خدعُوها بقولهم حَسناءُ / والغواني يَغرّهنّ الثناءُ نظرةٌ فابتسامٌ فسلامٌ / فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ فاتقوا اللهَ في قلوب العذارىَ / فالعذارىَ قلوبُهنّ هوَاءُ كيف أمكن لأمير الشّعراء أحمد شوقي أن يضع المرأة في تلك الخانة الضّيقة التي تظلّ فيها، وبها، ومعها المرأة توّاقةً دوماً إلى الثناء، شغوفةً بالإطراء، والإغراء، والانبهار!؟ الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها / أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعرَاقِ الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا / بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّمَا إيراقِ هكذا أطلّ شاعرُ النّيل حافظ إبراهيم من الجانب الآخر من شطّ وادي النيل الخالد، ولم يتوان للتصدّي والدفاع عن المرأة، ليقدّم نصحَه، ووجهةَ نظره، بشكلٍ خاص في نساء، وبنات، وصبايا أرض الكنانة على عهده. بِرْكة المتوكّل وها هو ذا أبو عبادة البحتري المنبجي، تلميذ أبي تمّام الطائي، يدلى بدلوه هو الآخر، فيُخبرنا بأنّ دجلةَ تغار، وتنافس، وتباري بركة المتوكّل الشهيرة في الحُسن، والدلال، والبهاء، والجمال... فهل كانت صورة المرأة حاضرة في مخيّلته، وماثلة نصب عينيْه، عندما نظم هذه القصيدة الرائعة؟! هل يريد هذا الشاعر المُجيد أن يقول لنا إنّ المرأة تغار، وتخشى، وتترقّب، وتنظر، وتنتظر، وتتلهّف، وتتوق إلى كلمات الإطراء، والثناء، وتنزع إلى الإغراء، وتميل إلى التحلّي بالجمال، والرقّة، والنعومة، والدعة، والكمال، وهي في ذلك تسعى لتتفوّق وتبذّ رفيقاتها، وأخواتها، ونظيراتها من بنات جنسها جمالاً، وبهاءً، وذكاءً، ودهاءً، وحُسناً، وجاذبيةً، وفِطنة، ورقّة وعذوبة، ودِعة... فيقول: يا من رأىَ البركة الحَسنَاء رؤيتها / والآنسات إذا لاحت مغانيهَا بحسبها أنّها في فضل رتبتها / تُعدّ واحدةً والبّحرُ ثانيهَا ما بالُ دجلة كالغيْرىَ تنافسُها / في الحُسْن طوراً وأطواراً تباهيهَا عيُون إِلْزَا كانت المرأة في القديم-كما كان يتخيّلها البعض-(ظلماً وبهتاناً وعدواناً )-مصدرَ وحيٍ وإلهامٍ لدى الكثيرين من الفنّانين والمبدعين، وما زالت في هذا العصر-لدى آخرين-هي تلك الإلزا التي يتوق إليها كلُّ شاعرٍ، أو أديبٍ، أو فنّانٍ، أو مبدعٍ، ليستلهمَ من سِحر عينيْها، وحدّة ذكائها، وعمق دهائها، ورقّة دلالها، وغنجها، وعذوبتها، وعذابها، وأنوثتها، موضوعاتٍ ساحرةً، وأغراضاً آسرة لشعره، وفكره، وفنّه، وأدبه، وإبداعاته، على شاكلة الهائم، المتيّم، الواله، عاشق عينيْ الحسناء الفاتنة إلزا الشاعر الفرنسي الشهير لويس أراغون، إلاّ انّه في سياق آخر شطّ الخيالُ ببعضهم في وصفها وصفا مُجحفاً، حتى وإن كان في مستوى الفيلسوف والمفكّر الألماني ذائع الصّيت فردريك نيتشه، حيث قال عنها مُستهتراً، هازئاً، مُزدرياً، ظالماً، ومُبالغاً: إنّها راحةُ الجندي بعد المعركة! بين العقلُ والعاطفة كان فردريك نيتشة يقاسم الموسيقار الشهير ريتشارد فاغنر حبّ الغادة الروسية الفاتنة لو أندرياس سالومي (LOU ANDREAS-SALOMÉ) ذات الحُسْن الباهر، والجَمال الظاهر، الأوّل كان يمثّل بالنسبة إليها الصّرامة، والجديّة، والرّزانة، والثبات، والفكر الخالص، الفلسفة والعقل، وكان الثاني يمثل العاطفة الجامحة المتأججة، والرقّة والعذوبة، والخيال المجنّح، والموسيقى الناعمة، والقلب العاشق الولهان. وبعد حيرة وقلق وتردّد بين هذين العبقريين، مال قلبُ الفتاة الحسناء أخيراً إلى ريشارد فاغنر فأحبّته دون نيتشه، فشعر هذا الأخير بغيرةٍ شديدة، وحنقٍ، وضَنكٍ، ومضَضٍ، وألمٍ، وامتعاض، وكان من فرط غيظه، وغضبه يصعد إلى غرفة صغيرة منزوية على سطح منزله، ويحزّ أصابعَه بسكّين حادّ حتّى تُدمى أنامله، وبعد ذلك، عندما حاق به اليأس، وأخذ منه الإحباط كلَّ مأخذ في الظفر بحبّ معشوقته لو سالومي واستمالة قلبها إليه، قال معلّقاً على هذا الحدث، الذي أثّر في حياته تأثيراً بليغاً، قولته الشّهيرة التي ما فتئ العشّاق والمتيّمون الهائمون الذين لم يظفروا بقلب معشوقاتهم يردّدونها إلى اليوم، قال ساخراً، متهكّماً، مزدرياً، منتقصاً من قيمة الموسيقار العبقري فاغنر: لقد حلّق طائرٌ في سماء حبّي، واختطفَ الملاكَ الذي أحببت، ولكنّ عزائي الوحيد أنّ هذا الطائر لم يكن نِسْراً! *كاتب وباحث من المغرب عضو الأكاديمية الإسبانية –الأمريكية للآداب والعلوم-بوغوطا-كولومبيا