نشأت المسؤولية السياسية للحكومة في النظام السياسي البريطاني من قاعدة إن "ذات الملك مضمونة لا تمس وبالتالي تنتقل سلطته إلى الوزارة ممثلة في رئيسها ويكون هو المسؤول أمام البرلمان عن جميع تصرفات الوزارة". وأول ما ظهرت هذه المسؤولية كانت ذات بعد جنائي وبصفة فردية، لتتوسع وتصبح جماعية ذات بعد سياسي نتيجة عدم رضا البرلمان عين كيفية تسيير الشؤون العامة للدولة.. وعليه، تتخذ المسؤولية السياسية إحدى الصورتين، إما مسؤولية فردية أو جماعية، فتكون فردية لما يقوم أحد الوزراء بخطأ أو تقصير فادح في تصريفه لشؤون وزارته. أما الجماعية فتخص الوزراء ككل باعتبارهم مسؤولين كهيئة واحدة متضامنة أمام الملك وأمام البرلمان، وإن كان من الناحية العملية يصعب الفصل بين المسؤولية الجماعية للوزراء وبين مسؤوليتهم الفردية؛ لأن الوزراء يعملون، سواء داخل المرفق الوزاري أو خارجه، على تنفيذ السياسة الحكومية عملا بمبدأ التضامن الحكومي. كما جاء في الكلمة التوجيهية للملك الحسن الثاني أمام أعضاء الحكومة المعينة بتاريخ 11 أبريل 1958، حيث قال: ".. فإذا لم يكن هناك إحساس فردي بالمسؤولية عند كل وزير من وزرائنا وإذا لم يسد جو عملكم التضامن الكلي، لأنكم كلكم في مركبة واحدة فيجب أن يكون تضامنكم كوزراء أفقيا وعموديا، ولا حرية لأي وزير في هذا الباب، إلا أن يقدم استقالته ويطلب منا أن نعفيه".. ففي المغرب، تجد المسؤولية الوزارية أصلها التاريخي، منذ أولى العائلات الملكية الحاكمة؛ فقد تعرض، في هذا الصدد، مشروع الدستور المغربي لسنة 1908 والذي يحتوي على 93 فصلا و11 بابا، لمسؤولية الوزراء في مادته الحادية والستين التي تنص على أن "كل وزير ينظر في الأمور المتعلقة بوزارته الداخلة في دائرة وظيفته، فإذا عرض أمر لا دخل له في إحدى الوزارات، فيحول إلى نظر الوزير الأكبر، وكل وزير مسؤول شخصيا بما يتعلق بأمور وزارته. أما الوزير الأكبر فهو مسؤول بكل إجراءات جماعة الوزراء"، ليأتي بعد ذلك العهد الملكي المؤرخ في 8 مايو 1958 ليقر بدوره مبدأ المسؤولية الوزارية بنصه على أنه ".. حتى يتمكن الوزراء، الذين يستمدون سلطتهم من جنابنا الشريف، والذي هم مسؤولون أمامنا جمعا وانفرادا، والذين هم متضامنون في هذه المسؤولية، من القيام بالمهمة التي ننيطها بعهدتهم".. ويستشف من نص العهد الملكي أن للوزراء مسؤولية جماعية وفردية، فهم يساءلون أمام الملك عن أعمال الحكومة ككل، كما أنه يترتب عن إشرافهم على المرافق الوزارية، تحديد مسؤوليتهم الفردية. المسؤولية الجماعية للوزراء أمام الملك يمكن الحديث عن مسؤولية الوزراء أمام المؤسسة الملكية من خلال ثلاث مراحل مختلفة.. تهم الأولى الدساتير الثلاثة 1962 و1970 و1972 ، بينما تتعلق الثانية بدستور 1992و1996، أما المرحلة الثالثة فتنطبق على الدستور الحالي لسنة 2011. فمن خلال المرحلة الأولى نستشف أن الدساتير الثلاثة الأولى في فصلها الرابع والعشرين (يعين الملك الوزير الأول والوزراء ويعفيهم من مهامهم ويقيلهم إن استقالوا أفرادا أو جماعة) نصت على أن مسؤولية الحكومة أمام الملك بمفرده، حيث يعود لهذا للملك حق تعيين وإقالة جميع أعضاء الحكومة بمن فيهم الوزير الأول؛ بيد أنه خلال المرحلة الثانية (دستور1992 و1996)، أصبح نفس الفصل الرابع والعشرين (يعين الملك الوزير الأول. ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول..) منها يشرك الوزير الأول أيضا في هذه المسؤولية، نتيجة منح هذا الأخير سلطة في اقتراح لائحة أعضاء الحكومة، قبل تعيينهم من طرف الملك. ولقد تأكدت مسؤولية أعضاء الحكومة أمام رئيسها خلال المرحلة الثالثة، أي مرحلة دستور 2011 حيث امتدت صلاحية رئيس الحكومة في هذا المجال لتشمل سلطته اقتراح وضع حد لمهام الوزراء طبقا للفصل السابع والأربعين. كما أن استقالة رئيس الحكومة في ظل دستور 2011 يفضي إلى انسحاب الحكومة بجميع أعضائها "يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك" الفصل 74، الفقرة السادسة. المسؤولية الجماعية للوزراء أمام الجهاز التشريعي تقوم المسؤولية السياسية للحكومة على مبدأ مفاده أنه لا يمكن للحكومة أن تستلم السلطة أو تستمر في ممارستها إلا إذا حظيت بثقة النواب ومتى فقدت هذه الثقة فإنها تضطر للاستقالة". ويقصد بالمسؤولية السياسية لأعضاء الحكومة أمام البرلمان، وضع حد لمهامهم بصفة جماعية، أي انتهاء مهام الحكومة نتيجة سحب الثقة منها، أو نتيجة التصويت على ملتمس للرقابة ضدها، ويمكن إثارة مسؤولية الوزراء بصفة جماعية أمام البرلمان، من خلال التنصيب البرلماني للحكومة أو التصويت بمنح الثقة بشأن نص يطلب المصادقة عليه أو من خلال معارضة مجلس النواب في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالمصادقة على ملتمس للرقابة ضدها . فابتداء من دستور 4 شتنبر 1992، وكذا دستور 13 شتنبر 1996، أصبح البرنامج الحكومي الذي يتقدم به الوزير الأول أمام البرلمان بعد تعيين الملك للحكومة، متبوعا دستوريا بمناقشة يتلوها تصويت من طرف مجلس النواب طبقا للفصل 59 من دستور1992 والفصل 60 من دستور 1996، فقد اتفق كل من دستور 1996 في الفصل 60 منه ودستور 2011 في الفصل 88 منه على أن الوزير الأول (رئيس الحكومة) ملزم بالتقدم أمام مجلس البرلمان لعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. كما اتفق كذلك على أن يكون البرنامج موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، أما التصويت عليه فينفرد به مجلس النواب، غير أن الاختلاف الذي سجل على مستوى الفصلين، يتمحور حول الآثار القانونية المترتبة في حال رفض البرنامج الحكومي من طرف مجلس النواب، فوضوح الفصل 60 من دستور 1996 بهذا الخصوص والذي أحالنا على الفصل 75 (فقرة أخيرة) من نفس الدستور، حيث نستشف من خلاله أن عدم منح مجلس النواب الثقة للحكومة حول برنامجها يترتب عنه استقالة الحكومة جماعية، قابله غموض في الفصل 88 من دستور 2011 الذي لم يشر إلى هذا الأثر ولم يحلنا إلى أي فصل آخر، واكتفى بالنص في الفقرة الأخيرة منه على أنه "تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذي يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي". وبذلك نستشف أن آلية البرنامج لم تعد ترتب المسؤولية السياسية للحكومة وبالنتيجة رفض مجلس النواب منح الثقة المطلوبة للحكومة بخصوص هذا البرنامج لا يرتب أثر الاستقالة، وإنما ينتج عن ذلك عدم استكمال إجراءات التنصيب الدستوري للحكومة، الأمر الذي يستدعي