التطرف ظاهرة دولية تولدت نتيجة أزمة فكرية في سياق سياسي واجتماعي مضطرب، لذلك أدرك المغرب أبواب اقتحام هذا الوباء الخطير، فركب صهوة مقاربة شمولية عمودها الأول المعرفة، خاصة على مستوى الشأن الديني، فيما يتعلق بالعلم والإرشاد والتأهيل والتكوين، بغية التأسيس لقاعدة معرفية تتسم بالوسطية والاعتدال، ومقارعة الحجة بالحجة. مما أثر على خطاب العلماء والمرشدين، مستعملين كل الآليات المطروحة عقلا ونقلا من أجل التأثير والتفاعل مع الفئات المستهدفة. وهذا عمل مشهود ساهم في إنتاج إنسان متصالح مع نفسه، عائد إلى فطرته، ومتفاعل مع غيره بروح من الحرية والمسؤولية. تعتمد هذه المقاربة الشمولية على التشاركية، والإشراك والمشاركة. وبدأ الجميع يردد عبارات موحدة تخرج العالم من ألم الإرهاب إلى أمل العيش المشترك. وأصبح المجتمع المدني شريكا استراتيجيا في وضع قرارات ومشاريع وعرائض وملتمسات وسياسات عمومية تساهم في رسم معالم السلم بناء على قواعد التعاون مع الغير على الخير، والإصلاح في ظل الاستقرار. لأن المجتمع المدني ثروة كبيرة وثمينة، فهذا يجعل كل مواطنة ومواطن يقظا لمواجهة المخاطر المحيطة به، والمستوردة من الآخر، لأن إشكال الإرهاب هو أنه أعمى، ويسيح في الأرض بكل حرية، ويدمر البلاد والعباد والعمران. هذه اليقظة تواجه كل التهديدات والمصائب المأساوية الصادرة عن مجموعات تتعدد وتتنوع وتتناسل وتتوالد بناء على تأويلات مضطربة ومنحرفة تغتال الفضيلة، وتزرع الرذيلة، وتحارب الأمل، وتنشر الألم، وتخرب الذات، وتلوث الهوية. إن الإرهاب يحصل على أموال طائلة من أجل دعم مشاريعه بأساليب غير مشروعة، عقلا ونقلا، باعتباره يضم من يتبجح بالاستعلاء العلمي والمعرفي انطلاقا من اجتهادات مغلوب على أمرها. وما دام الإرهاب يعتمد على التخطيط والبرمجة والاستهداف المضبوط مستثمرا التكنولوجية الحديثة، فإن مقاربة المواجهة مطالبة بالرقي إلى مستوى هذا التحدي والتشمير له بكل الآليات المتاحة معرفيا واجتماعيا وتقنيا ودينيا، وإقامة الحجة الدامغة حتى تهوى جميع مداخيل هذا الصنم الإرهابي الذي بأفعاله يقيم عليه شهادة الدنيا والآخرة. إن هذا المجهود الوطني الذي بذله المغرب في مواجهة الإرهاب قاسمه مع الدول والمنظمات الدولية من أجل العمل سويا لتوسيع دائرة العيش المشترك، بعيدا عن العنف والإرهاب. وكون هذه الاستراتيجية يومية تحتاج دوما إلى تشاركية في الوضع والتنزيل والمتابعة والتقويم، وبناء وتجديد الأفق الاستراتيجي المستقبلي اعتمادا على رؤية مستقبلية، تدرس كل الحيتيات، لأن السؤال الجوهري: لماذا يعشش هذا الوباء الخبيث بالدرجة الأولى في دول الجنوب ونادرا في دول الشمال؟ هل المتحكم في الظاهرة البعد الجيو-استراتيجي أم السياق المضطرب سياسيا واجتماعيا؟ أم إن الأمر مرتبط بمنسوب الوعي السائد في الدول؟ وأسئلة أخرى تتناسل عندما نريد تحليل الظاهرة تحليلا موضوعاتيا وموضوعيا. وعودة إلى التجربة المغربية، نؤكد أن ضبط الشأن الديني بالمغرب، وربطه بإمارة المؤمنين، حصن المناخ التعبدي العام، تاركا فرصا مقدرة على مستوى الاجتهاد غير الملزم والمندمج ضمن منظومة حرية الفكر والتعبير. لذلك تم تسويق هذا الاجتهاد المغربي والحضاري إلى قارات أخرى، وعلى رأسها إفريقيا عبر مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، وأوروبا عبر "المجلس المغربي للعلماء بأوروبا". ودول أخرى من آسيا وأمريكا. ومن أجل تكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وفر المغرب معهد محمد السادس. ناهيك عن أنشطة أخرى تصب كلها في نشر تعاليم الدين الإسلامي السمح المبني على الوسطية والاعتدال. نخلص مما سبق إلى أن المغرب عرف ثلاث محطات إرهابية: 2003-2007-2011، مما جعله يرسم معالم متعددة الأطراف لمواجهة الظاهرة تجنبا لكل استفحال، همت ثلاثة محاور أساسية: الشأن الديني، والاقتصادي الاجتماعي، والاستراتيجية الأمنية والتشريعية، وهنا يبدو التلازم بين الرأسمال المادي وغير المادي، وبين الحقوق والواجبات، اعتمادا على الاستباقية والتعاون الدولي. وفي هذا الإطار، نستحضر القوانين التي صادق عليها البرلمان المغربي نحو القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وتبييض الأموال، وتمويل الإرهاب، وأخرى تستهدف الحصول على المعلومة واعتماد قاعدة الوقاية خير من العلاج، وبناء منظومة التسامح والاعتدال، والعيش المشترك، إضافة إلى تحريك مسلسل مقدر للحماية الاجتماعية: برنامج الألفية الذي تشرف عليه الأممالمتحدة، الذي حقق إنجازا مهما في مرحلته الأولى، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبرنامج تيسير، والراميد، والتأمين الإجباري، خاصة لذوي المهن الحرة، وكذلك المعاش، ومشروع السجل الموحد المبني على الدعم المباشر للفئات المتضررة... إذن، المطلوب استثمار البعد المعرفي والفكري واعتماد التوازن بين ما هو اقتصادي واجتماعي علاجا للأعطاب المطروحة في هذا الباب.