تشكل العقيدة الدينية (الإسلام) والوحدة المذهبية (المذهب المالكي) الأساس الإيديولوجي والسياسي للدولة في المغرب. وبالتالي، فإن كل الأسر الحاكمة التي تعاقبت على عرش المغرب منذ القرن العاشر الميلادي زاوجت في مشروعها السياسي بين الدعوة الدينية والعصبية القبلية. فالمرابطون والموحدون قد بنوا سلطتهم في البداية على ثنائية تنظيمية تشكلت من الفقيه (عبد الله بن ياسين-المهدي بن تومرت) والأمير (يوسف بن تاشفين وعبد المومن بن علي الكومي). وبالتالي، فقد انعكست هذه الثنائية على أجهزة الدولة التي انقسمت إلى أجهزة عسكرية وسياسية (الولاة وقواد الجيش/الوزراء والكتاب)، وأجهزة إيديولوجية (فقهاء وطلبة وقضاة). لكن ثنائية هذه الأجهزة لم تمنع من توحدها في سلطة الأمير أو الخليفة أو السلطان الذي يشرف على هذه الأجهزة. لذا كانت الألقاب الدينية التي تفرد بها الأمراء والسلاطين المرابطون والموحدون والمرينيون كلقب أمير المسلمين أو أمير المؤمنين أو الخليفة أو الإمام تعكس مراسيميا احتكارهم للسلطة الدينية والسياسية في البلاد. ونظرا للمكانة الدينية والسياسية التي كان يتمتع هؤلاء الحكام، فقد وضعت مجموعة من المراسيم تصاحب الأعمال التي يقومون بها، سواء تلك المتعلقة بإمامة صلاة الجمعة أو صلاة مختلف الأعياد والمناسبات الدينية، أو المشاركة في التبرك بالقرآن في أسفارهم، أو إقامة المجالس العلمية. وقد شكل انتقاء نوعية اللباس وشكله ولونه جزءا من مراسيم حضور السلطان لمختلف هذه التظاهرات الدينية. كان الأمراء والسلاطين في الفترة المرابطية والموحدية والمرينية والعلوية يقومون بعدة مهام ذات طابع ديني تتطلبها وضعيتهم داخل نظام سياسي قائم على أسس وثوابت دينية. فالصبغة الدينية للحكم قد أثرت بشكل كبير على السير العادي واليومي لمؤسسات الدولة. وهكذا أشار عبد المجيد النجار بهذا الصدد إلى ما يلي: "إن الأساس الديني الذي بنى عليه ابن تومرت حركته الإصلاحية كان له أثر بين في مستقبل الحكم الموحدي، حيث كانت الصبغة العامة لهذا الحكم صبغة دينية في مختلف المجالات، سواء فيما يتعلق برعاية الجانب التعبدي المتمثل في أداء الفروض والمحافظة عليها، أو بسلوك مسلك العدل بين الرعية وتوفير مصالحهم وتحقيق الأمن لهم، أو بالدفاع عن الإسلام ونشر كلمته بالجهاد". وطبقا لذلك، فقد ارتكزت شرعية الأمراء والملوك الموحدين على ضرورة القيام بمجموعة من الأعباء تتمثل خاصة من خلال: - تزعمهم وإشرافهم على الجهاد؛ الشيء الذي جعل الملوك الموحدين يصنعون قبة خاصة أعدت لهذا الغرض، حيث كتب حركات بهذا الصدد أنه "لما كان يوم السبت خامس شعبان جلس المنصور في قبته الحمراء المعدة للجهاد". - بناؤهم لعدة جوامع ومساجد لإقامة الصلوات، وبالأخص للدعاء لهم من خلال ذكر اسمهم والثناء على أعمالهم. لذا حرص هؤلاء الملوك على تشييد المساجد الضخمة والجميلة التي كان الغرض منها عكس عظمة