التصور هو عنوان التصرف،فأي خلل في التصور ينتج عنه لا محالة خلل في التصرف، ،والذين يذهلون عن وضع تصور واضح للعمل السياسي أولا فكأنما يضعون العربة أمام الحصان،وهم إما أن يسقطوا في تجريبية تكرر أخطاء السابقين ولا تتجنبها،وإما أن تستخفهم التطورات المتسارعة فتصدر عنهم تصريحات مضطربة ومتناقضة ومواقف زئبقية تطيب الخواطر ،وتسعي لخلق الانطباعات الإيجابية ، وقد تضحي بالمبادئ في سبيل ذلك،وتحسب التنازلات المتكررة مرونة بينما هي في الحقيقة نتيجة لخفض سقف المطالب وعدم تقديم شروط للمشاركة في عملية سياسية سليمة ،والخضوع لشروط طرف واحد هو الحاكم الذي يتعامل معها بسوء نية دائما،علما بأن المخزن له قرون من التجربة في "ترويض الأسود" وتطويع غير المنقادين له،وهي تجربة تمتح أولا من الفقه السياسي التقليدي الذي يقول بوجوب بذل الطاعة المطلقة للحاكم ولو ضرب ظهر المواطنين وأكل مالهم،وثانيا هي تجربة أقرب إلى المكر والخداع ولا ترتبط بتطور إيجابي يؤول إلى تحكم الناس في مصائرهم،وثالثا تجربة تتبدى في وقتنا في صورة أساليب جديدة منها الليالي الطوال التي تُقضى في دهاليز وزارة الداخلية لفبركة القوانين الانتخابية وما يرتبط بها من تقطيع وعتبة والحيلولة دون حصول أي تنظيم على الأغلبية بحيث لم تعد انتخابات 25 نونبر مثلا تحتاج إلى تزوير. ولقد تنبهت الشعوب والنخب في البلدان التي عرفت الثورات إلى أهمية ضبط أصول العمل السياسي عبر إنشاء المجالس التأسيسية ووضع الدساتير الجديدة، ولقد استوقف"العدل والإحسان" غياب التصور الواضح لآليات العمل لدى فصائل من الحركة الإسلامية في العالم، واصطلحت على تسمية ذلك الغياب ب"أزمة منهاج" مما جعلها تُسَبِّق وضع "منهاج العمل" على كل شيء،انطلاقا من قاعدة"العلم إمام العمل"،ألا ترى أن هذا الارتباط الوثيق بين التصور والتصرف كثير الورود في كتاب الله عز وجل،من خلال قرن الإيمان بالعمل الصالح دائما حتى أصبح ذلك الاقتران مُسَلَّمة قرآنية ومنهجا تربويا قائما،يجب أن يُترجم إلى سلوك يرسخ قيمة الصدق في العمل السياسي وينأى عن روغان المنافقين والمتسلقين والمتملقين،لنتأمل هذه الآيات الكريمة: - [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ] {البقرة:25} - [وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] {البقرة:82} [وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا] {النساء:124} - [وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ] {المائدة:9} - [إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالقِسْطِ] {يونس:4} - [وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَا] {طه:75} - [فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ] {الأنبياء:94} - [أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّارِ] {ص:28} - [إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ] {البيِّنة:7} وهكذا فالإيمان دلالة على وضوح التصور والعمل الصالح دلالة على حسن التصرف،وعندما ينفصل الإيمان عن العمل الصالح يعيش المسلم "علمانية مُقَنَّعة" تُقَعِّد لها النخب المنفلتة من العمل الصالح "باجتهادات" تُنسب إلى العصر والحداثة والمرجعية الكونية والحريات الشخصية، وتَشُنُّ الحملات التحريضية والتشويهية على العناصر "الظلامية" و"الماضوية" و"الإسلاموية"،ولا عجب بعدها إن رأيت سارقا للمال العام يرتاد المساجد ويُقدم قصاع الكسكس أيام الجمعة للفقراء،وفي مكتبه يُثَبِّت على الجدار خلفه لوحة قد كتب عليها "هذا من فضل ربي"،وغيره ممن اتخذوا الحكم مغنما لا مغرما يضيقون على البسطاء أرزاقهم ويوصونهم بالصبر لأن "الفقير الصابر