قبل أن يتم طَي الملف، ووسط حضور كبير لأسر المعتقلين، وممثلين عن هيئات حقوقية، وطنية ودولية، إلى جانب مختلف المصالح الأمنية، دافع حميد المهداوي، الصحافي المتابع في قضية حراك الريف، عن براءته من التهمة الموجهة إليه من لدن سلطة الاتهام. وأكد المهدوي في الكلمة الأخيرة، التي منحت له قبل اختلاء الهيئة برئاسة القاضي الحسن الطلفي للمداولة، أن "هذه الواقعة لا علاقة لها بالريف"، وزاد: "لا علاقة لي بهاد التخربيق"، مشيرا إلى أن النيابة العامة عملت على إيداعه السجن بأي وسيلة في غياب دليل للإدانة. واستعرض الصحافي، المدان ابتدائيا بثلاث سنوات سجنا نافذا، في كلمته، ما اعتبرها أخطاء وتناقضات وقعت فيها سلطة الاتهام، من خلال سرده مضامين المكالمات الهاتفية التي جمعته بالمسمى "نور الدين البوعزاتي"، قائلا: "هذه المحاكمة لم يشهد تاريخ المغرب مثلها، فسلطة الاتهام وقعت في ارتباك كبير". وبعد أن شبه قضيته مع النيابة العامة بنكتة الزوج الذي جلب بيضا لزوجته، وكان يعنفها لكونها طهته بطريقة غير التي يريد، قال إن سلطة الاتهام اعتبرته "صحافي هبيل، وثق في الدستور والإصلاحات، وخاصو يدخل الحبس". وتابع مدير موقع "بديل" المتوقف عن الصدور: "رغم ما قاله المدعو البوعزاتي، لم تنطل عليّ حيلته، وكنت مضغوطا وحاولت تسجيل موقفي عليه ضد العنف"، مضيفا وهو يسخر من كلام المتصل به: "كيفاش يقوليك باغي يعطي لروسيا العربون في السلاح، مالها نكافة". المهدوي، الذي ظل أزيد من ساعة من الزمن يؤكد براءته من المنسوب إليه، خاطب هيئة المحكمة "واش عندي لَكْرُونْ بَاشْ نْصَدَّقْ كْلاَمُو، أنا راه صحافي وقراوني ناس كبار وقريت كتب كثيرة"، مستغربا وهو يتحدث عن مضامين المكالمات: "هل يعقل أن يتم تغيير مشروع من الحرب إلى السلم في 16 دقيقة..هذه تفاهة، لا يجب أن تصدقوها وأنتم خلف الله في الأرض". وشدد الصحافي على كونه وطنيا يُؤْمِن بمؤسسات البلاد، إذ خاطب الهيئة قبل اختلائها للمداولة قائلا: "أنا ولدكم، وخوكم، ومغربي مثلكم، والمؤسسات الدستورية أحترمها وأحترم الملك، وأحب هذا البلد مهما كان الحكم"، مضيفا: "ضميري مرتاح، وأتمنى أن يكون الحكم عادلا لفائدة القانون ولهذا البلد". وأوضح المهدوي بعد أن وجد نفسه في حيرة من أمره بسبب هذه المتابعة: "والله وخرجت لا باقي هضرت، ماشي حينت خواف، ولكن لأني عشت الرعب في هذه المتابعة"، نافيا علاقته بقضية الحراك والريف بالقول: "آش بيني وبين ريافة..إن كان ريفي مجرم مانعقلش عليه". كما منحت الهيئة ثلاثة متهمين متابعين في حالة سراح الكلمة، فعبر أحدهم عن متمنياته بأن تعيد الهيئة وهي تختلي للتداول في الحكم النظر في الأحكام الابتدائية التي طالت المتهمين، وأن تكون منصفة. إلى ذلك، قرر القاضي استدعاء المتهمين نشطاء حراك الريف القابعين في السجن المحلي عين السبع المعروف ب"عكاشة" من أجل سماع الأحكام، غير أن بعض المحامين توقعوا عدم حضورهم واستجابتهم لهذا القرار بعد مقاطعتهم للمحكمة في الجلسات السابقة. وشهدت الجلسة الأخيرة من محاكمة المتهمين في هذا الملف حضور عدد من ممثلي الهيئات الحقوقية المغربية والدولية، إذ تابعها ممثلون عن السفارة الهولندية بالرباط، وممثل للاتحاد الأوروبي، ومنظمة المحامين الكبار، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وجماعة العدل والإحسان. وعرفت جلسات محاكمة المتهمين في هذا الملف، في المرحلة الاستئنافية، غليانا كبيرا وشدا وجذبا بين النشطاء والمحكمة، خاصة أن هؤلاء المتابعين قرروا مقاطعة الجلسات، قبل أن يطالبوا دفاعهم بلزوم الصمت وعدم الترافع باسمهم. وأكد المدانون في المرحلة الابتدائية أن الجلسات الأخيرة لمحاكمتهم "تعتبر مثالا حيا على التعسف، فقد منعت هيئة الدفاع بشكل مستفز وبحس غير مهني ولا مسؤول من تقديم ملتمس السراح المؤقت الذي يخوله القانون، فضلا عن رفع الجلسات أثناء تناول المحاميين للكلمة، متطاولة بذلك على كل الأعراف وأدبيات المحاكمة". ولفت المعتقلون إلى أن الرأي العام، والأسرة الحقوقية وكل المهتمين والمتتبعين لقضية محاكمة معتقلي حراك الريف على المستويين الوطني والدولي، كانوا ينتظرون من المحكمة أن "تأخذ مسارا إيجابيا، تستدرك فيه الأخطاء الجسيمة التي واكبت أطوار المحاكمة الابتدائية في جل جلساتها والأحكام الصادرة عنها، وأن ترتقي بسياسات المنظومة القضائية نحو احترام المبادئ الكونية للعدالة، المتمثلة في احترام قرينة البراءة وضمان المحاكمة العادلة". وزاد المتابعون القابعون في سجن "عكاشة" بالدار البيضاء: "نجد أن المحاكمة الاستئنافية سارت على خطى نظيرتها الابتدائية، وتركت دار لقمان على حالها، ضاربة عرض الحائط كل الملتمسات التي تقدمنا بها كمعتقلين، والرامية إلى تحقيق شروط المحاكمة العادلة ومحكمة تترأسها هيئة مستقلة محايدة منزهة عن منطق التدخل والتوجيه".