قال عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، إن السلطات العمومية تواجه تحديات كثيرة أمام الثورة الرقمية وتأثيرها على مختلف مناحي الحياة، مشيراً إلى أن هذا الأمر يُحتم الاستثمار في التعليم وتكوين الموارد البشرية وفق التغيرات التي تطرأ على أسواق الشغل نتيجة الابتكارات التكنولوجية. وأضاف الجواهري، في كلمة افتتاحية لمؤتمر دولي نظمه بنك المغرب بشراكة مع صندوق النقد الدولي حول "التحول الرقمي وتنفيذ برنامج بالي للتكنولوجيا المالية"، الأربعاء في الرباط، أن التحول الرقمي وحجم تأثيراته الاقتصادية والمالية والاجتماعية يضع السلطات العمومية أمام تحدي وضع إطار قانوني ملائم وتوفير بيئة مُشجعة للابتكارات التكنولوجية ولتطوير التكنولوجيا المالية. ويرى الجواهري أن هناك حاجة ماسة اليوم إلى اليد العاملة المؤهلة في مجال التكنولوجيا الرقمية للتكيف مع هذا التحول الرقمي، إضافة إلى تعزيز البنيات التحتية، وخاصة أنظمة المعلومات التي أصبحت مواجهتها لتحديات الجريمة الإلكترونية تشكل مصدر انشغال يومي. والي بنك المغرب أشار، في كلمته أيضاً، إلى التطور الرقمي نتج عنه تحول في المشهد الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وزاد قائلاً: "الاستعمال المُكثف للهواتف الذكية ولشبكات التواصل الاجتماعي إلى جانب ظهور المالية الرقمية والبيانات الضخمة (Big Data)، وتطور المنصات الإلكترونية وإحداث خدمات تعتمد على التكنولوجيا الرقمية كلها تجليات لهذه الثورة الصناعية الجديدة". وأورد الجواهري أن هذه الثورة الصناعية الجديدة تعرف تطوراً سريعاً فارضةً نفسها كمعطى جديد لا محيد عنه في العالم، حيث تؤثر على "أسلوبنا في الإنتاج والتعامل والاستهلاك والتفاعل، ولا تستثني أي قطاع، بما في ذلك بالطبع قطاع المالية"، وفق تعبيره. وحسب الجواهري، فإن تأثيرات هذه الثورة غير واضحة بشكل جلي؛ لكن يؤكد أن لها تأثيراً سلبياً على مستوى سوق الشغل، مورداً في هذا السياق أن إحدى أهم الدراسات التي أُنجزت في 2013 في هذا المجال من لدن باحثين من جامعة أكسفورد حول "الولاياتالمتحدةالأمريكية" أن 47 في المائة من مناصب الشغل مُعرضة لخطر الزوال. كما أشار المسؤول المغربي إلى أن هذه الثورة تُحدث تغيرات مهمة في مجال إنتاج واستعمال البيانات، حيث باتت تحتل مكانة رئيسية داخل إستراتيجيات الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، سواء منهم العموميين أو الخواص، ويتم استغلالها بطرق مختلفة، منها شخصنة الخدمات واستهداف الرسائل بهدف توجيه سلوك المستهلك أو الرأي العام بصفة عامة. أما الجانب الإيجابي، فيتمثل، حسب الجواهري، في تأثير هذه الثورة على مجال المساطر الإدارية مثل أداء الرسوم والضرائب، وقال إن الفوائد في هذا الصدد متعددة، منها تقليص التكاليف والآجال إلى جانب تعزيز الشفافية ومكافحة التهرب الضريبي والرشوة. وتفرض هذه الثورة على نماذج الأعمال التقليدية التي تعتمدها البنوك تحديات مهمة؛ وهو الأمر الذي "يزيد من الضغوط على ربحيتها، ويدفع في بعض الحالات إلى اتخاذ المزيد من المخاطر، وهو ما سيكون له لا محالة تداعيات على الاستقرار المالي في آخر المطاف"، حسب الجواهري. ويذهب والي بنك المغرب إلى القول: "إن التغييرات التي أحدثتها التكنولوجيا المالية تشكل تحدياً على أكثر من مستوى، لا سيما فيما يتعلق بمهامها الرئيسية، حيث إن امتياز إصدار العُملة أصبح الآن موضع سؤال أيضاً، مما حدا ببعض البنوك المركزية إلى النظر في إمكانية إصدار عملة رقمية، وهو ما من شأنه أن يؤدي بشكل خاص إلى تقليص تكلفة الإنتاج وتداول الأوراق النقدية التقليدية إلى جانب التخفيف من المخاطر الأمنية المترتبة عنها". كما أشار الجواهري إلى أن تحديات البلدان الصاعدة والنامية لم يعد مقتصراً فقط تلبية احتياجاتها الخاصة؛ بل يتوجب عليها أيضاً مواجهة ظاهرة "هجرة الأدمغة" التي اشتدت حدتها في السنوات الأخيرة.. من أجل مواجهة هذه الوضعية، شدد والي بنك المغرب على أهمية تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، من أجل تكثيف الجهود وتبادل الخبرات للمساعدة على تفادي أن تزيد هذه الثورة من تفاقم الفجوة الرقمية الكبيرة أصلاً بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية.