يعتبر التعليم العمومي من أهم المرافق العامة التي تسهر الإدارة على توفيرها باستمرارية، نظرا للأهمية التي يكتسيها هذا القطاع كلبنة أساسية لبناء المجتمع ولتأمين المستقبل. غير أن مجموعة من الإشكالات السياسية والقانونية في بلادنا أعادت إلى الواجهة مجموعة من التساؤلات التي تتعلق باشتغال المرفق العام. وفي هذا الصدد، لعل الاحتجاجات الأخيرة للأساتذة المتعاقدين أظهرت وجود فراغ قانوني نسبي في تدبير الإضراب في القطاع العام. فمن ناحية، يعتبر الحق في الإضراب حقا أساسيا مكفولا من طرف الدستور المغربي. ومن ناحية ثانية، فالدستور يفرض كذلك السهر على ضمان استمرارية المرفق العام. فكيف يمكن تحقيق التكافؤ بين هذين المبدأين الدستوريين؟ أولا: مفهوم استمرارية المرفق العام يعد هذا المبدأ مبدأ عاما للقانون الإداري استنتجه القاضي الإداري الفرنسي، ثم أدرجه المدستر كمبدأ من بين مبادئ المرفق العام يجب على الإدارة العمل به (الفصل 154 من الدستور المغربي). أما مفهوم المبدأ فيعني أن الإدارة ملزمة بضمان الاشتغال العادي للمرفق دون انقطاع على الأقل خلال ساعات العمل. ففي حالة الانقطاع تصبح مسؤولية الإدارة قائمة إذا أحدث هذا الانقطاع ضررا للمرتفقين. وجدير بالذكر أن هذا المبدأ يسري كذلك على الموظفين كمكون من مكونات الإدارة. لكن الإشكالية هنا أن الإضراب يعني انقطاع اشتغال المرفق العام، أي خرق مبدأ الاستمرارية. فما هو الإطار القانوني الذي يحمي الحق في الإضراب؟ ثانيا: الإطار القانوني للحق في الإضراب يعتبر الحق في الإضراب حقا أساسيا مكفولا صراحة من طرف الدستور المغربي في فصله 29 الذي ينص على ما يلي: "حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته". من هنا نستنتج أن المدستر المغربي اكتفى بتحديد الجهة التي يمكنها تنظيم الحق في الإضراب وهي البرلمان. إلا أن القانون التنظيمي المتعلق بالحق في الإضراب لم تتم أبدا المصادقة عليه ولا البدء في المسطرة التشريعية المتعلقة به (مشروع أو مقترح). من هنا، فإن الإطار القانوني للإضراب فارغ تماما ولا توجد أي قواعد، على الأقل شكلية، متعلقة به. فكيف يتم تدبير هذا الفراغ خصوصا أمام إلزامية استمرار المرفق العام؟ ثالثا: التكافؤ بين الحق في الإضراب ومبدأ استمرارية المرفق العام تعد هذه المهمة من اختصاص القاضي الإداري، أولا كضامن للحقوق والحريات، وثانيا كمراقب لشرعية تحركات الإدارة. فعند إصدار عقوبات تأديبية في حق موظف مضرب، يمكن له الولوج إلى القضاء الإداري لدراسة شرعية العقوبات. هنا، يتمتع القاضي بسلطة تقديرية، نظرا لانعدام قانون الإضراب، في رسم الحدود بين هذا الحق ومبدأ استمرارية المرفق العام. وفي هذا الصدد، فقد استقر الاجتهاد القضائي على مجموعة من الشروط التي تستلزمها شرعية الإضراب وهي: ألا يكتسي صبغة سياسية، وأن تكون مدته معقولة، وأن يشعر الموظف الإدارة مسبقا. والملاحظ أن هذه الشروط تبقى نسبية ومرتبطة بالسلطة التقديرية للقاضي. هكذا، فإن الحسم في شرعية إضراب الأساتذة المتعاقدين هي مسؤولية القاضي الإداري المغربي. وفي حال صدور عقوبات تأديبية من طرف الأكاديميات ضد الأساتذة المضربين، فيمكنهم التوجه إلى القضاء. وهذا الأخير يمكنه إلغاء العقوبات في حال كان الإضراب مشروعا.