أجمعت الفرق النيابية بمجلس النواب على ضرورة تفعيل التوصيات التي تتضمّنها تقارير المجلس الأعلى للحسابات، من أجل رفْع مستوى حَكامة صرْف وتدبير المال العام من طرف مسؤولي المؤسسات العمومية، وإحالة ملفّات المتهمين بتبديد المال العام على القضاء، في إطار ربْط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه دستوريا. الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية اعتبر أنَّ حصيلة المجلس الأعلى للحسابات في إحالة الملفات المتعلقة باختلاس المال العام متواضعة، وقال ممثل الفريق: "لا بد من تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لأن تقارير المجلس الأعلى للحسابات لا تتمّ ترجمتها إلى إعفاء المتهمين ومحاسبتهم، بل تتم ترقيتهم، وهذا يطرح سؤال الجدوى من هذه التقارير". وطالب الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية رئيسَ الحكومة بالتجاوب مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وترتيب القرارات اللازمة إزاء المتورطين في تبذير المال العام، من أجل معالجة الاختلالات التي تعرفها عدد من المؤسسات، والتتبع الصارم لصرف الأموال العمومية المحوَّلة من ميزانية الدولة إلى المؤسسات العمومية. فريق التجمع الدستوري نوّه بالعمل الذي يقوم به المجلس الأعلى للحسابات، واعتبر ممثل الفريق، النائب البرلماني عبد الرحمان أبليلا، أنّ قضاة المجلس الأعلى للحسابات "وُفقوا في تشخيص وضعية القطاعات والإدارات العمومية وطرح الحلول الناجعة لتجويد تدبير الشأن العام ببلادنا". وركّزت مُداخلات غالبية الفرق النيابية، سواء المنتمية إلى الأحزاب الحكومية أو المعارضة، في رصْدها للاختلالات التي تعرفها المؤسسات العمومية، على مجموعة صندوق الإيداع والتدبير، والمكتب الشريف للفوسفاط، والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، وشركة صورياد دوزيم. الفريق الحركي بمجلس النواب حثّ بدوره الحكومة على التجاوب مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وقال رئيس الفريق، محمد مبديع، إنّ الحكومة كان عليها أن تقدم جردا بالتزاماتها في الاستجابة لتقارير المجلس. واعتبر مبديع أنّ المغرب يعرف تقدما، وأنجز إصلاحات شكلت أساسَ الاستقرار الذي تعم به المملكة، "لكن هذه المكاسب لم تترجم عمليا على أرض الواقع، حيث لم يلمس المواطن أثر الانفتاح الاقتصادي، وتحسن مؤشرات التنمية"، على حدّ تعبيره، مضيفا أن "حجم الاختلالات ما زال كبيرا، ويتطلب صياغة رؤية لاستثمار ملاحظات وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات لرفع قدرات البلاد والاستجابة لانتظارات المواطنين". من جانبه، انتقد الفريق الاشتراكي ضعف ربْط المسؤولية بالمحاسبة على مستوى صرْف المال العام الذي يُحوَّل من خزينة الدولة إلى المؤسسات العمومية والجماعات الترابية، معتبرا أنّ حكامة تدبير المال العام "لا يمكن أن تتحقق إلا بإحالة ملفات الذين ثبت تورطهم في تبديد وسرقة أموال المغاربة على النيابة العامة". المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية دعتْ، من جهتها، إلى توسيع رقابة المجلس الأعلى للحسابات لتشمل مختلف أوجُه صرف المال العام وفق خطةِ رقابة ومنهجية واضحة، معتبرة أنَّ ضُعف حكامة تدبير العام يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني، ويحول دون انعكاس انتعاش المؤشرات الاقتصادية على تحسين أوضاع المواطنين. في المقابل، استغلّت الفرق النيابية لأحزاب المعارضة فرصة مناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي لمْ يحضره سوى ثلاثة وزراء، لمهاجمة الحكومة؛ إذْ حمّلها فريق الأصالة والمعاصرة مسؤولية عدم إحالة تقارير المجلس الأعلى للحسابات على القضاء، وقال إبراهيم الجماني إن "الحكومة الحالية تمارس نوعا من الفساد السياسي، حيث تخبئ بعض الفاسدين الذين تُظهر التقارير فسادهم، وأحمّل رئيس الحكومة المسؤولية". وانتقدت رفيعة المنصوري، عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، عدم تعاطي الحكومة بجدّية مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات؛ إذ لم يحضر سوى وزيرين من الحكومة هما محمد ساجد وحمو أوحلي قبل أن يلتحق بهما مصطفى الخلفي لمناقشة التقرير الأخير للمجلس، قائلة: "هذه جلسة لمناقشة تقرير مهم مع حكومة الأربعين وزيرا وليس مع حكومة وزيريْن. للأسف حكومة الإنصات تُنصت لتقارير جرائم الأموال بأذن صغيرة". الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية نوّه "بالمجهود الكبير للمجلس الأعلى للحسابات"، لكنه دعا إلى تجنب الانتقائية في عملية مراقبة المؤسسات العمومية، وتوسيع قاعدة الفحص والمراقبة التي يقوم بها لمجلس، بإخضاع كل المسؤولين للرقابة وافتحاص مالية المؤسسات التي يديرونها، كما دعا الحكومة إلى مدّ "مجلس جطو" بالإمكانيات المالية والبشرية الكافية لينهض بمهامه على أكمل وجه.