خير من الغني الشاكر" ،وهم قد احتكروا جل ثروات البلاد فتحكموا في رقاب العباد ،ولذلك عندما لا يتم ضبط أصول العمل السياسي يكون الجميع معرضا للخطر مهما كانت مرجعيته. هناك في مقام الاستماع قارئ لهذا المسطور يقول:يا أخي ادخل المعمعة لتضع هذه الاجتهادات النظرية على المحك،ولتعالج مشاق تطويع الواقع للمبادئ،والجواب هو:المفترض في المنهاج أن يتسلح بالرؤية الاستراتيجية التي تضع في حسابها احتمالات المستقبل،ولقد أشرنا في المقالة السابقة إلى أن"العدل والإحسان" نبهت في وقت مبكر على ثلاثة خطوط سياسية دعت إلى اتخاذها وجهات للتأمل،لا لحصر إمكانات العمل التنفيذي فيها: 1. "الدخول في تعددية الأحزاب، والترشيح للانتخابات، وما يقتضي هذا من علنية العمل، والمرونة الدائمة، وطول النفس"[1]، وهذا الدخول مشروط باجتناب " الاستسلام لكيد الاحتواء المنظم"[2]،ووجود " حَكَم نزيه غير ذي مطمع"[3] . 2. الخط الشديد وهو بنهج"القطيعة" ألصق، وهو "خط التميز والقوة، والتمرد، والرفض"[4]،يعتزل أصحابه (وأكثرهم شباب) المجتمع،وقد تدرج بهم التشدد نحو العنف في القول والفعل . 3. الخط الثالث هو إنضاج الخط الأول ليبلغ حد الكمال،أي تحقيق الشروط السليمة للدخول في تعددية الأحزاب والاحتكام إلى انتخابات حرة ونزيهة. وهناك خط رابع افترضه"عبد السلام ياسين" افتراضا وهو خط"الثورة المسلحة" وقد دفعه إلى افتراضه ما عرفته سوريا بداية الثمانينيات من القرن الماضي من مجازر رهيبة على يد حافظ الأسد ذهب ضحيتها في مدينة حماة وحدها ما يزيد على ثلاثين ألف سوري،حينها قال ياسين:" لكن إذا اجتمعت شروط مثل التي يعيشها المؤمنون في سوريا، بحيث أعلن الحكام كفرهم الأصلي، وحاربوا المسلمين، فحمل السلاح واجب"[5]،وما أشبه الليلة بالبارحة،ها هي كثير من أطياف المعارضة السورية تفكر اليوم بجدية في "الثورة المسلحة" أمام انسداد الأفق وسياسة التقتيل اليومي السادي التي ينهجها نظام بشار الأسد في مواجهة مطالب شعبه بالحرية والكرامة والعدالة،وغير خاف الظروف التي ألجأت أهل ليبيا إلى نهج الثورة المسلحة للإطاحة بالطاغية المقبور. ولقد وفرت الرؤية الاستراتيجية المستقبلية على "العدل والإحسان" الكثير من المساومات والانزلاقات التي كان يراد بها زحزحتها عن اشتراطاتها وتصوراتها لأصول العمل السياسي السليم،وهي اليوم الأكثر عرضة لقمع السلطات وحصارها وتشويهها وسيأتي اليوم الذي سيكافئها الشعب على تضحياتها لأنها لم تُسهم في تزوير الإرادة الشعبية ،تماما كما كافأ التونسيون "حركة النهضة" بالرغم من سنين القمع الطويلة التي قضاها نظام بن علي في محاولة محو ذاكرة الشعب التونسي وسلخه عن انتمائه الحضاري تحت عنوان"سياسة تجفيف الينابيع". ويجدر بنا الآن أن ننبه على بعض أصول العمل السياسي الإسلامي: 1.العمل السياسي الإسلامي ينشد "الخدمة" لا "السيطرة" والخدمة تقترن دائما بالتواضع:التواضع في تحديد الأهداف،والتواضع في العلاقة مع جميع المكونات السياسية والثقافية للشعب المغربي،وذلك بعدم ادعاء إمكانية تنظيم ما أن يحل المشاكل أو أن يقضي على الأزمات لوحده،إنما يقتضي الأمر تعاونا موسعا وتوافقا وتراضيا على منهاج العمل على مرأى ومسمع من الشعب كله،على أرضية ميثاق شرف أو دستور ديموقراطي يحترم الحقوق والهوية والانتماء الحضاري،وتقترن أيضا "بالفتوة" أي بالشباب الذي شكل الطرف الأكبر الذي أسهم في نجاح الثورات مما يقتضي تشبيب القيادات والزعامات دون التنكر لحكمة الشيوخ وسابقتهم. 2.