لم يكن أحد يتوقع أن جلالة الملك سيعلن في خطابه بمناسبة افتتاح دورة البرلمان 12 أكتوبر 2018 عن حاجة الأحزاب السياسية المغربية إلى الدعم المالي، في سابقة من نوعها في المشهد السياسي المغربي؛ ومادامت كذلك لا بد من طرح مجموعة من الأسئلة من وراء الحاجة إلى تحقيق رغبة الأحزاب السياسية في الدعم المالي، والاستعانة بالكفاءات وأهل الخبرة للرفع من قدرة التنظيمات السياسية وجعلها جذابة وذات مصداقية على مستوى الخطاب والممارسة. أولى هذه الأسئلة تنطلق من طبيعة الظرفية السياسية التي يعيشها المغرب، وما تلاها من انكسارات وتراجعات على مستوى المشهد السياسي لما بعد 2016، وتحديدا مع تشكيل حكومة الدكتور سعد الدين العثماني، إذ يجمع الكل، من خبراء ومتخصصين وقادة للأحزاب السياسية، على حجم التراجعات التي شهدها المغرب. ثانيا قوة الخطاب السياسي الذي كان يحظى بشعبية خارقة لدى زعيم وقائد حزب العدالة والتنمية الأستاذ عبد الإله بنكيران، إذ شهد له الخصوم قبل الحلفاء بأنه شكل "ظاهرة سياسية فريدة من نوعها". ثالثا الإرباك والفوضى التي سادت المشهد السياسي المغربي، نظرا لغياب قواعد للعمل السياسي يتعرف من خلالها المواطنون على برنامج للأغلبية وآخر للمعارضة، وعن مرشحين للأغلبية وآخرين للمعارضة، على درجة من الوضوح والدقة. ولعل تقديم مرشح واحد ووحيد لأعلى مؤسسة دستورية للدولة خير دليل على ما نقول. إن طرحنا لهذه الأسئلة يلخص مضمون الأزمة السياسية التي نمر بها، والتي تعود في الأصل إلى تراجع دور الأحزاب السياسية، من إطارات تحمل مشروعا سياسيا تحاول إقناع أكبر شريحة بالمجتمع للتصويت عليه وقبوله، كي يتحول إلى إنجازات تعود في نهاية المطاف على المواطن والمجتمع بالنفع والخير، إلى تنظيمات لم يعد هم أصحابها سوى مراكمة الثروة والتسابق على المناصب وتقلد المسؤوليات، دون اعتبار لأدنى وازع أخلاقي. ومن هنا تجدر الإشارة إلى ضرورة قراءة أبعاد التوصية التي عرضها جلالة الملك ومحاولة أن تستفيد الأحزاب السياسية من أعطابها الداخلية ومراجعة أخطائها على مستوى الخطاب والممارسة؛ فهي وإن كان هدفها الوصول إلى السلطة والمساهمة في صناعة وإنتاج القرار السياسي من موقع الحكومة أو المعارضة، فإن ذلك لا بد أن يؤطر بقواعد الأخلاق السياسية، حتى نضمن الاستمرارية لها ككائن وفاعل سياسي، وأن يقتنع المواطن بجدواها وقدرتها على العطاء السياسي.