منذ انتخاب الرئيس الحالي ترامب انطلقت عدة قراءات تشكك في الموقف الأمريكي وما قد يكون عليه علاقة بملف الصحراء، وازدادت هذه الشكوك مع تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي، وهي مهمة جد حساسة ولها تأثيرها في النظام السياسي الأمريكي؛ ما زاد من حجم حالة "الشك" هذه هو مرجعية الرجل المحافظة والمواقف التي سبق له أن جمعها في مؤلف له تحت عنوان "الاستسلام ليس خيارنا"، وكذا من خلال اشتغاله على ملف الصحراء عندما كان مساعدا للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جيمس بيكر، الذي قدم استقالته سنة 2004، بعدما رفض المغرب "خطة بيكر"، قبل أن يعود لمباشرة مختلف النزاعات الدولية ذات اهتمام الإدارة الأمريكية، ومن بينها نزاع الصحراء. وإذا كانت هذه التخوفات لها ما يبررها، خاصة منها التي تنطلق من الحرص على الدفاع عن ملف الصحراء من منطلق موقف وطني وديمقراطي، فإن الحملة الإعلامية التي تم القيام بها من طرف خصوم المغرب لهذا التعيين، الذي صرفته على أساس أنه بداية هزيمة دبلوماسية للمغرب في الملف وتحول في القراءة الأمريكية للنزاع، خلقت تشويشا داخليا لدى بعض الأصوات، على عكس أصوات قليلة أخرى ظلت محافظة على التحليل الإيجابي الذي تلى مباشرة انتخاب ترامب، معتبرة تعيين جون بولتون لا يعني إشارة سلبية للمغرب، ويمكن الاستناد في ذلك ليس إلى التحاليل الافتراضية أو المتأثرة بدعاية الخصوم، سواء بسوء نية أو بحسن نية، بل إلى تقييم عقلاني للموقف الأمريكي الذي يجب أن ينطلق من الواقع، واقع الملف وما عرفه من تحول إيجابي كبير لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية. ففي عهد ترامب وفي ظل تواجد جون بولتون، قدمت الإدارة الأمريكية مرتين مسودتي قرار لمجلس الأمن عبرت من خلالهما عن دعم واضح للمغرب وللمسار السياسي والحل الواقعي الذي لن يكون إلا الحكم الذاتي مادام استفتاء تقرير المصير أصبح غير واقعي وغير قابل للتطبيق. كما أنه في ظل هذه الإدارة تم جر الجزائر لحضور المائدة المستديرة بجنيف كطرف أساسي ورئيسي وليس كملاحظ. وفي هذا السياق أيضا، تمت إدانة البوليساريو مرتين وفي قرارين متتاليين وفرض عليها احترام وقف إطلاق النار وتم تدقيق المنطقة العازلة التي أرادت الجزائر التحايل عليها، أضف إلى ذلك أن الخارجية الأمريكية عبرت من خلال نائب الوزير بعد آخر زيارة له إلى المغرب عن دعمها للحل المغربي للنزاع، ناهيك عن استمرار الدعم الأمريكي للصحراء الذي أقرته في مختلف ميزانيتها السنوية، وعلى رأسها ميزانية 2019، باعتبارها جزءا من المغرب وليس منفصلة رغم الحملة الكبيرة التي تم القيام بها من طرف خصوم المغرب بالكونغرس الأمريكي والتي انتهت بدعم واعتراف بسيادة المغرب على هذه الأقاليم. مقياس تغير الموقف الأمريكي ليس ما يتم التعبير عنه في الندوات أو في بعض التحاليل الصحافية العالمية التي قد يكون هدفها جر المغرب لاستفزاز الإدارة الأمريكية بموقف متسرع، بل هو ما يتم التعبير عنه رسميا، وهو في ظل هذه الإدارة وفي ظل تواجد جون بولتون موقف داعم للمغرب، ورغم تأخر تعيين السفير الأمريكي، فقد أصبحت علاقة البلدين أكثر انتعاشا وقد يكون الخط الدبلوماسي بينهما أصبح مباشرا وأكثر حرارة. خلاصة القول، إن معركتنا لا يجب أن تكون مع شركائنا ولا يمكن أن ننجر معها إلى نقاش يبعدنا عن حقيقة مواقفهم، كما أنه في المقابل لا يمكن أن نركن إلى الاطمئنان، بل يجب أن تظل دبلوماسيتنا يقظة، مبادرة وصارمة كما هي عليه الآن.