قد تبدأ الحكومة الجديدة التي ستتولى السلطة في المغرب بعد الانتخابات البرلمانية المقررة هذا الشهر في تنفيذ إصلاحات لجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة للاقتصاد لكن من المستبعد أن تكون لديها الإرادة لإصلاح المالية العامة للبلاد. وقد تسفر الانتخابات المقررة يوم 25 نوفمبر تشرين الثاني الجاري عن أكثر حكومة ممثلة للشعب حتى الآن ما يعطيها فرصة جديدة لمعالجة المشكلات الاقتصادية المتأصلة في المجتمع. وبموجب التغييرات التي أقرت في استفتاء أجري في يوليو تموز الماضي سيسلم الملك محمد السادس بعض سلطاته لمسؤولين منتخبين في حين يحتفظ بحق البت في القرارات الإستراتيجية. وسيتولى رئيس الوزراء بدلا من الملك تعيين رؤساء الشركات الحكومية الإستراتيجية مثل الشركة التي تحتكر إنتاج الفوسفات في البلاد والبنك المركزي وشركة الطيران الوطنية فضلا عن كبار المسؤولين بالوزارات. وسيراجع الملك هذه التعيينات لكن يؤمل أن يؤدي هذا النظام الجديد إلى أسلوب أكثر تماسكا لوضع السياسات الاقتصادية. ويأتي تغيير الحكومة في وقت صعب بالنسبة للاقتصاد. فالناتج المحلي الإجمالي ينمو بمعدل يتجاوز قليلا أربعة بالمائة وهو غير كاف لخفض معدل البطالة البالغ نحو تسعة بالمائة كما أن أزمة ديون منطقة اليورو قد تضر بدرجة كبيرة باقتصاد المغرب. فالاتحاد الأوروبي هو أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة وتحويلات نحو مليوني مغربي يعملون هناك. وتحدث صندوق النقد الدولي هذا الشهر عن تحديات أمام المغرب "تشمل عدم التيقن بشأن التوقعات الاقتصادية في أوروبا والمنطقة والحاجة لتعزيز الأوضاع المالية في مواجهة مطالب شعبية كبيرة وضرورة تطبيق جدول أعمال طموح لتشجيع التوظيف والنمو." وقالت مؤسسة ستاندرد اند بورز للتصنيف الائتماني ان المغرب يواجه مخاطر عالية بسبب اختلالات في بعض القطاعات وعدم توازن جودة الائتمان. ويقول حزب العدالة والتنمية وهو حزب إسلامي معتدل معارض من المتوقع أن يحصل على أغلبية المقاعد في الانتخابات وأن يقود الحكومة المقبلة انه يرغب في تصحيح الإجراءات التنظيمية لجذب مشاركة أكبر من القطاع الخاص في مشروعات التنمية الكبيرة. وتشمل هذه المشروعات توسعة ميناء طنجة وشق طريق سريع ومد الكهرباء إلى القرى. وقال لحسن الداودي الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية وأحد خبرائه الاقتصاديين إن مشاركة القطاع الخاص مطلوبة لان الدولة لا تملك الموارد اللازمة لتمويل مثل هذه المشروعات وحدها. وقال أحمد رضا الشامي وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة وهو من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية "سنعمل على زيادة مساهمة الشراكات بين القطاعين الخاص والعام في تمويل مشروعات التنمية." ويعتزم حزب العدالة والتنمية إذا ما حقق نتائج قوية في الانتخابات تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزبين آخرين. ويبدو أن هناك اتفاقا من حيث المبدأ بين أغلب الأحزاب السياسية على تسهيل عمل القطاع الخاص. وقال التحالف من أجل الديمقراطية الذي يضم ثمانية أحزاب تنافس العدالة والتنمية انه يريد إصلاحات قانونية وإجرائية لطمأنة المستثمرين. وقال الحسين حداد المسؤول بالتحالف إن المغرب يحتاج لتنظيف مناخ الأعمال مشيرا إلى أن المحاكم المغربية تحتاج لنحو 500 يوم في المتوسط لحل نزاع تجاري عادي. ومن بين المسائل المتفق عليها على نطاق واسع بين الأحزاب كذلك الحاجة لمكافحة الفساد. وقال الداودي من حزب العدالة والتنمية "الفساد يكلف الاقتصاد 15 مليار درهم (1.8 مليار دولار) سنويا أي نحو اثنين بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع ان يبلغ عجز الميزانية نحو أربعة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2012." ومن المتوقع أن يعطي البرلمان الجديد صلاحيات جديدة للهيئات المختصة بمكافحة الفساد والاحتكار لبدء تحقيقات في أي مخالفات. وعين الملك رؤساء الهيئات لكنها ستتبع الحكومة. وقد تتعارض بعض أهداف الأحزاب لكن كثيرا منها يقول انه يدرس فرض ضرائب على أرباح شركات الاتصالات والبنوك وزيادة الضرائب على الاسمنت لتوفير السيولة لصندوق برأسمال ملياري درهم لتلبية احتياجات 8.5 مليون مغربي محتاج. وقد تقلق هذه الضرائب الجديدة - حسب حجمها - القطاع الخاص. ومن المتوقع أن تواجه بعض الإصلاحات التي يطرحها البرلمان معارضة كبيرة. فعلى سبيل المثال يتفق الساسة من مختلف الاتجاهات على ان إصلاح القضاء أمر حيوي لتحسين مناخ الأعمال لكن ذلك يتطلب الحمل على مصالح قوية ومتأصلة في البلاد. وقال حداد "بعض الأشخاص (في القضاء) يستفيدون من الوضع الرهن." وقد تكون بعض الإصلاحات الأخرى أكثر إثارة للجدل من أن يتمكن البرلمان من معالجتها. ويقول حداد إن تسهيل تسريح الشركات للعمال عند الحاجة أمر ضروري لتحسين مناخ الأعمال لكنه سيكون الأصعب في تحقيقه. فالنقابات العمالية ستعارض ذلك عن طريق ممثليها في البرلمان. وكذلك يتوقع العديد من الأحزاب إصلاحا ضريبيا ويقترح حزبا العدالة والتنمية والتحالف زيادة ضرائب الدخل على أصحاب الدخول المرتفعة وخفضها على الطبقة المتوسطة. لكن الأحزاب تقر بأن زيادات ضريبية كبيرة على الأغنياء قد تضر بمعدلات الادخار في البلاد لذلك سيبدو ان المجال ضيق أمام مثل هذه الإصلاحات. لكن الأمر الأكثر صعوبة على الإطلاق والذي من المستبعد أن يعالجه البرلمان بحسم هو الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعي. فاستجابة لثورات الربيع العربي حاولت الحكومة شراء الاستقرار بزيادة دعم الغذاء والوقود وارتفع مثل هذا الإنفاق إلى ما يقدر بنحو 5.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي من 2.1 بالمائة المنصوص عليه في الميزانية. ويري صندوق النقد إن ذلك سيرفع عجز الميزانية هذا العام إلى 5.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وهو الأعلى في عقود.