هل كان بالإمكان تفادي وقوع حادث انحراف القطار المكوكي بالقرب من بوقنادل، الذي تسبّب في وفاة سبعة أشخاص وإصابة 125 آخرين بجروح؟ وهل السبب الوحيد لوقوع الحادث هو تجاوُز السرعة المسموح بها، كما خلُص إلى ذلك البحث الذي أمرتْ بإجرائه النيابة العامة، أمْ أنّ ثمّة أسبابا أخرى للفاجعة التي استيقظ عليها المغاربة صباح يوم 16 أكتوبر الماضي؟. مكابحُ أوتوماتيكية غيرُ مشغّلة يوم 23 أكتوبر المنصرم، أي بعد سبعة أيام من وقوع حادث انحراف القطار المكوكي على مستوى بوقنادل، صدَر بلاغ عن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسلا، جاء فيه أنّ البحث الذي أجرته مصالح الشرطة القضائية للدرك الملكي خلُص إلى أنّ السرعة المفرطة للقطار هي التي أدّت إلى انحرافه عن سكته واصطدامه بقنطرة. بلاغ وكيل الملك قال إنّ سرعة القطار المنحرف بلغت 158 كلم في الساعة في مكان الحادث، الذي تمّ تحديد السرعة القصوى به في 60 كلم في الساعة. وفي ضوء نتيجة البحث وجهت النيابة العامة إلى سائق القطار تُهم القتل والجرح الخطأ، وتمّت إحالته على المحكمة في حالة اعتقال، لكنّ سائقي قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية رفضوا تحميل زميلهم المسؤولية، وقالوا إنّ هناك أسبابا أخرى ل"حادث بوقنادل". ومباشرة بعد صدور بلاغ وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسلا، سارعت الجامعة الوطنية لعمال السكك الحديدية فرع مراكش إلى التنديد بقرار متابعة سائق القطار وتحميله المسؤولية الكاملة للحادث.. كما عبّرت الهيئة النقابية عن "رفضها المطلق" للتهم الموجهة إليه؛ بينما كان سائقو القطارات يتداولون في ما بينهم معلومات حول وجود أسباب أخرى أدت إلى "فاجعة بوقنادل". المعلومات التي حصلتْ عليها هسبريس من مصادرَ ضمْن أطقم سائقي قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية تفيد بأنّ تفادي وقوع حادث انحراف القطار المكوكي عن سكته كان ممكنا لو كان نظام الفرملة الأوتوماتيكية للقطار المنحرف مشغّلا. وتدخل آلية الفرملة الأوتوماتيكية للقطارات ضمن نظام يعرف بETCS، مُهمّته مراقبة السرعة والإشارات الضوئية، إذ يتدخّل في حال وقوع أيّ تجاوز من طرف السائق ويقوم فورا بإيقاف القطار بشكل أوتوماتيكي. وحسب المعلومات التي استقتْها جريدة هسبريس الإلكترونية من عدد من سائقي ومتعاوني قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية، فإنّ قطارات ONCF تتوفر على نظام ETCS، لكنّه لا يعملُ بين الدارالبيضاءوالقنيطرة.. "لو كان يعمل لما وقعت حادثة بوقنادل، إذا افترضنا أنّ سببها الحقيقي هو تجاوُز السرعة المحدّدة في النقطة التي وقع فيها حادث انحراف القطار"، يقول أحد المصادر. مصدر آخر قال، جوابا على سؤال حول ما إنْ كان ممكنا تفادي حادث انحراف "قطار بوقنادل": "نعم، كان بالإمكان تفادي الحادث لو كان نظامETCS يعمل، لأن هذا النظام كان سيقوم مباشرة بعد تجاوز السائق لسرعة 60 كلم في الساعة بإيقاف القطار بفرامل الخطر "Frein d'urgence "". هسبريس اطلعت على وثيقة تؤكّد توقيف العمل بنظام ETCS بين الدارالبيضاءوالقنيطرة، إذ وجه المكتب الوطني للسكك الحديدية مراسلة إلى سائقي القطارات، تأمرهم فيها بعزْل "isoler"نظام ETCSأثناء التوقف في بعض المحطات، ومن بينها محطة البيضاء المسافرين، ومحطة القنيطرة، أيْ إن نظام الفرملة الآلية يتعطّل بين هذه المحطات. وعلّلت إدارة المكتب الوطني للسكك الحديدة هذا القرار بالسماح بإنجاز أشغال التشوير بين الدارالبيضاءوالقنيطرة. "كبش فداء" وبينما انطلقت أولى جلسات محاكمة العربي بريش، سائق القطار المكوكي الذي تعرض لحادث الانحراف عن السكة بالمحكمة الابتدائية بسلا، فإنّ سائقي قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية يقولون إنّ ثمة أسبابا أخرى قد تكون وراء "فاجعة بوقنادل"، غيرَ السرعة المفرطة. وقال أحد السائقين إنّ المبدأ الساري به العمل في الخطوط السككية ذات السرعة الكبيرة هي أنّ العنصر البشري مُعرّض على الدوام للخطأ أثناء قيادة القطارات على السكك التي تتعدى سرعتها 100 كلم في الساعة، لذلك يتمّ تزويد القاطرات والسكّة بآليات أوتوماتيكية، تحُلّ محلَّ السائق تلقائيا وتُوقف القطار في حال عجْز السائق أو تقصيره. ومن بين الآليات التي تقوم بهذه المهمة جهاز répétition des signaux، وهو جهاز آلي يقوم بتسميع صوتي للسائق عند الإشارات الضوئية. وأفاد مصدر تحدث إلى هسبريس بأنّ هذا الجهاز تم حذفه من جميع قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية، وتم استبداله بجهاز vigirecord. لكن هذا الجهاز، يضيف المصدر ذاته، لا يقوم بالتسميع إنما بالتنبيه فقط، من خلال جرس، معتبرا أنَّ هذا الأمر "يطرح مشكلا حقيقيا بالنسبة للسائقين". مصدر آخرُ قال لهسبريس إنَّ علامة التشوير المحدِّدة لسرعة 60 كلم في الساعة، عند النقطة التي وقع فيها حادث انحراف القطار عن السكة، لم تكن واضحة بما فيه الكفاية، لأنها غير مزوّدة بإنارة من نوع Led؛ وهو ما يحُول دون رؤيتها بشكل واضح، خاصة في الليل. وأضاف المصدر ذاته أنّ إدارة المكتب الوطني للسكك الحديدة تسارع الزمن لتغيير إنارة علامات التشوير، بعد وقوع "فاجعة بوقنادل". وفيما لم يتسنَّ أخذ رأي إدارة المكتب الوطني للسكك الحديدية، بعد انتظار ثلاثة أيام للردّ على الأسئلة التي أرسلناها إلى الجهة المعنية عبر البريد الإلكتروني، لازالَ زملاء العربي بريش وعائلته يُطالبون بتعميق التحقيق أكثر في "فاجعة بوقنادل"، وتسليط الضوء على أسباب أخرى قد تكون وراءها، ويَعتبرون أن السائق المُعتقل "ليس سوى كبش فداء".