اتفقت البنوك المركزية المغاربية، خلال اجتماع عقد في تونس نهاية الأسبوع الماضي، على برنامج عمل مشترك يهم أولويات عدة؛ أبرزها تطور العملات الرقمية وعلاقتها بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والمضاربة والتقلبات. وفي هذا الصدد، جرى الاتفاق على إحداث أمانة عامة للبنوك المركزية المغاربية يتولاها محافظ البنك المركزي التونسي، عُهد إليها بالعمل على أربع أولويات تتعلق بالتكنولوجية المالية الحديثة، والمالية الشمولية، والتمويل التشاركي، ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وكان المغرب قد أعلن العام الماضي عدم السماح بالتعامل بالنقود الافتراضية، أو العملات الرقمية، واعتبرت السلطات أن المعاملات بها يشكل مخالفة لقانون الصرف ويعرض مرتكبيها للغرامات، وذهبت إلى القول إن هذه النقود تشكل خطراً على المتعاملين بها، ولا تتبناها أي جهة رسمية ويبقى أصحابها مجهولي الهوية. وتوجد العديد من العملات الرقمية عبر العالم، لكن "بيتكوين" تبقى أشهرها، ولا تخضع لأي رقابة أو مراقبة، لكن التعامل بها ينطوي على مخاطر عدة، خصوصاً التقلبات في قيمتها بشكل مفاجئ، كما أن عدداً من الشباب المغاربة يستعملونها في معاملات خارجية. وأشار عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، في كلمة ألقاها في هذا الاجتماع، إلى أن البنك يستعد لمواكبة التحول الرقمي من خلال إعداد مخطط استراتيجي جديد 2019-2023 لمواجهة مخاطر عدة؛ أهمها الجريمة الإلكترونية التي تربح سنوياً 1500 مليار دولار بشكل غير شرعي عبر العالم. وقال المسؤول المغربي إن "التصدي لتنامي الجريمة الإلكترونية ضروري من خلال تعزيز المعايير الأمنية لأنظمة المعلومات الخاصة بالبنوك المركزية وتقوية أجهزة التحقق والمراقبة"، مضيفا أن هذه "الاستراتيجية تضع ضمن أولويات عملها مواكبة تطور العُملات الرقمية وما يرافق ذلك من مخاطر تمويل الإرهاب وتبييض الأموال والمضاربة والتقلبات في سوق الأسهم". وأبرز الجواهري في هذا الصدد أن "بعض البنوك المركزية بدأت التفكير في تطوير عُملة رقمية خاصة بها، وهو ما يسائل في حال اعتمادها النموذج التقليدي للسياسة النقدية، بالإضافة إلى مخاطر تهدد المعطيات الشخصية في ظل التحول الرقمي وتنامي المخاطر الرقمية بشكل كبير". ويرى الجواهري أن "الأبناك المركزية تجد نفسها اليوم في وضعية باتت مُطالبةً فيها بمواصلة مهامها التقليدية مع القيام بمهام أخرى جديدة لا تقل تعقيداً"، مورداً أن خبرة الأبناك المركزية أضحت مطلوبة بشأن إشكاليات بعيدة عن مجالات تدخلها. ومن من أجل نجاح البنوك المركزية في هذه المهام الجديدة، أكد الجواهري ضرورة تطوير مواردها البشرية والاستثمار في بنياتها التحتية، وتكييف تنظيمها مع حكامتها من أجل المزيد من الفعالية، وقال في هذا الصدد إن "بنك المغرب تجاوز حقل تدخله وأدواته التقليدية من أجل دعم الانتعاش وتحفيز الائتمان وتسريع النمو". واعتبر والي بنك المغرب أن إحداث الثروة وفرص الشغل في دول جنوب البحر الأبيض المتوسط مرتبطة ب"تمكن شركاء الضفة الشمالية من تجاوز مشاكل الشعبوية وتعزيز توافق سياساتهم، وهذا سيكون له أثر إيجابي على بلدنا، وهو العلاج الدائم لمواجهة ظواهر مثل الهجرة وما ينجم عنها من مآسٍ إنسانية".