من هذه الأخيرة إعادة صياغة برنامجها بالشكل الذي يرقى إلى تطلعات ممثلي الأمة حتى يكتمل تنصيبها . ومن الآليات الأخرى لإثارة مسؤولية الوزراء بصفة جماعية أمام البرلمان نجد "تقنية طرح الثقة"؛ فطبقا لمقتضيات الدساتير الخمسة الأولى والدستور السادس، يمكن إثارة المسؤولية الجماعية للوزراء بواسطة مبادرة حكومية، حيث يمكن لوزير الأول، أو رئيس الحكومة على التوالي، أن يربط لدى مجلس النواب مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح في موضوع السياسة العامة أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه ويؤدي سحب ثقة البرلمان من الحكومة إلى استقالة الأخير استقالة جماعية . وتجدر الإشارة إلى أنه لم يسبق لأي حكومة من الحكومات المغربية أن ربطت لدى مجلس النواب، مواصلتها لتحمل المسؤولية، بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يفضي به الوزير الأول، أو رئيس الحكومة، في موضوع السياسة العامة أو بشأن نص يطلب المصادقة عليه، خلافا لبعض التجارب المقارنة كابريطانيا أو فرنسا. ملتمس الرقابة كآلية سياسية ترتب مسؤولية الحكومة تعد المبادرة بشأن ملتمس الرقابة وسيلة فعالة من أجل إسقاط الحكومة بصفة جماعية. وقد عرفت التجربة البرلمانية في المغرب تقديم ملتمس للرقابة مرتين، ولم يؤد أي ملتمس منهما إلى إسقاط الحكومة، الأول عام 1964 حيث تم توقيع الملتمس الذي ورد عن فريق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمجلس النواب من طرف تسعة عشر نائبا، أي ما يفوق عدد التوقيعات التي يتطلبها الدستور المتمثلة في عشر (بضم حرف "ع") الأعضاء، والذي كان يساوي أربعة عشر توقيعا. بخصوص التجربة الثانية، في إثارة المسؤولية الجماعية للوزراء عن طريق تقديم ملتمس الرقابة من طرف البرلمان، فقد تمت بتاريخ 14 مايو 1990 حيث تقدمت أحزاب المعارضة، المتمثلة في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال والكونفدرالية الديمقراطية للشغل وحزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، بملتمس للرقابة ضد الحكومة، طبقا للفصل 75 من دستور 10 مارس 1972. فعلى الرغم من إقرار الدساتير المغربية لتقنيات إثارة المسؤولية الجماعية للوزراء ودفع الحكومة إلى تقديم استقالتها استقالة جماعية، فقد حالت ميكانيزمات "البرلمانية المعقلنة"، دون إقالة أي حكومة، منذ حكومة البكاي الأولى في 1955 إلى غاية حكومة ابن كيران في 2012، حيث لم يسبق لأي حكومة مغربية أن استقالت لأن مجلس النواب سحب ثقته منها أو لأنه صوّت على ملتمس للرقابة ضدها. خلاصة لما سبق، وفي إطار الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة التي تهدف إلى تحسين أداء الحكومة، وبالتالي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة خول المؤسس الدستوري المغربي لنواب الغرفة الأولى من البرلمان باعتبارها منتخبة بالاقتراع العام المباشر آليات يمكن أن تتقرر بموجبها المسؤولية السياسية للحكومة، وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى تقديم هذه الأخيرة استقالتها الجماعية، على اعتبار أن دستور 2011 أخذ بالمسؤولية التضامنية للحكومة دون الفردية. *باحث في العلوم السياسية والتواصل السياسي