وسط حضور وازن، تم أمس الجمعة بالرباط تقديم مذكرات الزعيم اليساري والمقاوم محمد بنسعيد آيت إيدر، الموسومة بعنوان "هكذا تكلم محمد بنسعيد" - من إعداد وإخراج عبد الرحمن زكري- والتي يسرد فيها محطات حالكة في تاريخ المغرب الحديث ودفاعه عن كرامة الوطن والمواطنين. وغصت قاعة المكتبة الوطنية الرئيسية بجمهور غفير جاء ليستمع إلى مذكرات معارض الملوك الثلاثة: محمد الخامس، والحسن الثاني والملك الحالي محمد السادس. وكان ضمن الحضور إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، ومحمد اليازغي، الكاتب الأول الأسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وشوقي بنيوب، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، ونزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال. كما حضر قياديون يساريون وإسلاميون معارضون، وممثلون عن أحزاب مغربية، ونشطاء حقوقيون، وفاعلون مدنيون وسياسيون، فيما تعذر على عبد الرحمان اليوسفي، رفيق درب آيت إيدر، أن يحضر بسبب مشاكل صحية. وقال آيت إيدر، في تصريح لهسبريس، "لقد تطرقت إلى جميع القضايا التي كنت شاهدا عليها أو فاعلا فيها، سواء كان مسكوتا عنها إما لحسابات سياسية أو لخوف ما"، مشيرا إلى أن مذكراته تخاطب الجيل الجديد لكي يتعرف على هذه التجربة النضالية والسياسية، وأنه يرحب بأي نقد بناء لمضامين الوثيقة. وأجمعت جل المداخلات التقديمية لمذكرات آيت إيدر على أن "الرجل ساهم في كثير من الأحداث، ودافع عن كرامة الوطن والمواطنين، وأنه اختار الانحياز إلى الحق والعدل بجرأة قلما نظيرها في مغرب اليوم ولم يبدل تبديلا، وبقي وفيا لمواقفه عبر عقود من الزمن، في الوقت الذي اختار الكثير من رفاق الأمس الارتماء في أحضان السلطة". وفي كلمة مؤثرة، عبر محمد بنسعيد آيت إيدر عن أحلامه ومتمنياته لمغرب الغد. كما أبدى تأسفه للفرص الضائعة، ودعا إلى تجنيب المغرب الانزلاق إلى حالة الانفلات الكبرى، التي يمكن أن تهدد المجتمع والدولة على حد سواء. وأكد "شيخ اليساريين" أن "لا سبيل لتحقيق ذلك إلا عبر إطلاق انفراج سياسي جديد بالمغرب، وتضافر جهود الجميع لبلورة مشروع مجتمعي حداثي ودولة الحق والقانون"، مشيرا إلى أن المجتمعات التي تضمن لنفسها استقرارا وانخراطا إيجابيا هي التي تبلور بشكل نوعي قاعدة مشتركة متوافق عليها. وأضاف بنسعيد أن فرصة تحقيق مغرب جديد تظل قائمة، رغم الأخطار التي تهدد البلد، مشيرا إلى أن "هذا التوافق كفيل بإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع". ودعا الجميع إلى المساهمة، كل من موقعه، في بناء المستقبل المنشود، قبل أن يؤكد على وحدة اليسار وضرورة استرجاع هذا المكون للمبادرة. وخصص بنسعيد جزءا من كلمته لنزاع الصحراء المغربية والخلاف مع الجار الجزائري، متمنيا أن يتوقف الخلاف بين البلدين، الذي يهدد سلام واستقرار ورخاء الشعوب المغاربية. وأوضح أن "الأزمة المستمرة بين المغرب والجزائر تمس بالمصالح الاستراتيجية للدولتين، ولا يمكن تحقيق المغرب الكبير إلا بإنهاء هذا الصراع". وتمنى بنسعيد أن تصبح الصحراء "قنطرة وصل وليست قنطرة فصل للنزاع الذي ينخر المنطقة المغاربية"، لافتا الانتباه إلى أن نزاع الصحراء استنزف الإمكانيات المادية والبشرية للمنطقة بشكل كبير. من جانبها، قالت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، إن كتاب محمد بنسعيد آيت إيدر "يظهر جوانب من شخصية رجل مناضل منسجم مع مواقفه التاريخية ويمارس ما يقول، وهي مسألة نادرة في المشهد السياسي اليوم". وأوضحت منيب أن "البلاد محتاجة اليوم إلى استرجاع الذاكرة الوطنية بكل جوانبها"، مضيفة أن "مذكرات بنسعيد ستشكل قيمة مضافة، وعلى شباب اليوم أن يتعرف عليها لكي يستمد منها القوة والعزيمة من أجل أن يحلم ويساهم في اتجاه التغيير الديمقراطي الذي لا يزال آيت إيدر يناضل من أجله".