلوماسية الدينية"، مضيفا أن الانتقادات التي طالتها تعبير عن "الانغلاق الديني والسياسي والاجتماعي"، مردفا أن "تلك المنظمات (التي انتقدت الزيارة) إسلامية معروفة بهجومها الشرس على المعتقدات المسيحية وغيرها". وأوضح سعيد، الباحث في العلوم الإنسانية، في حوار أجرته معه جريدة هسبريس الإلكترونية، أن المسحيين لا يتوفرون على "أي أجندات خارجية مثلما يتهمنا البعض، لأننا على دراية بالوضع الاجتماعي والسياسي المغربي"، وزاد: "هذا ما يجعلنا نحتاج إلى تدبير ديني يقوم على أساس التغيير الآني للدستور، من أجل إعطائه دفعة قوية في مجال الحريات العقائدية". وإليكم نص الحوار كاملا: بداية، ما تعليقك على الزيارة التي قام بها البابا إلى المملكة؟ نحن ممتنون للزيارة باعتبارنا مغاربة أجمعين، وليس مسيحيين أو مؤمنين فقط، لأن المجتمع المغربي ككل فرح بهذه الزيارة الهادفة إلى تمتين الأواصر بين دولة الفاتيكان والدولة المغربية، ومن ثمة نشجعها في إطار ما يُعرف بالتسامح والحوار بين الحضارات والأديان، بحيث يمكن إدراجها ضمن الدبلوماسية الدينية. شنّت العديد من الفعاليات الدعوية والسلفية هجوما على زيارة البابا بل ذهبت إلى حد مهاجمة الكنيسة الكاثوليكية والرهبان الأوروبيين، كيف تساهم هذه الخطابات في الانغلاق الديني؟ إن هذه الجهات معروفة في المجتمعات الإسلامية، لأنها تبتغي الانغلاق الديني والسياسي والاجتماعي، على أساس أن بعض الأطراف لا تريد أن تحدث مثل هذه الزيارات التي ترى أنها ليست في صالحها؛ إذ سوف تنزع البساط من تحتها والوصاية المجتمعية التي تمارسها على المجتمع المغربي، ومن ثمة تتخوف مما يسمى بتسريب المعتقد المسيحي داخل المجتمع المغربي من قبل الكنيسة الكاثوليكية، مع العلم أننا لا نستطيع نفي ذلك أو تأكيده، لكن عموما ليست سوى حالات ونزعات غير غريبة ولا تأثير لها. استنكر ما يسمى ب "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الملحَمة الموسيقية التي مزجت الترانيم المسيحية واليهودية بالأذان، ما مدى تعبير هذه الجهات عن تغلغل التيار السلفي الوهابي في "المجتمعات الإسلامية"؟ أرى أن الضجة مُتوقعة من الذين يسدون آذانهم عن الاختلاف الديني والحوار بين المجتمعات، لأنها أتت من منظمات إسلامية معروفة بهجومها الشرس على المعتقدات المسيحية وغيرها، لأن الهجوم الشرس على الآخر يعني أن المسيحية تمثل الآخر الذي لا ينبغي التطبيع معه داخل ما يسمى بالمجتمعات الإسلامية، علما أن المجتمعات لا تُبنى بواسطة الدين فقط، هي تراكم لما هو تاريخي وثقافي، ومن ثمة من العادي أن تشجب هذه المنظمات بمختلف تلاوينها الغناء، الذي رأى فيه المنظمون تعبيرا عن التسامح الديني. في نظرك، هل ستسهم هذه الزيارة في ضمان الحقوق الدينية للمسيحيين المغاربة مُستقبلا؟ أرى أن الزيارة لن تضيف شيئا إلى حرية المعتقد بالمغرب، وهي زيارة نرحب بها بالأساس، بل ونشكر البابا على زيارته، لأنه إذا قمنا بتتبع خطاب البابا، إن لم يقع هنالك أي تأويل غير صحيح في ترجمة كلامه، فإنه كان ضد ما يسمى بالتبشير المسيحي، لكنه يعد ضمن العقائد المسيحية للكنيسة، إذ لا يمكن للبابا أو غيره أن ينفي وجود التبشير المسيحي، لكن من حقه أن ينفي التنصير الذي نخالفه، لأننا لا نُغري أحدا لكي يكون مسيحيا. لذلك، أرى أنه من الناحية الحقوقية لن تضيف الزيارة أي شيء. قال العاهل المغربي في الخطاب الذي ألقاه بالمناسبة، إنه "مؤتمن على المسلمين والمسيحيين واليهود"، الأمر الذي يحيلنا على الحرية العقائدية والدينية للمسيحيين المغاربة، ما مدى تحققها على أرض الواقع؟ قال الخطاب الملكي إنه الحافظ لحقوق اليهود والمسيحيين والمسلمين، لكنه لم يشر بتاتا إلى المسيحيين المغاربة، بل أشار فقط إلى الأجانب الزائرين أو المقيمين بالمغرب، أي إنه الضامن والحامي لحقوقهم الدينية، بحيث يعد الملك أمير المؤمنين حسب الفصل 41 من دستور 2011، وأيضا رمز سيادة الدولة في الفصل 42، ومن ثمة لن نخاطبه كأمير للمؤمنين بصفتنا مؤمنين مسيحيين. إن الفاصل بيننا والخطاب هو النص الدستوري؛ إذ ننطلق في إطار ما يسمى بالندية السياسية والدفاع عن حقوق الإنسان من الدستور المغربي والقوانين لتكريس حرية المعتقد، سواء للمسيحيين أو البهائيين أو الأحمديين أو لا دينيين أو الملحدين. إنه خطاب موجه للخارج وليس للداخل، لأن الحامي هو الدستور وليس الفرد، أي بالرجوع إلى المواثيق المجتمعية، بينما لا توجد أي مادة تتحدث عن حرية المعتقد، ما يجعلني أقول إن رمزية إمارة المؤمنين لا تعنيني شخصيا؛ إذ أخاطب الملك باعتباره رئيسا للدولة والنظام السياسي. وجهت رسالة شخصية إلى رئيس الحكومة في إحدى مقالاتك الراهنة تطالبه بأخذ حرية المعتقد ضمن اعتباراته السياسية والحقوقية، كيف ترى تدبير "حكومة العثماني" لموضوع المكونات الدينية بالمغرب؟ الرسالة الشخصية يخاطب فيها مسيحي مغربي رئيس الحكومة، الذي أعرفه بشكل شخصي في إحدى المراكز البحثية بالدار البيضاء، بحيث عقدنا معه لقاءات عديدة في وقت سابق، قبل تعيينه رئيسا للحكومة. تعبر الرسالة عن الحقوق المسلوبة لمواطن مغربي داخل المجتمع من طرف النظام السياسي، وهي حقوق طبيعية تتجلى في التعبد بطريقة علنية والأسماء المسيحية والزواج والدفن والتعليم الديني للأطفال، الذي نشترط ألا يكون مؤدلجا. لعل مغزى وخلفية الرسالة يكمنان في الدفاع عن وجودنا بالغالي والنفيس. كما نريد القول إننا لا نتوفر على أي أجندات خارجية مثلما يتهمنا البعض، لأننا على دراية بالوضع الاجتماعي والسياسي المغربي، ما يجعلنا نحتاج إلى تدبير ديني يقوم على أساس التغيير الآني للدستور من أجل إعطائه دفعة قوية في مجال الحريات العقائدية.