قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، محمد عبد النباوي، في كلمته بمناسبة انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، إن "الملك محمدا السادس وجه سنة 2000 رسالة إلى المحامين عبر فيها عن اعتزازه بالانتماء لأسرة الحق والقانون"، مضيفا أن "المغرب قطع منذ ذلك التاريخ مسارا بعيداً في تنزيل مشروع إصلاح نظام العدالة". وتابع المتحدث ذاته، خلال انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب الذي تستضيفه هيئة المحامين بوجدة أيام 25 و26 و27 أكتوبر الجاري، أن "ثماني عشرة سنة مضت على دورة القدس، وهذا هو الاسم الذي أطلقه اتحاد المحامين العرب على دورته الثانية لسنة 2000 بمدينة الدارالبيضاء، قطعت فيها العدالة المغربية شوطاً بعيداً من الإصلاحات الدستورية، حيث أنتج دستور 2011 سلطة قضائية باعتبارها السلطة الثالثة في الدولة، وقبل ذلك لم يكن القضاء سلطة من سلطات الدولة، وأصبحت هذه السلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية". وخاطب الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض المجتمعين قائلا: "إن اجتماع مكتبكم الدائم معشر المحامين العرب يأتي في خضم مرحلة تاريخية حاسمة من حياة المؤسسة القضائية بالمملكة المغربية، أصبح فيها القضاء سلطة دستورية مستقلة عن سلطتي البرلمان والحكومة، وتعمل مؤسساتها القيادية، أي المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، على بناء هياكل المؤسسة وتوطيد استقلال السلطة الذي يضمنه الملك بمقتضى الدستور". وجاء في كلمة المسؤول القضائي أن "استقلال السلطة القضائية لم يقرر لفائدة القضاة أنفسهم، وإنما تقرر لفائدة المتقاضين، حتى يتمكن القضاة من البت في النزاعات دون إعطاء الاعتبار لجهة ما أو سلطة أخرى غير سلطة القانون وحده"، مضيفا أنه "إذا كان استقلال القضاء يتجسد في استقلال القاضي، الذي يتجلى في حمايته من مختلف التأثيرات، فإن تحقيق هذا النوع من الاستقلال ليس رهينا بسلطات الدولة وحدها، بقدر ما يتطلب شجاعةً من القاضي في الدفاع عن استقلاله، ولكنه يحتاج كذلك إلى مساهمة المحامي في حماية استقلال القضاة والدفاع عنه". إن الدفاع عن استقلال القضاء، يضيف عبد النباوي، "هو من صميم أخلاقيات مهنة المحاماة الشريفة، حيث يجب استحضاره من طرف المحامي، سواء أثناء ممارسة مهام الدفاع أو بمناسبة الخوض في قضايا العدالة في منابر أخرى، حيث يقتضي شرف المهنة أن يتم التعبير عن الأفكار وبسط الانتقادات باحترام لمقام القضاء، الذي يعتبر المحامي جزءا منه"، مشيرا إلى أن "سلوك المحامي خلال ممارسته لمهامه ليس محكوما بقواعد المسطرة والقوانين الإجرائية وحدها، ولكن ينبغي أن يستحْضر نبل مهنة المحاماة وقدسية رسالة هيئة الدفاع التي تتعبد في محراب العدالة". وقال المتحدث ذاته: "لعل زملائي من القضاة والمحامين يستحضرون البعد الأخلاقي لمهنتي القضاء والمحاماة، ويستوعبون فلسفة المشرع من جعل المحاماة جزء من مهنة القضاء، فيعيدون بناء ما انهدم من جسور الحوار المبني على الاحترام المتبادل، وعلى تغليب قيم احترام القضاء وهيبة مجالسه والوقار اللازم لأعضائه، ونبل مهنة المحاماة وشرفها التليد وقيمها الراسخة، خلال ممارسة مهامهم .. فما زال الأمر ممكناً. الأمر ممكن جداً، بسبب الصحوة المباركة لهيئات المحامين، التي تطالعنا باستمرار بمواقف مشرفة تنتصر لشرف المهنة وتتشبث بقيمها النبيلة". ولأن الحديث حول إصلاح أجهزة العدالة ومؤسساتها لا يستقيم دون صراحة ووضوح، يضيف عبد النباوي، فإن "دور القضاء جوهري في ذلك، فهو مطالب بإصلاح ذاته وتطهير صفوفه، كما هو مطالب بالمساهمة في تخليق المهن القضائية والقانونية، ودعم مواقف هيئات المحامين الرامية إلى تحقيق ذلك. وهذا التزام من النيابة العامة، ننتظر مناقشته مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب، ومساندتهم في تنزيله على أرض الواقع في الحدود التي يسمح القانون للنيابة العامة بممارستها". وقال المسؤول القضائي إن "معركة التخليق ليست المعركة الوحيدة التي يتعين على المحامين كسبَها، بل إن معارك أخرى أصبح خوضها ضرورة آنية للبقاء والاستمرار. أذكر من بينها معركة رقمنة المهنة واستعمال تكنولوجيا المعلوميات في تدبير شؤونها، ومعركة التخصص الدقيق للمحامين، ومعركة التكوين المستمر واستيعاب المهام الجديدة للمحامين كمهام التحكيم وتحرير العقود والاستشارة والتعاون الدولي والنيابة أمام المحاكم الدولية وأمام لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من المستجدات التي تحبل بها الساحة الحقوقية والقانونية. مما لا تسمح الظروف ولا المقام بالخوض فيه بتفصيل، ولكني موقن بأنها مواضيع مطروحة باستمرار على هيئات المحامين".