نوَّه الصحافي حميد برادة بما قام بها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول الأسبق حين تسلَّم رسالة من السيدة أسماء الموساوي زوجة الصحافي المعتقل توفيق بوعشرين، وكان مضمون الرسالة مجرد دعوة موجهة للسلطات العليا من أجل أن تكون محاكمة بوعشرين محاكمة عادلة، واتصل اليوسفي، طبقا لرواية برادة، بعد يوم واحد من تسلُّمِ الرسالة، بأحد مستشاري الملك الذي التقاه في بيت الأستاذ فتح الله ولعلو، وسلَّمها له، وكان ذلك بضعة أشهر قبل صدور الحكم الابتدائي ضد بوعشرين ب 12 سنة سجنا نافذا.. لكن هل هذا هو كلُّ المطلوب من مناضل سابق في حجم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في ملف مثل الملف الذي حوكم به الصحافي بوعشرين؟ هل وظيفة رجل حقوقي تعرض للقمع سابقا، ويحظى باحترام من طرف الرأي العام هي الاكتفاء بالتوسط لتوصيل رسالة من زوجة صحافي معتقل إلى ملك البلاد؟ لا نظن أن هذه مهمة صعبة، وتستحق أن يُجهد الوزير الأول الأسبق نفسه للقيام بها، وأن يتم التنويه به عليها، وما أعتقد أن كل غاية زوجة بوعشرين كانت هي أن تصل رسالة منها إلى الملك. المعروف هو أن لا شيء يخفى على المؤسسة الملكية في مثل هذه القضايا، فلو أن السيدة أسماء بعثت برسالتها في هذا الشأن عبر البريد العادي إلى الديوان الملكي لكانت الرسالة قد وصلت ووُضِعت بين يدي الملك، ولكان قد اطلع عليها مباشرة، وربما فور وصولها. أبواب الديوان الملكي مفتوحة، ولا يحتاج الملك إلى من يتوسط له في ملف مثل ذلك الذي حوكم في ظله الصحافي توفيق بوعشرين، كما لا يتعين أن تكون المطالبة بمحاكمة عادلة موضوعا لرسالة يتوسط فيها الوزير الأول الأسبق اليوسفي ليوصلها إلى المؤسسة الملكية. يفترض أن تكون المحاكمة العادلة، من وجهة نظر اليوسفي، أمرا مفروغا منه، ودون وساطة من أي كان، لكن توسُّطَه لدى القصر كوزير أول سابق لتأمين محاكمة عادلة لبوعشرين، قد يضع أكثر من علامات استفهام على كيفية أداء السلطة القضائية لمهامها ببلدنا ككل، فتوفيق بوعشرين توسَّط له الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، كما قال ذلك حميد برادة، لكي يتمتع بمحاكمة عادلة، لكن ماذا عن الذين لم يجدوا من يتوسط لهم في هذا الشأن؟ فهل كل محاكماتهم تكون خالية من العدل؟ وما جدوى توسط اليوسفي في هذه النازلة؟ فلقد حكمت المحكمة على بوعشرين ب 12 سنة سجنا نافذا، وذلك بعد توسط الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأسبق، فكم كانت ستكون المدة الزمنية المحكوم بها على بوعشرين، لولا التوسط الذي كان لفائدته من طرف وزير أول سابق لاشك أن أنه له مكانة اعتبارية متميزة بين المواطنين وفي مؤسسات الدولة؟ كان يتعين على الوزير الأول الأسبق أن يتعاطى على أساس أنَّ القضاء مستقل ونزيه وبعيد عن تأثير جميع السلطات في بلدنا، وأن لا دخل لأي جهة كانت في الأحكام التي يصدرها القضاة، وبناء عليه، كان على الأستاذ اليوسفي ألا يجيز لنفسه توصيل رسالة إلى الملك، تُشكِّكُ، بصيغة من الصيغ، في نزاهة القضاء المغربي، وتطالبه بأن يكون عادلا في ملف معروض أمامه، ويتابعه الرأي العام في أدقِّ تفاصيله، وكأن القضاء سيتصرف بشكل ظالم دون الرسالة ودون تدخل من السلطة العليا في البلد. وكان لزاما على الأستاذ اليوسفي مراقبة أطوار محاكمة بوعشرين، وأن يدرسها ويتمحصها، وإذا ظهر له أن المحاكمة لم تتوفر فيها شروط النزاهة المطلوبة، وأن الحكم الصادر عنها كان جائرا، وبدوافع سياسية وانتقامية، كان من الوجب عليه، حينئذ، إصدار بيان، أو تصريح صحافي، أو نشر مقال يُبَيِّن فيه الخلل الذي شاب المحاكمة، وأن يُعرب عن تضامنه مع الصحافي بوعشرين، وأن يطالب بإطلاق سراحه، كما فعل الأساتذة، بنسعيد آيت إيدر، وإسماعيل العلوي، وامحمد الخليفة، وعبد الحق التازي، ومليكة العصامي.. وآخرون.. لقد توسَّط الأستاذ اليوسفي للصحافي بوعشرين وأوصل رسالة زوجته التي كانت تطالب فيها بمحاكمة عادلة، لكن ماذا بعد إصدار قرار المحكمة؟ هل كانت المحاكمة عادلة فعلا كما تمنى ذلك اليوسفي من وراء الرسالة التي أوصلها إلى الملك؟ هل في نظره يستحق بوعشرين 12 سنة سجنا نافذا؟؟ ما هو تقييمه لهذا الحكم ورأيه فيه؟ أليس حكما قاسيا؟ ألا تشوبه شوائب سياسية؟ أليس هناك أثر لمقالات بوعشرين في الحكم الصادر ضده؟ هذه هي الأسئلة التي كان يتعين على الأستاذ اليوسفي تقديم أجوبة عنها، واتخاذ الموقف المناسب بصددها، لأنه هو الذي اختار أن يُقحم نفسه في الملف مبكرا، من خلال الوساطة التي أقدم عليها في شأنه، لكنه للأسف، لم يفعل لحد الساعة، كما فعل غيره المشار إليهم سلفا، رغم أنه عاش تجربة التعرض للمحاكمة التعسفية والظالمة حين اعتقل وحوكم في ستينات القرن الماضي أثناء ممارسته للعمل الصحفي، ولا يزال إلى اليوم لا يمل من الحديث عن تلك التجربة، ويؤاخذ الأستاذ عبد الله إبراهيم الذي كان رئيسا للحكومة على عدم مساندته والتخلي عنه أثناءها..