بالجماعة القروية اغرم نوكدال، التي تقع على بعد 75 كيلومترا عن مدينة ورزازات، أنشأت مجموعة من النسوة تعاونية متخصصة في صنع أنواع مختلفة من الأجبان، والهدف هو توفير عمل يحفظ كرامتهن، ويضمن استقلاليتهن المالية. التعاونية التي أطلقن عليها اسم "أكدال" متخصصة في إنتاج أنواع كثيرة من الأجبان الطبيعية الخالية من المواد الحافظة، يتم تسويقها ما بين مراكشوورزازات؛ ويبلغ عدد المشاركات فيها حوالي عشرين امرأة، بالإضافة إلى فلاحين يوفرون الحليب. "التعاونية تستقبل يوميا حوالي ألف لتر من الحليب، يتم استغلالها في صنع الجبن الطبيعي"، تقول بيا بوزلماط، رئيسة المؤسسة ذاتها، مشيرة إلى أنها ليس بمقدورها أخذ أكثر بسبب النقص في التجهيزات، وضيق المقر. نساء يكافحن لمساعدة أسرهن الظروف الاقتصادية والاجتماعية "المزرية" دفعت العديد من النسوة بجماعة اغرم نوكدال بإقليم ورزازات إلى إنشاء هذه التعاونية، التي يصنعن من خلالها الجبن والزرابي والزعفران، وتلخص قصتهن "العنوان العريض" لمعاناة نساء المناطق القروية بالمغرب، اللواتي يسعين إلى إعالة أسرهن والكفاح لتوفير لقمة العيش. بيا بوزلماط، رئيسة التعاونية ذاتها، تعتبر واحدة من النساء القليلات بمنطقة الجنوب الشرقي اللواتي رفعن راية الكفاح، وسلكن دروب الدفاع عن المرأة وحماية حقوقها في مجتمع محافظ تحكمه الأعراف والتقاليد، وأخذت بيد العديد من النسوة وأقنعتهن بالعمل في التعاونية من أجل توفير دراهم لأنفسهن، ولو كانت معدودات. تقول بوزلماط في بوح لهسبريس: "منذ نعومة أظافري فتحت عيني على حب الوطن، فكنت مستعدة للتضحية من أجله"، وتضيف: "آمنت بصوتي كامرأة فقررت أن أكون خير نصير للنساء بمنطقتي النائية، والعمل على اختراق الحدود الوهمية بين الرجل والمرأة وتعبيد الطريق أمامها للقيام بدورها كاملا في خدمة المجتمع". وقالت المتحدثة إن المرأة في المنطقة أصبحت اليوم قادرة على مساعدة زوجها في مصاريف المنزل، من خلال ما تجنيه من أرباح في التعاونية، مشيرة إلى أن "المشاكل التي لازالت تواجه هؤلاء النسوة تتجلى في ضيق المقر والنقص في التجهيزات"، وزادت أن "التعاونية بإمكانها صنع جميع أنواع مشتقات الحليب، وتحتاج فقط إلى التجهيزات". من جهتها، قالت أمنية، إحدى العاملات بالتعاونية ذاتها، إن "طريق النجاح مليء بالعراقيل والعثرات، وهذا أمر طبيعي"، وزادت: "لكننا تمكنا، بفضل الله وإرادتنا القوية، من تجاوز كل العراقيل التي واجهتنا في البداية، خصوصا في ما يتعلق بالإنتاج"، مؤكدة أن التعاونية لازالت تعاني مشاكل في التسويق، وطالبت الجهات المسؤولة بمساعدة نساء التعاونية لتجاوز هذه المرحلة وتأسيس مرحلة جديدة. وأضافت المتحدثة، في تصريح لهسبريس: "رغم أن التعاونية تواجه بعض المشاكل، وخاصة في التسويق، إلا أنها تخطت كل عراقيل البداية، وتمضي نساؤها نحو المستقبل بثقة كبيرة". التعاونية مرآة نساء جبال اغرم نوكدال رغم التقاليد والأعراف التي تحكم المرأة القروية بمناطق الجنوب الشرقي، إلا أن النسوة باغرم نوكدال بإقليم ورزازات استطعن كسرها والاندماج في سيرورة التطور التي يعرفها المغرب في شتى المناحي. كمو عبد الرحيم، من الساكنة المحلية لاغرم نوكدال، أكد أن التعاونية النسوية استطاعت القيام بمجموعة من الأعمال التي فشلت جمعيات يسيرها الرجال في تحقيقها، مشيرا إلى أن الدولة مدعوة إلى تقديم يد العون لهؤلاء النسوة لبلوغ أهدافهن. ووصف متحدث هسبريس التعاونية النسوية اكدال بكونها "مرآة" المنطقة ككل، ومرآة نساء المنطقة على وجه الخصوص، مشيرا إلى أن الجبن الذي تنتجه أنامل نساء تعاونية أكدال يجب تسويقه محليا ووطنيا، ولما لا في الخارج، وزاد: "يجب دعم هؤلاء النسوة". بيا بوزلماط قالت إن الهدف من تأسيس التعاونية لم يكن الربح المادي فقط، بل جعلها سفيرة المنتجات المجالية للمنطقة عبر مختلف ربوع المملكة، مشيرة إلى أن التعاونية تسعى إلى توسيع مقرها ونشاطها لإنتاج كميات مهمة من الجبن الطبيعي ومختلف مشتقات الحليب، وفق تعبيرها. "المرأة القروية، ورغم الأدوار الطلائعية التي تقوم بها، لازالت تعاني مرارة النظرة الدونية للمجتمع"، تقول جميلة صالح، من الساكنة المحلية لاغرم نوكدال، مرجعة ذلك إلى "النظرة النمطية التي تشكلت حول المرأة عبر العصور"، ومعتبرة في هذا الإطار أن المرأة في منطقتها "بدأت تشق طريقها نحو تحقيق الاستقلالية"، وأن "النظرة القديمة عن النساء بدأت في الزوال؛ كما أصبحت النساء أكثر اندماجا في محيطهن السوسيو اقتصادي والثقافي والسياسي". وأشارت المتحدثة إلى أن طموح النسوة بهذه المنطقة ذات الطابع القروي هو أن "تعتمد المرأة على نفسها وألا تقبل الإهانة"، وأضافت في تصريح لهسبريس: "الطريق مازال طويلا أمام المرأة لتحقيق ما تصبو إليه من تطلعات؛ ذلك أن درب الحياة ليس مفروشا بالورود"، داعية النساء إلى بذل مزيد من الجهود لتخطي العقبات والإكراهات التي تحول دون بلوغ الأهداف في هذا الإطار. وأكدت المتحدثة أن التعاونية أصبحت تقتني الحليب من الفلاحين بالمنطقة رغم ضعف التسويق والمشاكل التي تواجهها في هذا الجانب، مبرزة أن قطاع وزارة الفلاحة ساهم في خلق هذه التعاونية وقدم لها يد المساعدة، ومشيرة إلى أن "على باقي القطاعات التدخل لمساعدة هؤلاء النسوة وتوفير جميع التجهيزات الضرورية لهن لتسويق منتجهن في أحسن الظروف".