في عمليات هدم دور الصفيح، وفِي مواجهة البناء العشوائي، واحتلال الملك العمومي، تجدهن في الصفوف الأمامية. تُصدرن التعليمات، وتحرصن على تنفيذها. بدون كلل أو ملل، متحديات كل الظروف، منها البعد عن الأسرة، استطاعت هؤلاء النسوة أن تبصمن أسماءهن بقوة في دواليب "أم الوزارات"، وتحصلن على إشادة مسؤوليهن من رجال السلطة بوزارة الداخلية. تيجان.. غيّرت نظرة تارودانت للسلطة لمياء تيجان، ابنة الدارالبيضاء، واحدة من القائدات اللواتي تركن بصمتهن في العمل الذي تقوم به، واستطاعت أن تحصل على رضا مسؤوليها بوزارة الداخلية، خاصة أنها اشتغلت وسط العاصمة الاقتصادية المعروفة بمشاكلها العديدة. كان تعيينها الأول، سنة 2012 بملحقة القدس بعمالة سيدي البرنوصي بالدارالبيضاء، أول امتحان لها، خاصة أنها عينت في قلب منطقة عرفت بانتشار الباعة الجائلين، وفِي عمالة كانت دور الصفيح هاجسا يؤرق بال مسؤوليها. تمكنت هذه القائدة أن تفرض اسمها في المقاطعة التي تديرها، وأن تجعل رجال السلطة، وخاصة الأعوان من "مقدمية" وشيوخ، يحترمونها، ويتأكدون من أن هذه المرأة ستكون "حديدية"، يصعب مراوغتها والاستهانة بها. استطاعت هذه القائدة "البيضاوية"، وسط غمرة الأحداث بالدارالبيضاء، أن تكسب قلوب ساكنتها وأن تغيّر نظرتهم لرجال السلطة، بفضل سياسيتها التواصلية وقربها من المواطنين والتفاعل معهم؛ وهو ما جعل حفل مغادرتها البرنوصي، بعد تعيينها من مصالح وزارة الداخلية بمدينة تارودانت، يكون مغايرا لباقي اللقاءات، حيث الدموع كانت سيدة المكان. القائدة تيجان حظيت، وهي بعمالة سيدي البرنوصي بالدارالبيضاء، بمكانة كبيرة لدى العامل علي حبوها، الذي كان يشيد بها وبتحركاتها وتواصلها مع المواطنين وتمكنها من دخول ملفات وقضايا شائكة خرجت منها بسلام، حسب العديد من رجال السلطة. كان حلولها بمدينة تارودانت نقلة نوعية بالنسبة إلى الساكنة التي تعودت على ممثلين لوزارة الداخلية ذكورا، إذ سرعان ما جعلتهم يتفاعلون معها وجعلت الجميع يحترمها، بفضل تدخلاتها ووقوفها ضد احتلال الملك العمومي وتغيير معالم المقاطعة التي عينت على رأسها. غيات.. امرأة بألف رجل خديجة غيات، امرأة بألف رجل. هكذا يعرفها من يشتغل معها قبل المواطنين الذين يتوافدون عليها. استطاعت هذه السيدة أن تفرض نظامها وطريقة اشتغالها على الجميع، وبات الكل يضرب لها ألف حساب. كان تعيينها لأول مرة بداخل مقر وزارة الداخلية بالرباط فرصة لها للتعرف عن قرب على أبجديات وبرتروكولات هذه المهنة التي تتطلب المرونة تارة والتدخل الحاسم تارة أخرى، وتمكنت هذه الشابة من كسب ثقة المسؤولين ب"أم الوزارات". وستنتقل القائدة خديجة غيات إلى عمالة الرباط، غير بعيد عن مقر الوزارة، حيث جرى تعيينها بقسم الشؤون الداخلية بالعاصمة. وهنا مسار هذه السيدة سيزداد معرفة ودراية بشؤون الداخلية؛ وهو ما سيجعل انتقالها إلى محطة أخرى يكون سهلا. ثلاث سنوات ونصف السنة قضتها القائدة غيات بعاصمة المملكة، ستنتقل بعدها إلى العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، حيث ستعين على رأس مقاطعة السلام التابعة لعمالة الحي الحسني، إذ ستكون هذه القائدة في مواجهة مباشرة مع أصحاب الكاريانات، وأصحاب النفوذ والشخصيات البارزة التي تقطن بنفوذها الترابي. في ملحقة السلام، عرفت القائدة غيات، طوال الخمس سنوات التي قضتها، بصرامتها في تطبيق القانون، لا تخشى لومة لائم في ذلك. في عمليات الهدم، كانت تتقدّم رجال السلطة، وتعطي تعليماتها. وفِي مواجهة محتلي الملك العمومي، كانت تتقدمهم بزيها الرسمي، وتهدم الواجهات المحتلة الخارجة عن القانون. نالت هذه المرأة الحديدية ثقة العامل السابق حنان التيجاني، التي كانت تشيد بتدخلاتها والأعمال التي تقوم بها وبقدرتها على حل المشاكل التي تظهر بين الفينة والأخرى، وبمواجهة الخارجين على القانون مهما كانت درجتهم. مكتبها في حي بوسجور قِبلة للجميع، ومفتوح على الكل بدون تمييز. صديقة للمواطنين ولممثلي المجتمع المدني، ترشد وتنصح وتقدم الإرشادات؛ وهو ما يجعلها تحظى بالاحترام، وتنال التكريم من طرف الجمعيات النشيطة بفضل سياستها التواصلية والتفاعلية معهم. بثينة.. بداية مسار ناجح واحدة من أصغر القياد بجهة الدارالبيضاءسطات؛ لكنها واحدة من الذين تمكنوا أن يتركوا بصمتهم في المناطق التي اشتغلوا فيها. القائدة بثينة كوارة عرفت في المناطق التي عينت فيها بحيويتها، وتحركها السريع، وتفاعلها مع المواطنين وشكاياتهم. لم يكن عمر القائدة بثينة كوارة، يتجاوز 25 سنة حين جرى تعيينها من طرف وزارة الداخلية على رأس الملحقة الإدارية الثالثة بعين حرودة، التابعة لعمالة المحمدية؛ لكنها على الرغم من صغر سنها، استطاعت أن تثبت جدارتها، وتغيّر نظرة الرجال ل"نساء السلطة". بعد هذا المسار بعين حرودة، ستنقل وزارة الداخلية، في إطار الحركات الانتقالية التي تقوم بها لرجالها ونسائها، هذه الشابة إلى مدينة المحمدية، حيث ستوضع على رأس المقاطعة السادسة قرب ملعب البشير غير بعيد عن مقر العمالة. ابنة مدينة القنيطرة، الحاصلة على دبلوم الماستر في الإدارة الترابية، استطاعت، خلال مقامها في المحمدية، أن تثبت جدارتها بفعل حركيّتها، وأن تتدخل في الوقت المناسب؛ وهو ما جعل ظاهرة الباعة المتجولين تكون أقل مقارنة مع مقاطعات أخرى. لسوء حظ هذه القائدة بمدينة المحمدية، أنها تعرضت في آخر أيامها بالمدينة لكسر على مستوى اليد؛ لكن ذلك الحادث لم يمنعها، بعد تعيينها على رأس ملحقة المدينة الخضراء ببوسكورة التابعة لإقليم النواصر، من أن تواصل الحيوية ذاتها التي بدأت بها مسارها في سلك السلطة.