تحتضن مدينة الدارالبيضاء، خلال الفترة الممتدة من 31 أكتوبر إلى غاية 4 نونبر، معرض مهنيي الصناعة التقليدية "من يدنا"، الذي يساهم في تحقيق إشعاع المملكة على الصعيدين الإفريقي والأوربي، بعدما أصبح التراث غير المادي وسيلة محورية في التعريف بثقافات الشعوب، بل ويصنّف ضمن أهم آليات اشتغال الدبلوماسية. ويكفي القيام بجولة سريعة على أرجاء معرض "من يدنا"، الذي تنظمه مؤسسة دار الصانع الرائدة، تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، من أجل التعرّف على مجموعة من المهن التي تفوح بعبق التاريخ، والتي باتت في طي النسيان ولم تعد تثير انتباه الجيل الحالي من الشباب الذي استحوذت عليه التكنولوجيا الحديثة. وتوجد العديد من الحرف التقليدية التي تكابد شظف العيش في أروقة معرض مهنيي الصناعة التقليدية، من بينها صناعة النسيج التي تعود إلى أزمنة غابرة، لكن المعرض نجح في تسويقها بحلة عصرية تثير إعجاب الناظرين، وذلك بفضل مجهودات وزارة السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، التي أضفت عليها ديناميكية مهمة وأعطتها دفعة قوية على مستوى التصدير. ويَعرض المهنيون العديد من المنتجات الفخارية المصنوعة بإتقان فريد وجودة عالية، تدل على حِنكة الصناع التقليديين وتشبثهم بالتراث المغربي الأصيل الموغل في التاريخ، وذلك بشهادة الوفود الأمريكية والتونسية التي شاركت في المعرض، حيث عبرت عن إعجابها بطريقة صناعة المنتجات التقليدية بالمملكة. ولا يمكن للزائر ألا يُعجب بالمنتجات التقليدية المصنوعة من الخشب، التي تستعمل في تزيين المساجد والمعالم الأثرية والقصور والبيوت المغربية، إذ حافظ هؤلاء الصناع على فن النقش على الخشب الذي مازال حاضرا في المدن العتيقة بالدرجة الأولى. ومن الفنون الإبداعية الراقية والأصيلة التي تلاحظها عين الزائر، نجد فن الزخرفة بالفسيفساء، المعروف لدى المهنيين التقليديين بالزلّيج المغربي المعاصر، حيث يَعرض الصنّاع مجموعة من اللوحات الدقيقة التي تنمّ عن الإبداع المغربي الذي لا ينضب معينه. ولم يَغب المصممون التقليديون عن المعرض، إذ يوجد رواق خاص بفن القفطان والجلالب الأصيلة، التي تتميز بنقوشها المطرزة بشكل احترافي، فضلا عن وجود مهن أخرى مثل بائعي الزيوت الطبيعية التي تستعمل في الماكياج، لاسيما زيت أركان الذي تشتهر به منطقة سوس. وقد راعت مؤسسة دار الصانع تمثيلية جميع المدن المغربية التي تَعرف انتشارا واسعا للحرف التقليدية. جدير بالذكر أن قطاع الصناعة التقليدية يشغّل 2.3 مليون شخص، ويساهم بحوالي تسعة في المائة من الناتج الداخلي الخام، الأمر الذي يعكس الاهتمام الكبير بالصناعات الحرفية من قبل الوزارة الوصية على القطاع، باعتبارها أحد أهم الروافد التراثية المستوحاة من واقع البيئة المغربية.