قالت رجاء ناجي مكاوي، الباحثة والأكاديمية المغربية، إن بناء السلم الداخلي في الدول هو السبيل لتحقيق مواطنة حقيقية وبناء أوطان تسع الجميع بتساكن وتوادد، وأشارت إلى أن مفهوم المواطنة عكس ما يعتقده بعض المتطرفين لا يناقض الانتماء الإسلامي. وأضافت مكاوي، خلال مشاركتها في فعاليات المنتدى الخامس لتعزيز السلم المنعقد في أبوظبي الذي يناقش موضوع «حلف الفضول فرصة للسلم العالمي»، أن «التساكن والتوادد الذي تحققه المواطنة الحقيقية يمنع الذات ضد محاولات التفتيت الآتية من الداخل أو الخارج". وأشارت الأستاذة الجامعية المتخصصة في القانون، في عرض قدمته حول «تدبير عقود المواطنة في البلاد الإسلامية بجعل التنوع مقومات للائتلاف لا معاول للإتلاف»، إلى أن الكثير من الناس يعتبرون أن كلمة المُواطنة نقيض لانتماءات أخرى، وتقول: «فمثلاً أقول أنا مغربي، فأنا مسلم أو يهودي أو مسيحي أو أمازيغي أو عربي أو إفريقي، وهذه دوائر من الانتماءات يحتار أحياناً المرء في ترتيبها". وترى مكاوي أنه «كنتيجة لذلك يبرز التعصب لانتماء معين وبالتالي تنتقل المواطنة من دائرة الانتماء إلى دائرة التطرف». وفي هذا الصدد، دعت المتدخلة إلى «توضيح المفاهيم للناس لتنويرهم بهدف تصحيح الذات الداخلية والمصالحة، لأن أغلبية الناس في الدول الحديثة لا يزال لديها حنين إلى الدولة الكبيرة الإسلامية التي كانت في السابق". وتضيف قائلةً: «نحن دول حديثة البناء بعدما كنا دولة واحدة إسلامية كبيرة في السابق، إلى أن جاء الاستعمار وقسمنا إلى دول متعددة.. ولذلك، فإن المواطنين فيها حديثو العهد بهذه التقسيمات، ولديهم حنين إلى الدولة الكبيرة الإسلامية، حتى أصبح الواحد يحتار ما بين الانتماء إلى الوطن أو الأمة الإسلامية". وأشارت مكاوي إلى أن بعض المتطرفين يعتبرون المواطنة نقضياً للدولة الإسلامية، ولذلك «انخرط الناس بوفرة فيما يُسمى اليوم الدولة الإسلامية أو القاعدة، على اعتبار أن في ذاكرتهم دائماً انتماء إلى دولة كبرى، في داخله يجد نوعاً من النقاش بين الانتماء إلى الوطن أو الأمة الإسلامية الشاسعة". وتطرح مكاوي فكرة ترتيب الهويات، فتقول: «يجب أن نُعلم الناس كيف يرتبوا سلم هوياتهم ويميزوا بين الهوية الأصلية لا قاتلةَ ولا مقصيةَ لباقي الهويات؛ فمثلاً يقول أحد هو مُسلم مغربي أو سعودي أو إماراتي لكن هو مُسلم ينتمي إلى أمة أوسع، وهذه الهويات لا تقصي الأخرى ولا تقتلها". وأوضحت الأكاديمية المغربية، في معرض حديثها، أن «الأصل في الهويات أن تكون في شكل دوائر وهرم، والهوية الأولى هي المواطنة، ثم تأتي بعدها الانتماءات الأخرى، والرهان الأكبر هو التوفيق بينها لكي نمنع أن تصبح بعضها قاتلة للأخرى، وأن تتجانس وتتعايش فيما بينها من خلال الدساتير". وأكدت الأستاذة الجامعية المغربية أن على المفكرين ودعاة السلام أن يُبينوا «للناس ألا تناقض بين الانتماء للدولة القُطرية والأمة الإسلامية، فالمواطنة أصبحت مفهوماً يجب أن يعيه الناس لكي يُحدثوا تصالحاً مع ذواتهم، فحتى المواطنة ليست مناقضة للانتماء الإسلامي؛ فدستور المدينة مثلاً يتضمن الانتماء إلى الأرض والوطن من خلال الحديث عن تعلق الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة، وهو انتماء جغرافي يعبر عن روح المواطنة". وأوردت رجاء ناجي مكاوي أن «دستور المدينةالمنورة» باعتباره أول وثيقة دستورية نَقَلَ الناس من القبلية إلى الوطنية، أي إلى وطن يسع للجميع، اليهود والنصارى والمسلمين، وكان فضاء وطنيا يتسع للجميع، وتؤكد قائلةً «الأوطان الجديدة اليوم أشبه بالمدينة، وهي نواة أولى للدولة الإسلامية، ويجب على الناس أن يقبلوا على الحياة والآخر عوض التعصب والتشتيت". وحول موضوع «حلف الفضول لبناء السلم العالمي» الذي يناقشه منتدى تعزيز السلم في مدينة أبوظبي، قالت مكاوي إن «أصوله الأولى كانت في مؤتمر مراكش والإعلان الصادر عنه لحقوق الأقليات، وحلف الفضول الذي يجري الحديث عنه اليوم هو حلف جمع رُشداء ونُزهاء وحُكماء قريش لما غلبت لغة السلاح، فأرادوا أن يحدوا من ذلك ويؤسسوا للسلم والتعايش والأمن". وترى مكاوي أنه «بالنبش في هذا التاريخ المشرف للأمة، أخرج المغرب إلى الوجود وعرف العالم بما يكون دستور المدينة خلال مؤتمر مراكش سنة 2016، إضافة إلى حلف الفضول الذي كان قبل مجيء الإسلام، والغاية من كل هذا هي تعزيز السلم في العالم على اعتبار أنه لحق به دمار هائل كما لم يحصل من قبل". وأضافت مكاوي أن «أكبر من يؤدي فاتورة اللاسلم اليوم هي المجتمعات المسلمة، لأن جل الحروب منذ السبعينيات تتم على الأرض الإسلامية، وعدد النازحين من العالم الإسلامي يفوق ثلثي النازحين، والدول الإسلامية تستقبل أكبر عدد من النازحين والمهجرين بسبب الحروب والنعرات والصراعات الدامية". ويستدعي هذا الأمر، حسب الدكتورة رجاء ناجي مكاوي، أن يقف المفكرون النزهاء العقلاء وقفة تأمل ويطرحون سؤالاً: «إلى أين يسير العالم؟ أكيد الأمر ينذر بمستقبل مقلق جداً.. لذلك، أقول: يجب أن تتكرر تتناسل المبادرات الساعية إلى السلم لإسماع صوت الحق والعدل والانتصار للمظلوم وحماية المدنيين بخاصة". ويسعى منتدى تعزيز السلم في الإمارات، المنعقد ما بين 5 وسابع دجنبر الحالي، إلى تحقيق حلف فضول عالمي جديد يحد من الصراعات من خلال إبراز المشترك الإنساني بين الديانات السماوية. وقد جرى بحث عدد من الورقات البحثية في المنتدى قدمها حاخامات وأساقفة وقساوسة ومفتون وعلماء ومفكرون من مختلف دول العالم.