مللي كمل بوسلام الدوا اللي شراه بخمسميات درهم رجع مرة أخرى عند الطبيب ، هذا الأخير استقبل بوسلام كعادته بابتسامة صفراء مليئة عن آخرها بالجشع والطمع ، وكما في المرة السابقة سأله إن كانت حالته الصحية قد تحسنت أم لا . لسان بوسلام لا يتقن النطق كثيرا بكلمات المجاملة ، ولا يكتفي بقول نصف الحقيقة كما يفعل كثير من الناس عندما يجلسون أمام الطبيب ، بحال يلا خايفين يخسرو ليه خاطرو، لذلك قال للدكتور بأن الصحة ديالو ما تزاد عليها والو . سعادة الطبيب رسم علامات حزن مصطنعة على وجهه السمين الذي تجري فيه الدماء الوردية مثلما تجري المياه الصافية داخل الجداول الضيقة التي تخترق الوادي ، وقال لبوسلام بأنه قد يكون ربما يعاني من مشكل داخل المعدة لا يمكن رؤيته إلا بواسطة المنظار ، يعني التيو . كيفاش ؟ التيو ...كولشي أدكتور حتى لهادي لا ! قالها بوسلام وعلامات الذعر والخوف بادية على وجهه النحيف الذي يعلوه شحوب قاتم كذلك الذي يكسو أوراق الأشجار في بداية أيام فصل الخريف . بوسلام يكره التيو إلى حد الجنون ، حيت بها كلا العصا فالجامع مللي كان باقي صغير ، وفالمدرسة على يد المعلمين القساة ، وحتى باه كان كايسلخو بها وما تهنا منها حتى بدا كايخرج ليه الموسطاش ! لكن أكثر ما يجعل بوسلام يكره التيو هو أنها كانت السبب في وفاة عمته قبل عامين وهي ما تزال في ريعان شبابها ، عمة بوسلام كانت بدورها تعاني من مشاكل عويصة في معدتها ، وعندما أجرت الفحص بالتيو أخبرها الطبيب أن لا مفر من إجراء عملية جراحية مستعجلة لاستئصال ورم يوجد في عمق معدتها ، وكانت هذه العملية بمثابة السكين التي قطعت حبل الحياة الذي كان يربط عمة بوسلام بالحياة ، إضافة إلى أنه سمع غير ما مرة أن كثيرا من المرضى يتعرضون للاختناق بمجرد أن يهبط التيو إلى حنجراتهم . بوسلام رفض رفضا قاطعا أن يجري الفحص بالمنظار واخا السما غاطيح عالأرض ، وحلف بالله العظيم أمام الطبيب عمر التيو ما ينزل لكرشو . ولأن الطبيب يملك رغبة شديدة في استنزاف جيوب بوسلام إلى آخر سنتيم فقد أخبره بأن هناك حلا آخر . - أشناهو هاد الحل أدكتور ؟ - يمكن ليك تدوز السكانير . - وبشحال ؟ - تقريبا شي ألف وخمسميات درهم . يعني داكشي اللي كايشد بوسلام فالشهر بالتمام والكمال . بعد لحظات من الصمت تنهد بوسلام من أعماقه وصارح الطبيب بأنه لا يستطيع إجراء الفحص بالسكانير ولا بأي جهاز آخر ، لأن أجرته الشهرية الضعيفة لا تسمح بذلك ، وغادر مكتب الطبيب من دون أن يقول له هذا الأخير حتى الله يشافيك ! حينها تأكد بوسلام بنسبة تفوق الألف في المائة من أن كثيرا من الأطباء عندنا لا يهمهم شفاء المرضى بقدر ما يهمهم استنزاف جيوبهم المثقوبة أصلا إلى آخر رمق . لذلك ينصحون مشاهديم في البرامج الاذاعية والتلفزيونية بزيارة عياداتهم المكيفة مرتين على الأقل في كل سنة ، لذلك أصبح يتجنب مشاهدة البرامج الطبية على شاشة التلفزيون بعدما تيقن من أن حتى العقارب السامة ما بقاتش كاتعطيها في سبيل الله فهاد البلاد . بوسلام يرغب في متابعة علاج معدته ، لكن الله غالب ، يلا دوز التيو بلا شك غايصيفتو للقبر ، والسكانير ما قادش عليه ، والدوا يلا بقا متبعو غادي يخرج على صحتو وحتى على جيبو وهذا هو الخطير ! بوسلام لم يعد الآن يفكر في مشاكله مع المعدة ، وإنما أصبح يفكر في مشاكله مع الوطن ، أصبح يطرح على نفسه أسئلة محيرة ، يتساءل هل كانت أوضاعه الصحية ستصير على هذا الشكل المأساوي لو كان يعيش في دولة تحترم مواطنيها بحال إيطاليا أو فرنسا على سبيل المثال ، هناك على الأقل توجد مستشفيات عمومية تقدم خدمات راقية للمرضى أفضل بكثير من تلك التي تقدمها العيادات الخاصة عندنا ، وحتى إذا أرغمته الظروف على دخول عيادة خاصة فالتأمين سيتكلف بدفع نسبة مهمة من المصاريف ، أما هنا ، يعني فالمغرب ، ما كاين لا تأمين لا سيدي زكري ، يلا عندك باش تخلص يمكن ليك تدخل لعيادة خاصة ، ويلا ما عندكش باش تخلص سير للسبيطار ديال المخزن ، المشكل هو أن حتى السبيطارات ديال الدولة ما بقاتش فابور ، بوسلام سبق له أن قرأ في الجرائد قبل أسابيع أن وزير الصحة السابق قام قبل نهاية ولاية حكومة إدريس جطو بإالغاء مجانية العلاج داخل مستشفيات وزارته ، وألغى العمل حتى بشهادة الضعف البئيسة . دابا الواحد فين ما مشا خصو يحك جنبو . ولكن كاينة واحد القضية أخرى وهي أن بوسلام لن يذهب إلى أي مستشفى عمومي ولو كان على حافة الموت ، فقد حمله أفراد عائلته ذات ليلة باردة إلى المستشفى الاقليمي بعدما تعرض لتسمم غذائي ، وبات هناك ليلة كاملة يرتعد من شدة البرد على أحد الأسرة المتعفنة ، وفي الصباح عاد إلى البيت وبين ثنايا ملابسه جيوش محترمة من القمل . من داك النهارحلف عمرو ما يدخل لشي سبيطار عمومي ! شحال من واحد قال لبوسلام دير العشوب لعل وعسى يجيب فيها الله الشفاء ، ولكن بوسلام خايف يجبد على راسو شي مصيبة كحلة ، حيت العشابة والعشوب ديالهوم ما فيهوم ثقة . وعندما كان ذات يوم راكبا في الطاكسي سمع أحد الركاب الجالس في المقعد الأمامي يتحدث إلى صديقه عن مشاكله مع المعدة ، فشعر وكأن الرجل يتحدث عنه شخصيا نظرا لتشابه قصتهما المرضية معا ، وقبل أن ينزل استطاع بوسلام أن يحصل على معلومة مهمة من المشتكي الذي قال لصديقه بأنه وجد الحل النهائي في الريجيم بعدما أضاع كثيرا من النقود في عيادات الأطباء ، والتهم كميات كثيرة من الأدوية الصيدلية بلا فائدة . بوسلام قرر بدوره أن يلتجأ إلى الحمية . المشكل هو أنه ما عارفش كيفاش غاتكون هاد الحمية ديالو ، حيت هو أصلا عايش غير بالعدس واللوبيا والبيض والسردين في أحسن الأحوال ، يلا دار الريجيم وحيد هاد الحوايج المهمة بحال والو شي نهار يطيح كاو ! الآن أصبح بوسلام يعرف السبب الذي يجعل الشعوذة والمشعوذين يتكاثرون عندنا في المغرب بهذا الشكل المهول . الواحد مسكين يلا مرض وما عندوش باش يداوي راسو فين غادي يمشي ؟ بطبيعة الحال غادي يمشي ديريكت عند المشعوذين ، على الأقل هوما كايتصنتو لبنادم حتى كايفش على قلبو مزيان ، ماشي بحال شي أطباء اللي ما كايردوش حتى السلام يلا دخلتي عندهوم ! لحسن حظ بوسلام أن لديه مناعة صلبة مثل الحديد تجاه الشعوذة،ولولا ذلك لكان بدوره واحدا من ضحايها ... prefix = v ns = "urn:schemas-microsoft-com:vml" almassae.maktoobblog.com