إذا كانت الحملة التي يشنها الكثير من الشعراء والمهتمين به متعلقة بالشعر، فإن السيدة شاعرة، تكتب القصيدة العمودية عن قناعة وبإتقان كبير وبتمثل تام لخاصيات القصيدة التقليدية بكل تجلياتها، التراثية والفنية والجمالية. أما إذا كان القصد هو اعتبار القصيدة العمودية عالة شعرية، واعتبار التعاطي معها، كتابة ونقدا، ردة أدبية، فهذا أمر لا يستقيم، لأن الساحة الشعرية مفتوحة أمام جميع التوجهات والحساسيات الشعرية، وليس أمام مفهوم أو اتجاه واحد، حداثيا كان أو تقليديا. وعليه التعامل يجب أن يكون بلا تبخيس أو احتقار أو إقصاء، فلكل اتجاه رواده ومتعاطيه ومعجبيه وأهله. أما إذا كانت الحملة مرتبطة بطريقة الاحتفال بالشاعرة المبالغ فيها، فاللازم ربط ذلك بسياقات القصيدة التقليدية القائمة على الاحتفالية والبهرجة والبردة والسلهام، والتسميات والتوصيفات، وغير ذلك من مظاهر وأساليب التقليد الموجودة في التراث الشعري العربي. وهذا بدوره منسجم مع الإحالات الفكرية والثقافية للقصيدة العمودية ولا غرابة فيه. يبقى التساؤل عن أسباب ودواعي هذا الاحتفال بتلك الطريقة. هذا بدوره مبرر ثقافيا، على اعتبار أن الشاعرة ترتبط بالمغرب الرسمي، وهذا يبرر وجود وزير الثقافة، خاصة إذا علمنا أن الشاعرة أرسلت قصيدة طويلة للأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، تؤكد فيها مغربية الصحراء وتشبث المغاربة بها، طبعا القصيدة كانت عمودية!!! الاحتفال مبرر شعريا، علي اعتبار أن الاهتمام بالقصيدة العمودية يعرف حلحلة واهتماما كبيرا، بإيعاز من رياح تأتي من الخليج، وبإيعاز من حراس المعبد الشعري التقليدي المغربي، وعلى رأسهم عباس الجيراري. أين يكمن الإشكال، إذا؟ هل يكمن في عبد الرحمن طنكول، الذي لا يمكن أن أن نجد له عذرا في الجمع بين مقولة (سيدة الشعر العربي) التقليدية، وبين مسوغة (جائزة الأركانة للشعر) الحداثية؟ هل يكمن في الخوف من تعدد تنظيم مثل هذه الاحتفاليات في المغرب الذي يمكن أن يزاحم الموجود من الشعر والشاعرات في الوجهة الأخرى؟ هل في الإحساس بالغبن الشعري الذي يمكن أن يحس به بعض الشعراء المغاربة الذين لم يلتفت إليهم أحد بالرغم من وجودهم في الساحة من بدء القصيدة المغربية الحديثة في الستينيات؟ لماذا لا يعجبنا احتفال أهل القصيدة العمودية بشعرائهم، في الوقت الذي أصبحت الكثير من احتفاليات القصيدة الحداثية المغربية تنظم بحضور الدقة المراكشية ومغنيين لا يربطهم بالثقافة سوى الخير والإحسان، وبالتكشيطة وغير ذلك؟ هل يخاف أهل الشعر الحداثي من مزاحمة القصيدة العمودية لهم، أمام توفر الإمكانيات الذاتية والموضوعية والمالية لها، وأمام محاولات إعادة الاعتبار الممنهجة إليها؟ هل يمكن أن تزاحم القصيدة العمودية الشعر الحداثي وقصيدة النثر في استقطاب المهتمين في النشر والطبع والإلقاء والتشجيع والدعم والانتشار؟ هل كانت القصيدة الحداثية، وهي تحطم النموذج الشعري التقليدي وتلغيه، تنتظر من الزمن مكره؟ هل يمكن للقصيدة المغربية أن تقوم بعملية نقد ذاتي لنفسها، وتقدم الحساب، وتتساءل، ماذا قدمت لأجيال بكاملها، في الأغلب من إنتاجها، غير نصوص بلا معنى بلا رؤية بلا بناء بلا أصل بلا جدوى؟ من أوصل الشعر المغربي إلى هذا المستوى المتردي من التذوق والتلقي والتداول، حتى أصبح الاحتفال بشاعرة تكتب القصيدة العمودية يهدد صرح القصيدة المغربية الحديثة ويستدعي تدخل الكثير من الأقلام المعتبرة لإعطاء موضوع تافه أكثر مما يستحق؟ أخيرا، هل يستحق هذا الاحتفال الرسمي بالشاعرة سميرة فرجي، كل هذا النوح والاحتجاج والإحساس بالفجيعة؟ تبقى الإشارة واجبة إلى الإنصات إلى الشاعرة وهي تقول: يا آسر القلب هل جاءتك أخباري الوجد بعثر مثل الريح أفكاري أما علمت بأن الشوق يجذبني إلى ديارك سرا مثل تيار ... ومازلت أحيا عذابي فيك شامخة أذوب عشقا وأطفئ النار بالنار يحلو الموت لو أعطيتني قلما من تحت لحدي لأنهي فيك أشعاري إقرأ بعين الشاعر فقط، بدون اصطفاف أو خندقة أو خلفيات، إقرأ فقط، سوف ترى عجبا.