الدولة وإظهار أبهة الحكم وضخامة سلطانه. وفي هذا الإطار يمكن فهم حرص يعقوب المنصور الموحدي مثلا على بنائه للجامع الأعظم، ومنار جامع الكتبيين، وجامع حسان... - استقطابهم للعلماء والفقهاء ومجالستهم لهم لأن في ذلك إشارة سياسية لاحترامهم للتعاليم الدينية واتباعهم لشورى العلماء من جهة، والرفع من مستوى مجالسهم. وهكذا حرص يوسف بن تاشفين بعد استيلائه على الأندلس على استقدام علمائها "فانقطع إلى أمير المسلمين من الجزيرة من أهل كل علم فحوله حتى أشبهت حضرته حضرة بني العباس في صدر دولتهم". كما اهتم الأمير علي بن يوسف "بإيثاره لأهل الفقه والدين وكان لا يقطع أمرا في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء". لكن من أهم واجباتهم الدينية كأمراء للمؤمنين إمامتهم للصلاة، خاصة صلاة الجمعة وصلوات الأعياد؛ إذ إن حضور الملك أو السلطان إلى هذه الصلوات كان ضروريا من الناحيتين الدينية والسياسية. لذا فقد كانت هناك مجموعة من المراسيم تحيط بهذا الحضور، سواء فيما يتعلق بخروج "أمير المؤمنين" للصلاة أو بمشاركته فيها. فقد كان الخليفة عبد المومن بن علي الكومي عندما يخرج للصلاة عادة ما يصاحب ذلك مجموعة من الطقوس التي وصفها باسيت كما يلي: "بعد اجتيازه لعتبة قصره بمراكش، وهو لابس الأبيض، متبوعا بأحد خدامه حاملا راية بيضاء ترفرف بين رايات أخرى بمختلف الألوان، يتقدم الخليفة وهو راكب حصانه مرافقا ببعض الشخصيات من عائلته، وأشياخ الموحدين والطلبة وسط قرع الطبول. وكان يتوقف بين الفينة والأخرى لترديد بعض الأذكار. وبمجرد ما ينتهي يقوم الطلبة بتلاوة آية القرآن، وبعض الأحاديث النبوية أو مقتطف من مؤلفات ابن تومرت حول العقائد. ثم يتحرك الموكب من جديد وسط الجماهير المحتشدة أمام أبواب القصر". وقد تطورت مراسيم صلاة الجمعة مع السلاطين السعديين والعلويين حيث أصبحت أكثر تنظيما وترتيبا من خلال تحديد نظام الموكب السلطاني الذاهب إلى الصلاة. وفي هذا الإطار، وصف لنا العلمي مراسيم ذهاب السلاطين العلويين لصلاة الجمعة كما يلي: "في كل جمعة يقوم السلطان بالذهاب إلى المسجد الأكبر في موكب يتكون من شخصيات مدنية وعسكرية سامية، بالإضافة إلى خدام القصر. فبحلول الساعة العاشرة صباحا يبدأ رجال المخزن بالتوافد على القصر إما راكبين أو على أرجلهم وهم لابسون جلاليبهم وبرنسهم الأبيض؛ حيث يأخذ كل واحد مكانه داخل المشور. وعندما تدق الساعة الثانية عشرة، يطلب السلطان عربته ليركبها متوجها نحو المسجد وسط موكبه؛ حيث يمشي العبد المكلف بالعربة على يمينها ونائبه على يسارها، وكلاهما في يده منديل للترويح على السلطان. وبعد الصلاة، يعود السلطان راكبا حصانه محاطا على يمينه ويساره بعبدين بيدهما منديل أبيض؛ حيث يتناوبان للترويح على السلطان. في حين يوجد على يمينه صاحب المظلة. أما قائد الروى فهو يسير أمامه وهو يحيي الجموع التي يمر من أمامها. وأمام