حرب طاحنة تدور رحاها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، سببها إحالة عبد العلي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية، القائد للائتلاف الحكومي، على الغرفة الجنائية بفاس من أجل المساهمة في القتل العمد للطالب اليساري بنعيسى آيت الجيد في تسعينيات القرن الماضي بجوار جامعة ظهر المهراز بفاس. وبعدما خلق هذا القرار الجديد استنفاراً في حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وتبني قيادته بشكل رسمي للملف بتشكيل لجنة يترأسها وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد، اندلع نقاش قانوني صاخب بين عدد من القضاة والمحامين الذين يمثلون طرفي النزاع، من الرافضين لهذه المتابعة والداعمين لها. وبين هاتين الفئتين توجد فئة ثالثة، فضلت نقاش الموضوع بعيداً بعض الشيء عن الصخب، يمثلها ثلة من رفاق الراحل وأصدقائه الذين عايشوه في فترة التسعينيات بجامعة فاس، حيث كان ينتمي إلى صفوف القاعديين اليساريين. وكانت الجامعة في تلك الفترة تعرف تصارعاً فكرياً وتارة تشهد صراعات دموية بين الفصائل الطلابية المختلفة أيديولوجياً. على رأس هؤلاء يوجد نورالدين جرير، وسعيد زريوح، ومصطفى اللويزي، إذ أصدروا بياناً بعنوان "الحقيقة أولاً وأخيراً"، وقع عليه حوالي ألف شخص على "فيسبوك"، قالوا فيه إن تحرك حزب العدالة والتنمية في هذه القضية "يعد تدخلاً سافراً في شؤون القضاء ومحاولة للتأثير عليه سياسيا ووقوفاً سافراً ضد من يناضل من أجل استقلاليته ونزاهته". وقال سعيد زريوح، في حديث لهسبريس: "إن السلوك الذي عبر عنه "البيجيدي" وتصريح وزيره مصطفى الرميد يؤكد قناعتنا بأن اغتيال الشهيد بنعيسى آيت الجيد هو جريمة سياسية تعمل الجهات التي تتحمل المسؤولية فيها على طمس حقيقتها"، واعتبر أن "اغتيال الحقيقة في هذا الملف أكبر خطر يهدد الوطن ومستقبله". وأشار زريوح إلى أن "سعي رفاق آيت الجيد ليس هو مطاردة الساحرات ولا تحركه نزعة انتقامية من الأشخاص أو مذاهبهم"، مردفا: "نحن ننتصر إلى الحقيقة ولا شيء غيرها، وسنقبل نتائج المحاكمة إن توفرت شروط عدالتها. وعلى هذا الأساس نعتبر أن معركة الحقيقة لا تعنينا وحدنا، وهي من صميم مسؤولية كل القوى الحية والتقدمية التي تؤمن بالحق المقدس في الحياة والاختلاف". وأكد ثلة من رفاق آيت الجيد في وثيقة نشروها أن الراحل "كان مناضلاً قاعدياً وتقدمياً بالحركة الطلابية، وكان أيضاً مناضلاً بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبالعديد من الجمعيات الأخرى"، كما شددوا على أنه "كان بشهادة الجميع مناضلاً مؤمناً بالنضال السلمي وجانحاً للاعتدال"، واعتبروا أن "قضيته تسائل كل الإطارات التقدمية وستكون محكاً للجميع في معركة الانتصار للمبادئ، لأن الحق المقدس في الحياة هو أكبر من الحسابات السياسية مهما كبرت، حتى لو كانت بحجم انتقام دولة من تنظيم أو شخص". وسبق للقضاء أن أدان، بسبب مقتل الطالب اليساري آيت الجيد، عُمر محب، وهو عضو من جماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة، لازال يقضي عقوبة سجنية نافذة بعشر سنوات، وتقول جماعته إن الحكم سياسي تم على "تهمة كيدية". وآيت الجيد من مواليد سنة 1964 بدوار تزكي أدوبلول بإقليم طاطا، وتابع دراسته بمدينة فاس بحي عين قادوس، وفي ثانوية ابن خلدون بدأ نشاطه النضالي في الحركة التلاميذية سنة 1983، ليتم نقله من هذه الثانوية سنة 1984، ويلتحق بثانوية القرويين في المدينة نفسها. وتزامن هذا الانتقال وانتفاضة 1984 التي قادها التلاميذ في المغرب وشارك فيها، وفي سنة 1986 التحق بكلية الآداب بجامعة فاس وانخرط في صفوف الحركة الطلابية، وجرى اعتقاله بعد ذلك عقب تظاهرة 20 يناير 1988 الشهيرة دعماً لفلسطين، والتي سقط إثرها عدد من الضحايا من الطلبة، أشهرهم زبيدة خليفة. وكلفت هذه المشاركة الراحل آيت الجيد ضريبة السجن سنة 1990، إذ تم اعتقاله في شهر يوليوز ليتم الحكم عليه بثمانية أشهر حبسا نافذا، بعدما كان قد قضى تسعة أشهر بالسجن المدني بمدينة فاس، ليطلق سراحه في أبريل 1991، لكنه بعد هذا الإفراج بأشهر سيلقى حتفه. ويحكي عدد من رفاق الراحل أنه فوجئ، حين كان متوجهاً إلى حي ليراك بفاس رفقة صديقه الخمار الحديوي، الشاهد الوحيد يوم 25 أكتوبر من عام 1993، بهجوم قاده منتمون إلى فصيل إسلامي استعملوا فيه العصي والسلاسل والسيوف، وهو ما سبب له كسرا عميقا في الرأس ونزيفاً داخلياً عجل بوفاته يوم فاتح مارس، وعمره آنذاك 29 سنة. بعد 25 سنة، تعود هذه القضية لتثير الجدل في المغرب، خصوصاً أن المتابعة اليوم تهم قيادياً من الحزب القائد للائتلاف الحكومي، وهو مستشار برلماني بالغرفة الثانية للبرلمان؛ وهو ما ينذر بتطورات ستكون لها تداعيات سياسية كبيرة يوم الخامس والعشرين من الجاري، تاريخ أول جلسة بعد هذا المستجد.