تخلص المغاربة من النفايات المنزلية لا يعتبر عملية صعبة، فهي بالكاد مسألة تتعلق بوضع النفايات في أكياس ورميها في أي مكب لها. وتنتهي العملية بجمعها لاحقاً نحو أقرب مطرح بلدي؛ لكن الواقع مرير جدا في تدبير الدولة لقطاع ظل منذ الاستقلال واحدً من أكثر الملفات تعقيداً. ينتج المغرب أكثر من 5 ملايين طن من النفايات الصلبة، بمعدل توليد سنوي يتجاوز 3 في المائة، وتتم معالجة أكبر نسبة منها في 300 مطرح عمومي، أغلبها عشوائية. وهو رقم مهول وخطير حذر منه البنك الدولي سابقا في تقرير حول "النفايات بالمغرب" عام 2008، منبها -نفس التقرير- إلى الحالة الإنسانية لأكثر من 3500 عامل بهذه المطارح يعيشون وسطها. منذ سنوات عدة، استطاعت وزارة الداخلية أن تتحكم بشكل كامل في تدبير قطاع النفايات بالمغرب، وقامت عبر مديرية الجماعات الترابية بفرض سيطرتها على قطاع يحتاج في الأصل إلى إرساء مبدأ المسؤولية المشتركة للمجتمع والدولة. ومنذ 2008، استطاعت المديرية نفسها، التابعة لوزارة الداخلية، عبر البرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية، صرف عشرات المليارات من السنتيمات من أجل نتائج أقل ما يمكن القول عنها إنها كارثية حتى اللحظة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تغلق الداخلية ببرنامجها هذا سوى 6% من مجموع المطارح العشوائية طيلة 10 سنوات من الاشتغال وصرف الملايين، ومازالت عشرات المدن المغربية تشتكي كل يوم من الارتفاع المهول لإنتاج النفايات؛ فيما تصرف الدولة المليارات من السنتيمات سنويا عير جماعاتها الترابية لشركات التدبير المفوض دون أن تقوم بتدوير أكثر من 1.8 في المائة من النفايات الصلبة فقط. وعودة إلى تقرير البنك الدولي لسنة 2008، الذي استفاد إثره المغرب من تمويل تجاوز 200 مليون دولار لبرنامج تدبير النفايات، فإن نسبة جمع النفايات داخل المدن لم تتجاوز في السنة نفسها 70% سنويا، لترتفع بعد 10 سنوات ب2% فقط، علما أن الفاتورة ارتفعت بالملايين على الدولة، والطاقة الإنتاجية مازالت على حالها. في المقابل فإن واحدا من أهم شروط إنجاز الورش أن يتغير أسلوب عيش الكثير من المواطنين، لكن ما صرفته الداخلية في برنامجها للتحسيس والتكوين لا يتجاوز 1.8%؛ في حين أن الموضوع في الأساس يتعلق بما يسميه مختصو هذا المجال "الفرز عند المصدر"، ما يعني فرز النفايات ابتداءً من المنازل ونهاية بمصانع تدوير النفايات، حيث يتم تدوير ما يمكن تدويره، وإنتاج الطاقة من غاز الإثانيوم، أو ما يسمى تقنيا البيوغاز. وعلى عكس برامج الدولة المدرة للإنتاج، لم تستطع مديرية الجماعات الترابية لوزارة الداخلية بكل طاقتها المالية واللوجيستيكية والبشرية إشراك فاعلين حقيقيين من شركات ومقاولات ومبتكرين في مجال إنتاج الطاقة أو الأسمدة أو المحروقات البيئية الناتجة عن النفايات، في برنامجها؛ بل إن فواتيرها اقتصرت على دفع مصاريف الجمع بأكثر من 70 في المائة، ما أنتج كوارث طبيعية، آخرها مثالُ مطرح مديونة بالدارالبيضاء، الذي أصبح عارا على الوزارة أكثر منه على مجلس جماعة لا يملك القرار في التصرف سوى بمباركة من المديرية سالفة الذكر. عشر سنوات من البرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية تحتاج إلى الكثير من التقييم، أمام غياب كامل لما تسمى وزارة البيئة، التي من المفروض كما في الدول التي تحترم نفسها أن تكون صاحبة القرار؛ في وقت من المفروض أن تكون النفايات اليوم مصدراً رئيسيا للكهرباء في مدينة الدارالبيضاء -على سبيل المثال- التي تنتج وحدها أكثر من مليون ونصف المليون طن سنويا من النفايات الصلبة.