سنة 2000، شهدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية منعطفا انتقلت عبره من تنظيم يقتصر على مديري الصحف الوطنية، منذ تأسيسها عام 1963، إلى إطار يجمع في صفوفه الصحافيين والمديرين. وما بين تاريخ 1963 و2000، عرف العمل النقابي في مهنة الصحافة والإعلام إشكاليات وثّقها كتاب جديد أصدره الكاتب الصحافي جمال محافظ، تحت عنوان "الصحافيون المغاربة والأداء النقابي في الإعلام: السياق والتحول". ويتطرق جمال المحافظ في كتابه، الذي يعدّ أول مؤلف يتناول إشكاليات العمل النقابي في مهنة الصحافة والإعلام، إلى سياقات ومسار تأسيس العمل النقابي من خلال نموذج النقابة الوطنية للصحافة المغربية، كما يرصد التحولات الناشئة على ضوء إرهاصات العمل الصحافي والفعل النقابي ارتباطا بملابسات النشأة والمرامي المنشودة من تأسيس العمل النقابي في ميدان الصحافة والإعلام، والصعوبات الذاتية والموضوعية التي واجهت هذا التنظيم النقابي وتأثيراتها المختلفة. من بين الخلاصات التي انتهى إليها جمال المحافظ في كتابه أنّ تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية في سنة 1963 كان بهدف مُعلن، يتمثل في مواجهة بقايا الصحافة الاستعمارية الفرنسية، وأهدف مضمرة وغير مباشرة، كانت ترمي إلى جعل هذا الإطار النقابي أداة في الصراع السياسي لمغرب الستينيات، الذي كان فيه العمل الصحافي موجها أساسا نحو خدمة الفكر السياسي الحزبي المعارض والترويج له. ويشير المؤلف إلى أنّ المهامَّ التي نهَضت بها النقابة الوطنية للصحافة المغربية طول المرحلة الممتدة ما بين 1993 و1984 تمثلت في الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير، مع غياب شبه تام للجانب المهني، ووضعية الصحافيين، الذين كان يُنظر إليهم في هذه الفترة كمناضلين. ويضيف الكاتب أن النقابة ظلت خلال هذه الفترة أداة لتمرير الخطاب السياسي المعارض، ولم تشكّل في هذه اللحظات التاريخية إطارا مهنيا للتعبير عن تطلعات الصحافيين، وزاد: "هذا يجعل التساؤل مشروعا: هل كان تأسيس النقابة ردّ فعل على ما كان يُعتمل في الوسط الصحافي لتأطير الحقل الإعلامي؟ أم كان مجرد خلق ذراع للحركة الوطنية أثناء تحولها إلى المعارضة؟". ويرى المؤلف أنّ الانتقادات التي كانت توجه إلى النقابة الوطنية للصحافة المغربية خلال الفترة الممتدة ما بين 1963 و1984، بكونها تابعة لأحزاب سياسية، ومعبرة عن آرائها، "لازالت مطروحة إلى حد الآن، في وقت أصبح الاستقلال التنظيمي للنقابات مؤشرا للديمقراطية، ومبدأ أساسيا، الغاية منه منع الأحزاب من أن يكون لها ذيْل نقابي، يجعل النقابة جزءا موازيا لها". ويعرّج المؤلف في كتابه الذي قدّمه عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، على المراحل التي قطعها العمل النقابي في المجال الصحافي والإعلامي بالمغرب، منذ تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية سنة 1963، ليخلُص إلى أنّ النقابة عرفت "انقلابا أبيض" سنة 2000، بكسْر احتكارها كإطار نقابي من طرف مديري المؤسسات الإعلامية، وانضمام الصحافيين إليها. ويسجّل أنّ تحوّل النقابة الوطنية للصحافة المغربية إلى فاعل أساسي لتنظيم مهنة الصحافة وازاه "تراجع غير مسبوق" لحرية الصحافة في المغرب، برزت معالمه سنة 2002، حيث عاشت الصحافة المغربية "محطات سوداء من تاريخها، تمثلت في إصدار قانون صحافة معدّل استعمل للتضييق على الحريات وقمع الصحافيين، وإعداد الحكومة لمشروع قانون مكافحة الإرهاب، تضمّن نصوصا تجرم العمل الصحافي، وتضع الصحافيين في خانة الإرهابيين". ويعود المؤلف إلى التحول الذي عرفه المغرب بعد "مصالحة" النظام مع المعارضة، وتشكيل حكومة التناوب التوافقي بقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم وفاة الملك الحسن الثاني غداة ذلك بسنة واحدة، وهي التحولات التي فرضت على النظام الجديد تبني خطاب جديد، يقوم على المفهوم الجديد للسلطة، والإنصاف والمصالحة، وحقوق الإنسان.. ولعبت فيها الصحافة أدوارا أساسية.