نال الأخضر الإبراهيمي، الدبلوماسي المخضرم الذي يتوقع أن يوجه الانتقال السياسي في الجزائر بعد الاحتجاجات الشعبية، احترام قيادات في الخارج والنخبة السياسية في بلاده خلال مسيرته الطويلة في العمل الدبلوماسي؛ غير أن اختياره للمهمة الجديدة قد لا يروق للمحتجين المطالبين بالتغيير السريع. ويبلغ الإبراهيمي من العمر 85 عاما، أي أنه أكبر بثلاثة أعوام من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وينتمي إلى الجيل نفسه الذي هيمن على الساحة السياسية في الجزائر منذ حرب الاستقلال عن فرنسا من 1954 إلى 1962. فقد أذعن بوتفليقة للاحتجاجات يوم الاثنين، وأرجأ الانتخابات، كما سحب ترشيحه لولاية خامسة. وقال مصدر حكومي إن من المرجح، الآن، أن يرأس الإبراهيمي مؤتمرا يتولى التخطيط لمستقبل الجزائر. شغل الإبراهيمي منصب وزير الخارجية وكلفته الأممالمتحدة بالعديد من المهام الصعبة في عدة مناطق، كما لعب دور الوسيط في بعض من أصعب الصراعات في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنه لا يلعب دورا مباشرا أو معلنا في الحياة السياسية ببلاده، فهو من أصحاب الوزن الثقيل في المؤسسة الجزائرية. كما كان لفترة وجيزة يعتبر مرشحا محتملا للرئاسة، وهو مقرب من بوتفليقة. وقال الإبراهيمي للتلفزيون للجزائري، بعد إعلان بوتفليقة أنه لن يترشح لولاية جديدة، إن صوت الشعب أصبح مسموعا. وأضاف: "الشباب الذين خرجوا في شوارع بلدنا تصرفوا بمسؤولية أثارت إعجاب الجميع في الداخل والخارج"، ودعا إلى "الاستمرار في التعامل مع بعضنا البعض بهذه المسؤولية والاحترام المتبادل وأن نحول هذه الأزمة إلى مناسبة بناء وتشييد". وقد قال بوتفليقة إن آخر إنجازاته سيكون السماح بنظام جديد يضع البلاد "في أيدي جيل جديد من الجزائريين". ومهمة المؤتمر الشامل والمستقل الذي يتوقع أن يرأسه الإبراهيمي هي صياغة دستور جديد وتحديد موعد للانتخابات بنهاية العام الجاري. وقالت مصادر سياسية إن من المرجح أن يشارك في المؤتمر قيادات بارزة من قدامى المحاربين، بالإضافة إلى ممثلين لحركة الاحتجاج التي خرج فيها عشرات الألوف للشوارع منذ الشهر الماضي؛ غير أن الخطة ربما تواجه صعوبات في الفوز بالتأييد، فقد خرجت حشود كبيرة مرة أخرى إلى شوارع المدن في مختلف أنحاء الجزائر يوم الثلاثاء احتجاجا على تمديد رئاسة بوتفليقة والمطالبة بتغيير أسرع وتيرة. "صداقة عميقة" لبوتفليقة أتم الإبراهيمي تعليمه في الجزائروفرنسا، وبدأ مسيرته العملية خلال حرب التحرير؛ فمثل جبهة التحرير الوطنية في جنوب شرق آسيا، بينما انضم بوتفليقة وآخرون أصبحوا من القيادات فيما بعد إلى الجبهة على الصعيد المحلي. وجاءت مسيرته في العمل الدبلوماسي في وقت لاحق، وشغل منصب السفير في عدة دول في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين خلال الفترة التي كان للجزائر صوت عال فيها على الصعيد الدبلوماسي عندما كان بوتفليقة وزيرا للخارجية في شبابه. وشغل الإبراهيمي نفسه منصب وزير الخارجية من 1991 إلى 1993، خلال الفترة التي انزلقت فيها الجزائر إلى الحرب الأهلية. وفي مقابلة نشرت عام 2010، قال الإبراهيمي إنه لم يكن يجب إجراء الانتخابات التي ألغاها الجيش بعد أن كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على وشك الفوز فيها؛ وذلك في ضوء قوة الإسلاميين. لكنه قال إنه، بعد إجراء الجولة الأولى في دجنبر من عام 1991، كان يجب إجراء الجولة الثانية؛ لأن ما تلا ذلك من أحداث كان أسوأ شيء يمكن أن يحدث. وسقط في القتال الذي نشب بين قوات الأمن وبين المتشددين الإسلاميين قرابة 200 ألف قتيل إلى أن أصدر بوتفليقة عفوا وضع حدا للصراع بعد أن أصبح رئيسا في عام 1999. ومنذ الثمانينيات، خدم الإبراهيمي في مؤسسات متعددة الأطراف وأسهم في الوساطة لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية ممثلا للجامعة العربية في الفترة 1989-1991، وقال فيما بعد إن ما اكتسبه من خبرة في تلك الفترة كان له دور أساسي في تشكيل مسيرته. وأمضى ستة أشهر في رئاسة بعثة مراقبي الأممالمتحدة في جنوب أفريقيا قبل انتخاب نيلسون مانديلا رئيسا في 1994. كما لعب مرتين دور مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى أفغانستان، قبل وبعد سقوط حكم طالبان في 2001. وفي 2004، أصبح مبعوثا خاصا في العراق. وفيما كان يتوقع أن تكون مهمته الرفيعة الأخيرة، تولى في 2012 دور مبعوث الأممالمتحدة الخاص في سوريا مع تدهور الوضع في الحرب الأهلية وقاد المفاوضات بين حكومة الرئيس بشار الأسد والمعارضة في سويسرا. واستقال الإبراهيمي بعد عامين، بعد أن عجز عن كسر الجمود فيما بين الأطراف السورية وبين سوريا والأطراف الدولية. وقال لمجلس الأمن إنه يترك مهمته بقلب حزين لعدم تحقيق إنجاز يذكر. وفي دجنبر الماضي، قال الإبراهيمي، لمجلة "جون أفريك"، إنه لا يتوقع أزمة داخلية في الجزائر. وقال مستشهدا بتطوير البنية التحتية في المنطقة التي شهدت مولده جنوبي العاصمة الجزائرية: "قمت، مؤخرا، ببعض الجولات في داخل البلاد ولدي انطباع بأن الجزائر تسير على ما يرام". وقال إنه لا يعتقد أن بوتفليقة يواجه منافسة واسعة، وإنه ليس له رأي فيما إذا كان يجب أن يترشح الرئيس لخوض الانتخابات مرة أخرى. وأضاف: "لدي ثقة كبيرة فيه، وتربطني به صداقة عميقة". *رويترز