لم تلفت هدى مثنى الانتباه إلا في ما ندر أثناء سنين مراهقتها في ولاية ألاباما الأمريكية وكانت توصف بالمجتهدة والخجولة، قبل أن تتحول اليوم إلى محط أنظار أهم الأجهزة الحكومية بعدما تحولت فجأة إلى مؤيّدة متحمسة لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. تؤكد مثنى، البالغة من العمر 24 عاما وتزوجت من ثلاثة جهاديين وأصبح لديها طفل، أنها ندمت على تحولها إلى التطرف وترغب في العودة إلى بلادها؛ لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدخل شخصيا لمنعها. وترعرعت مثنى في هوفر في ألاباما؛ وهي ضاحية غنية في برمنغهام تقطنها جالية مسلمة كبيرة. وقد عاشت فيها مع والدين مهاجرين من اليمن، كانا صارمين ومنعاها من اقتناء هاتف ذكي؛ حتى أنهت المرحلة الثانوية من دراستها. لكن حصولها على الهاتف، لاحقا، فتح أمامها عالمها الجديد. وتشير مثنى إلى أنها جذبت إلى رسائل تنظيم الدولة الإسلامية، التي أقنعتها بالسفر خلسة في 2014 إلى "الخلافة" التي أقامها التنظيم آنذاك في مناطق واسعة من سوريا والعراق حيث انجذب إليها مئات الغربيين، معظمهم أوروبيون من أصول مهاجرة. ولدى وصولها، حظيت مثنى بجمهور واسع ضمن صفوف الجهاديين على وسائل التواصل الاجتماعي. ففي إحدى التغريدات، ظهرت وهي تحرق جواز سفرها الأمريكي. ووصفت الأمريكيين في تغريدة أخرى ب"الجبناء"، لعدم قدومهم بأعداد أكبر إلى عاصمة "الخلافة" بحكم الأمر الواقع آنذاك، مدينة الرقة السورية، حيث عاشت هي إلى جانب أستراليين. وفي رسالة تم الاحتفاظ بها ضمن ملفات برنامج جامعة جورج واشنطن المرتبط بالتطرف، أشادت مثنى بالاعتداء الدامي الذي استهدف في 2015 مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية التي سخرت من النبي محمد. وكتبت: "نرفع القبعات تحية للمجاهدين في باريس"، داعية إلى شن هجمات مشابهة. وقالت مثنى، التي اعتقلها مقاتلون أكراد في سوريا متحالفون مع الولاياتالمتحدة في وقت تتقلص الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية ليبقى في آخر جيب له، إنها لم تعد تؤمن بالفكر المتطرف. وقالت لمحطة "ايه بي سي نيوز" بصوت منخفض: "إنه ليس إسلامي على الإطلاق. سأحارب ضد قول غير ذلك". وأضافت: "أنا مجرد إنسان عادي تم التلاعب به مرة؛ وهو ما آمل ألا يتكرر إطلاقا". عالم جديد على الهاتف الذكي أفاد جوردان لابورتا، الذي كان يرتاد مدرسة هوفر الثانوية مع مثنى من 2009 إلى 2013، بأنه كان يراها يوميا تقريبا في الصفوف. وقال لوكالة فرانس برس "كانت شابة لطيفة وهادئة". وأضاف: "لم تكن لدى أي أحد، بمن فيهم أنا، فكرة بأن هذا التطرف يتفاقم عندما سمعنا بالخبر في 2015. صُدم أشخاص أقرب بكثير لها مني بالأنباء". وأوضح لابورتا، وهو الآن طالب في كلية الحقوق في جامعة ألاباما، أن مثنى هددته لاحقا إثر تعليقات أدلى بها بعد تحولها إلى التطرف. وقد وصفته على "إنستغرام" بأنه شخص "مهووس بالدراسة" و"يستحق الضرب"؛ وهو تهديد أبلغ به مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي). وعندما تخرجت مثنى من المدرسة الثانوية وسجلت في جامعة ألاباما في برمنغهام، أهداها والدها هاتفا ذكيا. وقال حسن شبلي، محامي العائلة، إنها "وجدت مكانا تنتمي إليه على هاتفها عبر الأنترنيت". وأضاف أن المجندين من تنظيم الدولة الإسلامية استخدموها "كفريسة"، و"منحوها الكثير من الاهتمام وتلاعبوا بعقلها وعزلوها عن أصدقائها وعائلتها ومجتمعها ومسجدها". والدها يشعر بأنه أمريكي في تحرك خارج عن المعتاد، قال مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، إن مثنى ليست مواطنة أمريكية، على الرغم من أنها سافرت إلى سوريا بجواز سفر أمريكي. وقال بومبيو لشبكة "فوكس بيزنس"، الخميس، إن "هذه امرأة شكلت خطرا هائلا على الجنود والمواطنين الأمريكيين. إنها إرهابية، ولن تعود". وينص الدستور الأمريكي على منح الجنسية لأي شخص يولد في البلاد، باستثناء أبناء الدبلوماسيين، إذ يعتبرون خارج الاختصاص القضائي للولايات المتحدة. وعمل أحمد علي والد مثنى ضمن البعثة الدبلوماسية اليمنية في الأممالمتحدة. ورفع دعوى قضائية، الخميس، في مسعى للتأكيد على جنسية ابنته، قائلا إنه غادر منصبه الدبلوماسي قبل ولادتها بعدة أشهر. وفي مقابلة عام 2015 مع "بازفيد نيوز" عندما ظهرت قضية ابنته إلى العلن، أعرب علي عن حزنه. وقال: "أمريكا بلدي الآن. إنها بلد أطفالي. وبالنسبة إلي كمواطن أمريكي، إذا طلب مني الدفاع عن هذا البلد فسأقوم بذلك". بدوره، أفاد لابورتا بأن معظم سكان هوفر قالوا، في مجموعة خاصة على موقع "فيسبوك"، إنهم لا يريدون عودتها. وأما هو، فقال إن عليها العودة؛ لكن يجب أن تلاحق قضائيا. وأكد: "بالنسبة إلي، أشعر بدرجة ما من التعاطف. الشباب يخطئون. لديها طفل لا علاقة له بأي من ذلك، ولم يرتكب هو أي ذنب". وتابع قائلا: "لكن الفرار من البلاد للانضمام إلى منظمة إرهابية ليس مجرد فعل ناجم عن طيش شباب. الأفعال تحمل عواقب". *أ.ف.ب