أبدت مجموعة من المثقفين الجزائريين قلقا على ما وصلت إليه البلاد في مجال حرية التعبير؛ إذ يرون أن هناك تضييقا غير مسبوق على الحريات مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة العام القادم. وظهرت مؤخرا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، العديد من الأصوات الإعلامية والحقوقية والفنية التي تنادي بإعادة النظر فيما وصفته بسياسة "تكميم الأفواه" التي تنتهجها السلطات الجزائرية ضد كل صاحب رأي. وأبدى الصحافي الجزائري سعد بوعقبة تذمره من الوضع الذي وصفه ب"الكارثي" لواقع حرية التعبير في بلاده، وأشار إلى أن الحريات تراجعت قياسا بالانفتاح الذي جاء مع التعديل الدستوري عام 1988، الذي أكد أن "السيادة الوطنية ملك للشعب". ورأى بوعقبة، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، أن "الحق في التعبير يتراجع ضمانه في الجزائر بشكل متواصل، مثله مثل (الظاهرة السياسية) التي تكاد تضمر، رغم الصورة الشكلية التي تحاول السلطة تسويقها لنفسها، والتي لا تمت بصلة للواقع". وعن المؤشرات التي تثبت تدني حرية التعبير، قال المحلل السياسي إن "كل ما يحدث في الفترة الراهنة يثبت ذلك، واختفاء الصحف تباعا يعد أحد أكبر الأدلة على تعامل السلطة بالتضييق مع الصحافة، إلى جانب خنق الحريات بشكل متصاعد في صورة متتالية هندسية". وأعرب بوعقبة عن أسفه لتخلي الصحف عن نصف سحبها ونصف قرائها، في الفترة الأخيرة. ويرى صاحب "نقطة نظام"، المقال الذي ينشر عبر جريدة "الخبر" المستقلة، أن الصحافي في بلاده "أصبح يخاف من الخوض في كل المواضيع، خاصة ما يتعلق منها بالسياسة والسلطة". وأضاف أن "حرية التعبير تراجعت في الفترة الأخيرة بفعل الصراعات السياسية على الرئاسيات (...) فقد أصبحت حرية التعبير أكبر جريمة قد تُرتكب في الوقت الراهن في ظل معركة الاستحواذ على السلطة المالية بين الزمر السياسية ورجال المال". وأوضح أن السلطة تضغط على الصحافة من خلال توزيع الإشهار الحكومي، والتضييق فيما يتعلق بسهولة الوصول إلى المعلومة، إلى جانب الطباعة التي ما تزال تحتكرها الحكومة. وعن ترتيب الجزائر في مجال حريات التعبير مقارنة بالدول العربية، قال بوعقبة إنها "تكاد تأتي في آخر القائمة، فنحن ندنو من المنتهى". أما عن دور النخبة وما إذا كانت غائبة بالفعل، فقال إنها "تعرضت لضغط، بالترغيب أو الترهيب، حيث حاول النظام أن يشتري ذمم البعض بالمناصب والمال والمنافع، كما اعتمد معهم الترهيب من خلال العقوبات المفروضة على من (يتطاول) على السلطة بقلمه أو لسانه ولو بطرق سلمية"، كما أشار إلى أن "النظام الجزائري يحاول التضييق من خلال فرض العقوبات الإدارية على موظفي الدولة وعمليات الاعتقال والملاحقة". من جهته، قال الناشط الحقوقي المحامي مصطفى بوشاشي إن الجزائر تعيش فترة تضييق على كل الأصعدة، و"حرية التعبير واحدة من الحاجات الماسة التي تنقصنا والتي يتراجع مستواها بشكل مستمر". ورأى بوشاشي، في تصريح ل"د.ب.أ"، أن "هناك تشريعات يتم استغلالها لتقييد الحريات، وهناك متابعات بالعشرات للمدونين والناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات التعبير والصحافيين منذ مدة، وهذه ليست إلا واحدة من صور اللّاحرية في الجزائر". واستطرد البرلماني المستقيل بالقول: "لا توجد حرية مضمونة في البلاد رغم أن الدستور يؤكد على حرية المعتقد والنشر والتعبير"، معتبرا أنه "لا يعول على نظام غير ديمقراطي أن يسمح بحرية للتعبير، فالنظام الحاكم في الجزائر نظام شمولي يعتمد على تكميم الأفواه للاستمرار في الحكم". وقال بوشاشي إن "حرية التعبير في الجزائر مثلها مثل حرية التجمع وحرية المسيرات السلمية، تخضع ليد (الجلاد) الذي لا يسمح بانتقاده، حتى وإن كان ذلك بطرق سلمية"، مشيرا إلى أن "التضييق على العمل الجمعوي ونشاط المجتمع المدني ما هو إلا طريقة لتكريس الخوف من السلطة وكبح وتيرة نقل الوعي من النخبة للشعب". ويرى أن "سقف حرية التعبير انخفض مع اقتراب موعد الرهان الانتخابي، ليجدد النظام مسيرته بممارسة الترهيب والتخويف من خلال متابعة الصحافيين والمدونين، لأنه يعتقد أن إطلاق حرية التعبير تعني بداية نهايته". أما عن دور النخبة الجزائرية في مجال حرية التعبير، فقال إن "السلطة تحاول كبحها وتقييدها بكل السبل، ولا تترك لها متنفسا لخلق فضاءات للتعبير (...) وأصبح هناك نوع من العزوف لدى الطبقة المثقفة من العمل السياسي أو حتى الاضطلاع بدورها المجتمعي بسبب التضييق اليومي الممارس عليها". ويرى السينمائي عبد القادر جريو أن "الجزائر كانت تملك سقفا مقبولا فيما يتعلق بالحريات، وهو الأمر الذي كان يظهر جليا في مجموعة من الأعمال الفنية التي كانت تنتقد السلطة بحرية كبيرة"، إلا أنه أبدى أسفه على ما "آل إليه واقع الحريات في الفترة الأخيرة، فقد سجلنا تراجعا ملحوظا في هذا الشأن في ظل محاولة السلطة ممارسة (حقها اللامشروع) في الاعتقالات بطريقة (أفلام الأكشن) للترهيب والتخويف". وقال جريو، ل"د.ب.أ"، إن "القنوات الجزائرية أصبحت لا تتعامل مع الفنانين الملتزمين بالقضايا السياسية أو الذين يملكون آراء معروفة لدى العامة"، معتبرا أن المؤسسات الإعلامية أصبحت "عبدا مأمورا، ينفذ ما تمليه عليه السلطة التي استطاعت أن تعطي (درسا) في التحكم في الإعلام حين أغلقت قناة الخبر، بتلك الطريقة". ورأى جريو أن ازدياد حدة التضييق مع اقتراب الانتخابات "يعكس الصراع الحاصل بين العصب الحاكمة"، معتبرا أن "الضغط الممارس على حرية التعبير يظهر بتجلياته في العديد من الأزمات التي تشهدها المرحلة الجارية، كأزمة البرلمان، وتحفظ الأقلام الصحافية وحتى الفنانين عن الغوص في الحديث عن الموضوع والتعبير عن قراءاتهم". وراهن جريو على "إمكانية عودة مجرى حرية التعبير في الجزائر إلى ما كانت عليه، في حال خروج النخبة السياسية من بوتقة الخوف". وأكد جريو أن "ما تعيشه الجزائر اليوم من تراجع ملموس في حرية التعبير سببه الإرادة السياسية للسلطة (...) الجزائر تعاني من ظاهرة الأحادية في تسيير الشأن العام". *د. ب. أ