نظّمت الكلية متعددة التخصصات في آسفي، بشراكة مع مركز تكامل للدراسات والأبحاث ومؤسسة "هانس زايدل"، ندوة دولية في موضوع "الدولة وسؤال الهوية في المنطقة المغاربية". وتطرق عبد المالك الوزاني، أستاذ الفكر السياسي بجامعة القاضي عياض، إلى مسألة علاقة الهوية بالدولة الأمة كإنجاز من إنجازات الحداثة التي رسخت لاستقلالية السياسي عن المجال الديني، مما ربط الانتماء إلى الدولة وليس للهوية الدينية في نطاق ما اصطلح عليه ب"إزالة الغرابة عن العالم". وأضاف بأن عدة دراسات ربطت ذلك بتكوين المركز السياسي كمحور لهوية جماعية، حيث إن "المركز السياسي سيحتكر مجالين مهمين، وهما احتكار العنف واحتكار جمع الضرائب. وبفضل هذا الانتقال، تحولت الولاءات من ولاءات هامشية (القبيلة، الإثنية) إلى ولاءات للدولة / الأمة، وارتباط الدولة بالأمة وبالهوية وبالديمقراطية كنمط مشترك من التعايش، على الرغم من الاختلاف، أي الاتفاق حول حد أدنى من الهوية المشتركة؛ وهو ما يستدعي في سياق المجتمعات التعددية وجود حد أدنى من التوافق السياسي بهدف استغلال للموارد الجماعية المشتركة وإرضاء الجميع، وبوجود اقتسام حقيقي وعادل للموارد، تعرفه الأمة كمسار تاريخي يشتغل عليه جميع أفراد المجتمع". بدورها، تحدثت مونية العلمي، المختصة في الدراسات الدينية بجامعة الزيتونة بتونس، عن إشكالية الأحزاب الدينية المغاربية وعلاقتها بشرط دولة المواطنة، موردة أن ذلك يتجلى من خلال مسألة المساواة بين الجنسين، "هذه المساواة التي تتخذ معنى الإطلاقية في أدبيات دولة المواطنة، وتتخذ معنى النسبية في مرجعية الأحزاب الدينية؛ وهو ما أحدث إشكالا حقيقيا للمواءمة بين الديني والمدني، وهو إشكال عبر عنه الفصل الأول من الدستور التونسي عندما وصل الدولة بالإسلام، فأنتج ذلك تجاذبات عميقة بين المحافظين والحداثيين بالاحتكام إلى نفس الفصل وإلى فصول أخرى تطلق المساواة بين المواطنين والمواطنات، وأهمها الفصل 21". عبد الرحيم العلام، المدير التنفيذي لمركز تكامل للدراسات والأبحاث والأستاذ بجامعة القاضي عياض، ركز على مسألة الإفراط في الطلب على الهويات في مقابل التفريط في عنصر المواطنة؛ "بينما يؤكد التاريخ والواقع أنه من الصعب إيجاد هوية جامعة تُبنى عليها الدول خارج مبدأ "الرغبة في العيش المشترك"، نظرا لتعدد روافد وخصوصيات المجتمعات في منطقتنا، وأن الدولة يجب أن تكون محايدة وسامية عن الخصوصيات الدينية واللغوية والعرقية المكونة للمجتمع، وأن الهوية هي سيرورة مركبة وغير ثابتة، حيث تخترق الدولة كما الأفراد عدة انتماءات تبرز عندما تستثار أو تستفز أو توظف في إطار مصلحة معينة". ونفى العلام أن تكون هناك هوية ثابتة ودائمة وذات أولوية، لذلك من الأفضل أن تسمو المواطنة عن الخصوصيات الهوياتية، كشرط أساسي لبناء الدول والحد من الاحترابات على أساس هوياتي سواء كان عرقيا أو دينيا أو لغويا... بينما سعى مصطفى الصوفي، الأستاذ بكلية آسفي، إلى تفكيك إشكالية الدولة وترسيخ الهوية وعدم المغالاة في ذلك والوقوع في النزعة العصبية، الشيء الذي أكدته مداخلة سعيد الحاجي، أستاذ التاريخ بكلية تازة، من خلال بحثه عن الجذور التاريخية لحضور الدين ضمن مكونات الهوية المغربية، مرجعا ذلك إلى "مركزية الدين في الخطاب التعبوي الذي تبنته الحركة الوطنية المغربية ضد الاستعمار، وربط مختلف مكوناتها الدفاع عن الدين بالدفاع عن الوطن". وجاءت مداخلة حسن حلوي، الأستاذ بكلية الراشيدية، لتؤصل لمفهوم الهوية الدستورية، من خلال تحديد مفهوم الهوية، ثم الهوية الدستورية من قبيل الهوية الوطنية والهوية السياسية والهوية المؤسساتية من خلال الفقه والاجتهاد القضائي، خاصة الاجتهاد القضائي الدستوري، وصولا إلى الخيط الرابط بين التاريخ والهوية الدستورية ودور التاريخ في تحديد الهوية بصفة عامة والهوية الدستورية بصفة خاصة. وركزت مداخلة عبد الإله الأمين، أستاذ القانون بأكادير، على دور الحركات الاحتجاجية في إعادة تشكيل الهوية الوطنية، وأن الحركات الاحتجاجية أسهمت في إعادة بناء تصور جديد لبحث هوية أصيلة، ونقد واقع الدولة الوطنية من خلال نقد المنظومة القيمية الوطنية. وتحدث محمد الصادق بوعلاقي، من تونس، عن الهويات الجماعية في الدول العربية و"جدلية كونها خصوصيات ثقافية أم صراعات سلطوية"، وتساءل عن الهدف من طرح سؤال الهوية بشكل استفزازي في مواجهة الدولة. في رؤية أخرى لسؤال الهوية، ناقش حسن الطالب مسألة "نمذجة" الهويات الثقافية، حيث تحدث عن تركيبة البنية الهوياتية وتضمُّنِها لهوية جماعية تستوعب هويات فرعية متمايزة، قبل أن يطرح فكرة تعدد أنماط أو أشكال "الهوية" والتي يمكن تحديدها في؛ الهوية الشمولية والهوية الانتقائية والهوية الأحادية والهوية المفروضة والهوية المرنة التي تتبنى المواطنة كمرجع مشترك لا تثار معه الخصوصيات الإثنية. أُثيرت مسألة السياسة الدينية وأبعادها في محاربة الإرهاب والتطرف بالمغرب في مداخلة عبد الواحد أولاد مولود، حيث تحدث عن كيفية تعامل المملكة المغربية مع المجال الديني وتأثره بسياق دولي خاص بدأ منذ أزمة الحادي عشر من شتنبر؛ بينما تطرقت الأستاذة نور الهدى بوزكو من الجزائر لتمثل الهوية الثقافية اللغوية في وسائل الإعلام الجزائرية وعلاقتها بالازدواجية اللغوية التي يمكن اعتبارها تعددا لغويا إيجابيا، حيث يروج الإعلام لهوية لغوية عربية في ظل هذه الازدواجية دون إغفال التوجه نحو تعزيز وبداية حضور اللغة الأمازيغية منذ سنة 1992 في الإعلام الرسمي، وأن محتوى البرامج يشهد ضعفا على مستوى المحتوى نتيجة ضعف الأداء اللغوي لضيوف هذه البرامج باللغة العربية مقارنة باللغة الفرنسية. كما تطرق محمد أوبهلو إلى مسألة الهوية وإشكالية الانتماء، كون الإشكال المتعلق بتحديد الهوية في منطقتنا يرتبط أساسا بحداثة تشكل الدول وتداخل الخصوصيات المجتمعية، وأن سياق الحركات الاحتجاجية التي عرفتها المنطقة أسهمت في بروز أسئلة هوياتية أكثر عمقا وأكثر إلحاحا. وقد تناوب على منصة الإلقاء أكثر من عشرين متدخلا من مختلف البلدان المغاربية، ركزوا في كلماتهم على قضية الهوية في علاقاتها بالتزمين والمرأة والسياسة واللغة والتعليم. وقد عرفت المناقشة العامة نقاشا عميقا لمداخلات المشاركين، شارك فيه عدد كبير من الأساتذة والباحثين والطلبة الحاضرين؛ الأمر الذي أسهم في إغناء النقاش وتبادل الأفكار وإعادة التفكير في مسألة الدولة وسؤال الهوية في المنطقة المغاربية. كما عرفت أشغال الندوة التفاتة كريمة تجلّت في تكريم الدكتور عبد المالك الوزاني، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بمراكش، حيث ألقيت في حقه كلمتين من لدن مدير مركز تكامل وأيضا من لدن عبد اللطيف بكور، رئيس شعبة القانون العام بآسفي، وتم منحه هدية رمزية تجسيدا لثقافة الاعتراف التي ينبغي أن تسود الأوساط العلمية والأكاديمية كما أشارت إلى ذلك كلمات المنظمين.