هذا القائد هناك ستة جياد يمسك بها. وخلفهم يسير حاملو الحراب، والمشاورية وهو يتكئون على عكازهم، وقائد المشور ونائبه وهما راكبان على جوادهما وهما يحملان بندقية على كتفهما الأيمن. ثم يمشي خلف السلطان باقي العبيد، وحاملو المكحلة متبوعين بالحاجب راكبا حصانه، ثم يأتي باقي الوفد من وزراء وكتاب. وعلى جانبي الموكب وفي مؤخرته يسير الجنود وهم إما على أرجلهم أو راكبين جيادا. ومازالت هذه الطريقة هي المتبعة منذ تولي محمد الخامس الحكم إلى الآن". من هنا يظهر من خلال هذه المراسيم أن التركيز يكون متمحورا بالأساس على شخص السلطان؛ الشيء الذي جعل الاهتمام ينصب على انتقاء خاص للملابس السلطانية الملائمة لهذه المناسبة التي يتم فيها الحرص على تكريس الشرعية الدينية للسلطان من خلال تأكيد صفته كأمير للمؤمنين. وبالتالي يشكل، البرنس الأبيض، والعمامة البيضاء، والسبحة في اليد... اكسسوارات تجسيد السلطان "كشخصية دينية ومتعالية". وبهذا الصدد، وصف لنا الرسام الفرنسي دولاكروا موكب المولى عبد الرحمان بن هشام في مكناس وهو ذاهب إلى الصلاة بأنه كان "يلبس برنسا شفافا ناعما ناصع البياض، يكاد ينغلق من الأعلى، ويرتدي تحته كساء ناعما له نفس المميزات يغطي صدره وفخذيه وساقيه، تبدو من خلاله ملابسه الداخلية زاهية الألوان، المنمقة بالطرز والجدائل، وكان يركب على صهوة جواد أصهب بسرج وردي مذهب ولجام من فضة، تحيط بيده اليمنى سبحة من عقيق أبيض حباتها مثبتة في خيط من الحرير الأزرق، ويحتذي بلغة صفراء مفتوحة من الخلف". أما "السلطان مولاي الحسن، فعندما يريد الخروج للصلوات الخمس... يكون لابسا عمامة بيضاء، ملتوية على قلنسوة حمراء ليا محكما بكيفية منظمة وهيئة مستحسنة، ويرتدي كساء ذات أعلام حريرية من أعلى طراز وطني... وفي صلاة الجمعة، زاد فوق الكساء نجادا حاملا دلائل الخيرات أو مصحفا، وتقلد بسيف طريف، ولبس برنسا مناسبا للفصل الذي هو فيه، وغطى رأسه به وجعل فوق ذلك عصابة لطيفة، وامتطى الجواد واحتفت به الحاشية ونشرت على رأسه المظلة". ومما يظهر بأن هذه الملابس من برنس، وكساء، وعمامة مرتبطة باكسسوارات أداء السلطان لهذه الفريضة، أنه بمجرد عودته من الصلاة، كان "السلطان مولاي الحسن يزيل برنسه وكساءه، وربما أزال عمامته وجعل على رأسه قلنسوة بدون عمامة. فإن كان الزمن زمن برد لبس الجلابة، وغالبا ما تكون من نسج وزان، وإلا فإنه يزيل حتى الحزام. وبمجرد ما يخلع السلطان ثيابه تتسارع الإماء إلى طيها. وكانت الإماء بعد جمع الملابس تضعها في صناديق من خشب مغشاة الباطن بثوب من كتان ناعم مبطن بجلد رفيع، حفاظا عليها ومبالغة في صيانتها بعد تصنيفها. فالقمصان في صناديق خاصة بها، والسراويل كذلك، وكذلك الفرجيات وقفاطين الملف، والبرانس الملفية على حدة، والصوفية التي تنسج باليد وغيرها على حدة، والكسى على حدة والعمائم كذلك، وهكذا لا يختلط نوع بغيره أبدا".