تشتهرُ قرية بنصميم، الواقعة نواحي مدينة آزرو وسط جبال الأطلس المتوسط، بمنابع مياهها المعدنية الطبيعية وبمناظرها الخلابة العذراء، حيث تُكسى الجبال والهضاب بالبياض حين يسقط الثلج في فصل الشتاء، وتكتسي حُلّة خضراء بهيّة في باقي فصول السنة. يَقصد السياحُ قرية بنصميم بحثا عن الهدوء والسكينة والهواء الصافي، خاصّة أنَّ هذه المنطقة معروفة بمناخها الصحي؛ فوسَط جبالها بنى الفرنسيّون مستشفى ضخما للأمراض الصدرية وخاصة السّل، بعدما اكتشفوا أنَّ مناخ المنطقة يساعد على علاج هذا النوع من الأمراض. يؤكّد جوْدة مناخ بنصميم أحد أبنائها بقوله، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، إنّه عاش لمدّة سنتين فقط في مدينة الرباط، بحُكم عمله؛ لكنّه لم يستطع المكوث في العاصمة أكثر، بسبب هوائها المشبّع بالرطوبة، والذي فاقم من معاناته مع الربو، فعاد إلى بنصميم، حيث يعيش حاليا بدون مشاكلَ صحية. جمالُ طبيعة بنصميم، وهواؤها الصحي، وهُدوءها الذي لا يَكسره سوى حفيف الأشجار التي تكسو الجبال عن آخرها، عواملُ دفعتْ هذه القرية إلى أنْ تكون قِبْلة للأثرياء القادمين من المدن الكبرى، حيث بدأ تشييد عدد من الفيلات الفخمة وسط جبال المنطقة. إقبال الأثرياء على بناء فيلات على مساحات واسعة وسط الجبال المحاذية لمنابع المياه المعدنية الطبيعية في بنصميم جعل سعْر العقار يشهد ارتفاعا صاروخيا، إذْ يتراوح ثمن الهكتار الواحد من الأراضي ما بين سبعين وثمانين مليون سنتيم، حسب المعلومات التي استقيناها من عين المكان. وعلى الرغم من أنَّ المنابع المعدنية ببنصميم تشكل قِبْلة للسياح، فإنّها، كغيرها من المناطق السياحية المغربية، تفتقر إلى أبسط المقوّمات الأساسية، فيما يتعلق بالبنية التحتية. الطريق المؤدّية إلى هناك ضيّقة لا يستوعبُ عرْضها سيارتيْن خفيفتين، علاوة عن أنّها مليئة بالحفَر العميقة. الوضع المتردّي للطريق المؤدي إلى عين بنصميم لمْ يُثر انتباه مسيّر الشأن العام، ولا مسؤولي شركة مياه معدنية معروفة تبيعُ المياه المُستخرَجة من منابع بنصميم، على الرغم من أنّ شاحناتها الكبيرة تقطع كل يوم ذلك الطريق الضيّق الذي يئنّ تحت وطأة الإهمال، على الرغم من أهميتها وحيويتها، خاصة أنها تؤدّي، أيضا، إلى سَدّ كبير يُشيَّد بالمنطقة. في أعلى المنبع الذي تنبع منها المياه المعدنية لعين بنصميم، ثمّة بضعُ حجرات تُتخذ مأوى للتلاميذ أثناء إقامة المخيمات الصيفية، وبجوارها بعض المربعات الإسمنتية التي تُقام عليها الأنشطة الترفيهية للتلاميذ. السياح القاصدون لعيون بنصميم يصعدون إلى منتصف الجبل الذي تنبع عند قدمه المياه المعدنية الطبيعية، للتأمل في جمال طبيعة المكان؛ لكنْ بعد العودة يصير الجمالُ الذي لاحظته العيْن مخدوشا، بسبب سوء حال الطريق، الذي لن يكلّف إصلاحه جهدا كبيرا ولا مبالغَ مالية طائلة، نظرا لقِصَر مسافته. وليسَ الطريق وحَده الذي يئنّ تحت وطأة الإهمال واللامبالاة، بل ثمّة مَعلمة تاريخية مثيرة للدهشة، هي مستشفى الأمراض الصدرية الذي بناه الفرنسيون في أربعينيات القرن الماضي، وأغلق مطلع السبعينيات، ليكون كل ما هو قابل منه للكسْر والتهشيم عُرضة للدمار، بينما لا تزال جُدرانها محافظة على متانتها وكأنّها بُنيت بالأمس. الفرنسيون لم يبنوا فقط مستشفى الأمراض الصدرية الذي يمتدّ عمره إلى أزيد من ستين عاما، بل أنشؤوا، عند منابع بنصميم، مسبحا كبيرا في الهواء الطلق، أصبح بدوره مهجورا، على الرغم من أنه لا يزال محافظا بدوره على صلابته. ويقف المستشفى القديم والمسبحُ على مفارقة مثيرة للسخرية، تتجلى في الطريق التي تربط بينهما، إذ في الوقت الذي لا تزال المُنشآت سالفتي الذكر واقفتين بشموخ، فإنّ "طريق ما بعد الاستقلال" أصبح شبْه متكامل، دون أنْ يحظى ب"عطف" المعنيين بإصلاحه، خدمة للسياحة بالمنطقة، أو رفعا للعتب، على الأقل.