توطئة لا بدّ منها: لا أدري كلّما أمسكت قلمي وفكّرت في الكتابة عن أعوان السلطة وهيئة المتصرّفين استحضرت البيت الشعري لطرفة بن العبد البكري (القرن السادس الميلادي): وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة.... على المرء من وقع الحسامِ المهنّدِ. لم أدرس ولم أسمع ولم أطالع في حياتي ظلماً ولا حكرة أشدّ من تلك التي تعرّض ويتعرّض لها صنفان من الهيئات (إن صحّ التّعبير) في المغرب هما: الموظّفون التابعون لهيئة المتصرّفين، وأعوان السلطة (الحضريون والقرويون). فما هي أوجه الحكرة التي طالت المنتسبين إلى هذين الصنفين من الهيئات؟ هيئة المتصرفين.. الحيف يظهر في المقارنة في القانون توازي هيئة المتصرفين هيئة المهندسين في الرتب والسلالم، وهذا يعطي الانطباع أن الطرفين ندّان في الحقوق والواجبات؛ غير أنه لا وجه للمقارنة على الإطلاق بينهما في الأجور والتعويضات والترقيات. فعلى سبيل المثال، عندما نتحدث على متصرف ممتاز (Administrateur Principal) فالموظف الذي يبلغ هذه الرتبة يبقى فيها حتى التقاعد، ويتجمد راتبه عندها، عكس المهندس الذي يستمر في الترقية والتدرّج الإداري. أما الحديث عن الفوارق الأجرية، فهو كالفرق بين الثرى والثريا، فالمتصرف العادي الحاصل على شهادة الماستر يحصل على 7244 درهما، في حين يحصل المهندس الذي يوازيه في الرتبة على ما يزيد عن 8609 دراهم، والمنتدب القضائي يحصل على 9438 درهما، والمستشار القانوني على 9843 درهما، والقاضي على 13467 درهما شهريا، دون الخوض في التعويض عن النقل وباقي التعويضات التي تكرّس الفوارق المذكورة في الأجور، مع ملاحظة التساوي في مستوى التكوين. وعلى الرغم من المطالب المستمرة لهؤلاء في رفع الحيف عنهم، فإن الحكومة تضع أذنا من طين وأخرى من عجين، في مواجهة المطالب العادلة لهم، وكأنه حوار الطُّرشان. أعوان السلطة.. كثرة الواجبات، فأين الحقوق؟ أول كارثة يمكن للباحث رصدها في تناول الموضوع هو غياب إطار قانوني منظم لعمل أعوان السلطة.. ومن ثمّ، فإن العمل الذي تزاوله هذه الفئة يبقى عبارة عن أعراف إدارية إن جاز لنا قول ذلك. وهذا عنصر كاف للتغطية على ما سنكتبه من بعد من "ظروف كارثية" يعمل فيها أعوان السلطة. 1 عدم وجود معايير للترقية، سواء بالأقدمية أو بالمردود، 2 عدم التعويض عن البنزين، 3 ضعف الراتب الشهري مع غياب وجود توقيت للعمل، حيث يعمل صباحا، بعد الظهر وليلاً، مقابل 3000 درهم للعون الحضري، أقل للعون القروي، والشيخ 3200 درهم. وأيام السبت والآحاد والأعياد الوطنية والدينية.... كما أن المهام المكلفين بها شاملة وعامة من مراقبة البناء إلى مراقبة العباد، مرورا بالنظافة والتشجير والإنارة والحفر والانتخابات وانتهاء بالشواهد الإدارية المختلفة... ويزيد الطين بلّة إذا تحدّثنا عن العون القروي، فهو لا يمتلك تأميناً صحياً إجباريا ولا تكميليا. ختاما نقول، إن الحديث عن الكفاءة في الإدارة يستدعي ويستوجب أولا وقبل كلّ شيء توفير الجو المساعد للعمل، وأهم تلك الشروط شرط النزاهة والتحفيز عن المردودية الجيدة. من غير ذلك، فكل حديث عن الإصلاح الإداري لا يمكن تصنيفه إلا في إطار لغو الحديث. وليت السادة المسؤولين يسمعون حديث هذا العبد المذنب. وتتجه إرادتهم إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه، بالتشاور مع ذوي الشأن، وليس مع من لا علاقة لهم به، وبعيدا عن الندوات المفرغة المضمون في الفنادق فايف ستارز. ملاحظتان لا علاقة لهما بما سبق: 1 لا يعقل تكليف موظفي الموارد البشرية بالعمالات بملفات الموظفين عبر النظام المعلوماتي دون تكوين وتدريب، مما يؤدي إلى كثرة الأخطاء التي ينجم عنها تعطيل مصالح الموظفين. 2 الزوبعة في الفنجان الناتجة عن زيارة الشيخ عمر عبد الكافي إلى المغرب للحديث عن الإعجاز العلمي في كلام الله، وما رافقها من حملات مغرضة من بعض المرجفين، لا ولم ولن تنال من ذلك الإعجاز، غرضهم ليس الزيارة وليس الشيخ، بل مرادهم القدح في القرآن الكريم وهو شيء عصيّ عليهم. *باحث متخصص في القانون والإعلام.