الموازنة بين المصالح والمفاسد فحيثما كانت المصلحة فتم شرع الله،وتحديد المصلحة لا يكون بمحض التشهي والاستحسان،ولا بمعنى النفعية البراجماتية ولكن بمعنى علمي اجتهادي في محله أي فيما لا نص فيه،ومن أهله المستجمعين للشرائط من ذوي العلم والخبرة والتجربة في الدين والدنيا،وقد تضطرنا الظروف للتعويل على جَلَدِ الفاجر أمام عجز الثقة،وفي الحقيقة لقد أدى التكلف في تأويل الكثير من النصوص والوقائع لتبرير المشاركة الانتخابية إلى الموازنة بين المفاسد والمفاسد لا بين المصالح والمفاسد،وإلى التفكير دوما بعقلية ارتكاب أخف الأضرار؛ من هنا جاء موقف البعض الذين أجازوا العمل بلوائح انتخابية مزورة للتصويت على الدستور ولم يجيزوه للتصويت في غير ذلك. 3.فقه تضاريس الواقع لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره،فتشابك المصالح في العالم،والطفرة التي شهدها عصر المعلومات،وسرعة انتشار المعلومة في القرية العالمية، يفرض فرضا قبل الإدلاء بأي تصريح،أو اعتماد سياسة ما الأخذ بعين الاعتبار الجالسين في مقام الاستماع هناك يقيمون التصريحات والسياسات ويحددون أساليب التعامل والمواجهة إن اقتضى الأمر،بحيث لم تعد السذاجة مقبولة في اتخاذ موقف ما ،ولنضرب لذلك مثلا برئيس المجلس الانتقالي الليبي يوم الاحتفال بالتحرير،فالرجل يحسب له سبقه إلى الالتحاق بصفوف الثوار،ويحسب له علمه وتواضعه،ولكن من السذاجة أن يعلن في خطابه إلغاء قانون ما ومناقشة تعدد الزوجات فيثير غضب نصف المجتمع والثورة خارجة توا من نظام استبدادي كان يشرع لوحده ويقرر لوحده ولسان حاله يقول"ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"[6]،ولولا أن الرجل قد سبقت سمعته الطيبة تصريحاته لنجح الذين يريدون الاصطياد في المياه العكرة في تأليب الرأي العام عليه. 4.الأخلاقية لقد أثيرت في منتديات النقاش والحوار والبحث والدراسة الجوانب الأخلاقية للتقدم التكنولوجي والصناعي (الأسلحة النووية) والثورة البيولوجية (الاستنساخ) والثورة الجنسية (داء السيدا)...إلخ،وتجاوز الاهتمام بالأخلاق الدائرة الإنسانية إلى الدائرة البيئية (الاستغلال المفرط للطبيعة،ارتفاع درجة حرارة الكوكب)؛كل ذلك يدفع دفعا إلى التفكير في ضبط العلاقة بين السياسة والأخلاق،بل حتى بين التدين والأخلاق،فالتدين المغشوش هو البعيد عن محاسن الأخلاق التي لها تعلق بذمم الأفراد الذين يتكون منهم المجتمع،ولأن "العدل والإحسان" كانت تعي مغزى الدخول في العمل السياسي الذي يتسم بالحركة الدؤوبة وجه مرشدها إلى الأعضاء رسالة يحثهم فيها على سلوك الأخلاقية في ممارسة أعمالهم وفي علاقاتهم بالناس من الموافقين والمخالفين فقال:" إن فيما ابتليت به الدعوة في زماننا وفي كل زمان ظهور أفراد وتجمعات تتخذ مظاهر التدين، وقد تشدد في جزئيات التدين، وترتدي ملابس خاصة، وتلتزم ببعض المستحبات التزاما شديدا حتى يظن الرائي أنها فرائض، ومن المظاهر والجزئيات فراغ أخلاقي رهيب. كيف نكون مسلمين وأدنى مقومات الإنسانية والخلق والعقل لا تتجلى فينا ؟ ومما ابتليت به الدعوة هذه الواجهة الكاذبة أحيانا، واجهة " الالتزام". الشاب " الملتزم" لا عليه إن سجل اسمه في سرب "الملتزمين" أن يكون بلا كرم، والكرم هو الدين، وأن يكون بلا خلق والخلق أخ الدين، وأن يكون بلا عقل والعقل هو المروءة. إننا لن نكون مسلمين إن أبطلنا في حساب الرجولة خلق الرجل والمرأة وعقلهما ومروءتهما، أي إنسانيتها بما تعارفت عليه الإنسانية من شيم فاضلة. إن البكائين في المساجد العاكفين على التلاوة والذكر لن يكونوا هم أهل النور والربانية إلا إن كان سلوكهم العملي مع الناس، الأقرب فالأقرب، سلوكا أخلاقيا مروئيا، يزنون بميزان العقل واللياقة والكفاءة والجدوى وحسن الأداء كل أعمالهم. فإن كان للتدين الأجوف الخالي من الخلق مزية فإنه يقعد بصاحبه عن معالي الأمور"[7] 5.