بعيدا عن الأرقام المسجلة غداة اقتراع 25 نونبر 2011 بالمغرب و بعيدا عن السجال السياسي الذي أفرزته هذه المحطة الانتخابية، بين أغلبية مقاطعة و أقلية متطلعة لتسلم مفاتيح تسيير الشأن العام بهذا البلد يحق لنا أن نتسائل عن آفاق الحكم و عن أوهام التغيير و حقائق الاستبداد و الفساد بالمغرب. 1- اقتراع 25 نونبر جاء في سياق متصل أفرزه الحراك الشعبي، كانت بدايته مع خطاب 9 مارس و ما تلاه من استفتاء على تغييرات دستورية حددها الملك وعين بشأنها لجنة و تم تمريرها في استفتاء بأرقام فلكية تنتمي لنادي الديكتاتوريات المتخلفة بما يقارب 99%. هذا الحراك الشعبي أربك نظام الحكم الذي تدخل في أكثر من مناسبة لخلق هيئات و مؤسسات و رفع شعارات عدت من قبيل المسكنات التفافا على المطالب المشروعة لحركة الشارع. إذا كان الاستبداد محافظا بطبعه و منغلقا على ذاته و أدواته فإن حركة الشارع المغربي شكلت النقيض الوجودي له بما ترفعه من شعارات التغيير و محاربة الفساد والاستبداد. و في حالة النظام المغربي الذي خبر المعارضات بشتى أصنافها يبدو للوهلة الأولى أنه تكيف مع متطلبات المرحلة المتسمة بموجة الاحتجاجات على ديكتاتوريات المنطقة العربية فيما يعرف بالربيع العربي، و بالفعل سعى لتغيير دستوري شكلي أبقى لنفسه فيه على كل السلطات الدينية و الدنيوية و أخرج مؤسسات بصلاحيات جد محدودة، آخرها برلمان تبوأ فيه " إسلاميو المشاركة السياسية " المقدمة في استجابة واضحة لوصايا الغرب الذي أدرك أن البديل عما يسمى " إسلاميون معتدلون " هو القاعدة و الحركات الجهادية. الخلاصة أن المشهد السياسي المغربي تغير في شكله فقط بالمجيء بنخبة سياسية معها قدر من المصداقية و إدماجها في تحالف حكومي في عملية إعادة إنتاج الاستبداد في الفرن المخزني بوقود " إسلامي " هذه المرة. 2- مهما يكن فالمستقبل القريب و المتوسط كفيل بكشف مفاعيل الالتفاف على مطالب حركة الشارع المغربي و تجليات ذلك على حياة المواطن في حقوقه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. و أهم الامتحانات التي يتعين على الحكم بالمغرب خوضها في المرحلة المقبلة: * الاقتصاد : حيث أن نفس آليات التدبير لا زالت قائمة من ريع و احتكار و فساد، و تركيز للثروة بأيدي قلة من المحضوضين بينما الغالبية العظمى من الشعب تتجرع الفقر و الحرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة. * حقوق الإنسان: حيث لا تطوى صفحة سوداء من صفحات الانتهاكات إلا لتظهر أخرى أكثر قتامة و إذلالا لكرامة الإنسان المغربي، مع غياب تام لسلطة قضائية قوية و مستقلة عن توجيه الحاكمين. * تقهقر مستمر للفآت الاجتماعية الأكثر هشاشة يقابله ثراء فاحش لفئة من المنتفعين، مما يهدد بأزمات اجتماعية خطيرة. * سيادة طقوس العبودية المذلة في علاقة الحاكم بالمحكوم بما يخالف منطق العصر القائم على قيم المساواة و حقوق الإنسان. * أزمة إعلامية قاتلة مع سيادة لغة الخشب و التملق عند النخبة السياسية و الثقافية المدجنة و غياب مطلق للصوت المعارض من خارج اللعبة السياسية الممجوجة. 3- يحسب لحركة الشارع المغربي ممثلة في شباب 20 فبراير و الهيآت الداعمة لها أنها حركت بل رجّت بقوة المشهد السياسي بالمغرب و أحدثت من التغييرات ما عجزت عنه كل الأحزاب الرسمية المشاركة في اللعبة السياسية المخزنية، إن على المستوى الرسمي بدفعه لتبني جملة قرارات أقلها إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين أو على المستوى الشعبي بتحريره من عقدة الخوف و الرعب و رفع منسوب الوعي لديه و إكسابه القدرة على النقد و الاحتجاج. في الختام لا بد من طرح السؤال المحرج: ماذا بعد؟ أيجدر بالنظام الاطمئنان إلى الطبخة الانتخابية و تزوير الأرقام المتعلقة بالمشاركة و الاستمرار في تجاهل حركة الشارع؟ أم ينظر للمستقبل بعين ناقدة ليتدارك ما يمكن تداركه؟ أما حركة الشارع فتبقى وفية لمطالبها و ما الاحتجاجات التي سبقت و تلت 25 نونبر إلا عربونا على الوفاء و الاستمرار. بين وهم الحاكمين باكتساب الجولة الحالية و تسويق مخططاتهم على أنها تغيير، و حقيقة الفساد الذي ينخر المؤسسات و الاستبداد الذي يحتقر ذكاء المغاربة يستحضر المراقب مقولة " الاستثناء المغربي " التي لن تعدو كونها أكذوبة كبيرة عما قريب ينكشف زيفها. و إن غدا لناظره لقريب. وزان في فاتح محرم 1433ه الموافق ل: 27/11/2011م [email protected]