ارتباط الدعوي بالسياسي تمة إمكانية للتقسيم الوظيفي بين الدعوة والسياسة في الأعيان ،ولكن من غير الجائز إقامة فصل بينهما في الأذهان،لأنه من البديهيات الواضحات أن الإسلام عقيدة وشريعة،دين ودولة ليس بمعنى استغلال أدوات الدولة في فرض حقائق الدين على الناس ولكن بمعنى إقرار الحرية في ممارسة شعائره إذ "لا إكراه في الدين" فلا رقابة على الضمير،وإن التصدي لعمل ما مخافة الناس ضرب من النفاق،والأمثل أن يعبد الناس الله الواحد الأحد عبادة الأحرار،وإن لم يقبلوا فهم عبيده بالاضطرار إذ يجري عليهم القضاء والقدر وحقائق الموت إلى حين حيث ستجري عليهم حقائق البعث والنشور والحساب والثواب والعقاب. ومن الخطأ أن يتضخم خطاب الدولة لدى الإسلاميين على حساب خطاب الدعوة "وإنما أتى تضخيم جانب الدولة في خطاب الإسلاميين المنافحين عن الدين مُغالَبةً للتيار المعادي. فكانت النتيجة أن غُيِّب أساس الدين، وهو الدعوة إلى الله تعالى،وأشاد الناس بالقوة الحامية والدِّرْع الواقية والهيكل الخارجي: الدولة"[8] وأي غفلة للحركة الإسلامية عن الاهتمام بالدعوة مع أصول العمل السياسي الأخرى ستفقدها مبرر وجودها أصلا. 6.الشرعية قبل الشريعة جوهر الشريعة هو فكرة القانون أي ترتيب العقوبات على المخالفات،هذا مما تُسَلم به شرائع الأرض والسماء ،يبقى الخلاف إذن حول ماهية العقوبات وفلسفتها ومقاصدها وأساليب تطبيقها،ومطلوب إلى الإسلاميين أن ينفوا عن أنفسهم تهمة أنهم لم يطوِّروا من الشريعة إلا الشق المتعلق بالعقوبات،مع العلم أن الشريعة إذا لم تتأسس على قاعدة نفوس راضية مقتنعة بفلسفتها ،وعلى قاعدة تأهيل وإصلاح الجهاز القضائي والإداري الموبوء،وعلى قاعدة التدرج فلن تكون الشريعة أكثر من ترسانة من القوانين القمعية،"وإن من التصورات الشائهة المشوَّهة للشريعة، قرحٌ من أشد القروح إيلاما في سُمعة الإسلام، أن تقدَّم الشريعة على أنها قطع الأيدي وجلد الظهور ورجم الزاني، ولا حديث عن الحظيرة المحدودة، والجنة المصونة، والغَرس المحمي، وهو مضمون الإسلام من إيمان بالله واليوم الآخر، ومن عدل وإحسان، وعمل صالح وبِر، وأخوة باذلة، وأمن وصون، واستقرار في الدنيا التي منها زاد المومن للآخرة. لا يتحدث المشوهون إلا عن السياج والأشواك المحيطة والاحتياطات القامعة، وكَأنَّ الإسلام نقمة على العباد، وكأنه نُطع وسيف وسكين قاطع وسجل عقاب"[9] ولا حديث عن احتكار الثروة الوطنية وتبديدها،ولا عن الفساد المالي المستشري،وأمامنا دولة خليجية كبيرة تعلن صباح مساء تطبيقها للشريعة وشرعيتها السياسية مخرومة :أسرة تتخذ من عوائد النفط مصروف الجيب الذي تنفق منه بلا حساب،وعلى رأس كل مؤسسة أمير،ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إلى الله صنيع قوم تخلوا عن مضامين العدل الإسلامي في شرعه الذي لم يروا فيه غير وجوب الطاعة والدخول في الجماعة وعدم شق عصا الطاعة،بكلمة "إذا اختلت سلسلة الرعاية ومات ضمير المسؤولية، وهما مختلان ومائتان أشدَّ الاختلال وأفجع الموت في مجتمعات الفتنة، فما يكون إعلان تطبيق الشريعة بين عشية وضحاها إلا مناورة سياسية ولافتة دعائية يرفعها غريق من الزعماء كما قال فرعون لما أدركه الغرق: (آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِين)[10]. ولن يكتمل الحديث عن أصول العمل السياسي إلا بالحديث عن مزالق العمل السياسي وهو ما سنفعله في المقالة القادمة بحول الله. الهوامش [1] المنهاج النبوي ص 374 [2] نفسه [3] نفسه [4] نفسه [5] المنهاج النبوي 286 [6] غافر/29 [7] الرسالة المؤرخة في 22 ربيع الأول 1409 [8] كتاب العدل،عبد السلام ياسين [9] الإحسان 1/139 [10] سورة يونس، الآية: 90