3/3 ساهمت الظروف الداخلية في الجزائر في نهاية ثمانينيات القرن 20 التي عرفت انتفاضات 1988، والحرب الأهلية التي اندلعت في بداية تسعينيات القرن الماضي بعد توقيف العملية الانتخابية التي كانت ستسمح لجبهة الإنقاذ الإسلامية بالوصول إلى السلطة، في تجميد الصراع مؤقتا مع المغرب والبحث عن فترة لالتقاط الأنفاس لإعادة تحكم المؤسسة العسكرية في مجالها السياسي والقضاء على معارضتها الأصولية. وبالتالي، فقد كان الإعلان عن تأسيس اتحاد المغرب العربي وعقد قممه ولجانه وفتح الحدود بين البلدين ومحاولة حل القضايا العالقة بين الدولتين تجسيدا لهذا الوضع. في حين كان التهييئ لتنظيم استفتاء بالأقاليم الصحراوية إنهاء لحرب الوكالة التي كانت تشرف عليها السلطات الجزائرية. غير أن هذه الفترة لم تدم طويلا، إذ أدى الاعتداء على فندق أطلس آسني بمراكش إلى عودة التوتر السياسي بين الدولتين، حيث تم إقفال الحدود بينهما، وتجميد عمل مؤسسات الاتحاد، خاصة على مستوى القمة، وتعثر عملية إحصاء الساكنة الصحراوية المخولة بالتصويت في الاستفتاء. وهكذا دخلت الدولتان من جديد في حرب غير مباشرة اتخذت بالإضافة إلى مظهرها الإعلامي والدبلوماسي، شكل حرب عسكرية استعراضية. فاستعراض القوة العسكرية من خلال العروض العسكرية، والقيام بالمناورات والتدريبات العسكرية يعتبر شكلا آخر للحرب بين الدولتين الجارتين نظرا لمجموعة من العوامل التي من أهمها: طبيعة التركيبة الاجتماعية لكلا البلدين (التاريخ المشترك، التداخل العائلي...) يجعل من الصعب تبرير حرب مدمرة وشاملة بين الدولتين. التوازن وتقارب القدرات العسكرية بين الدولتين يجعل من الصعب تحقيق انتصارات عسكرية حاسمة، الشيء الذي عبر عنه الملك الراحل الحسن الثاني عندما شبه الحرب بين إيران والعراق كالحرب بين المغرب والجزائر حيث من الصعب على أحدهما تحقيق انتصار عسكري حاسم ودائم. تأثير البيئة الخارجية، سواء الإقليمية أو الدولية، على مجريات أي حرب عسكرية بين الدولتين، ففرنسا لا ترغب في حرب بينهما حفاظا على مصالحها لتخوفها من أي تدخل أجنبي في منطقة نفوذها، في حين تسعى الولاياتالمتحدة للحفاظ على مصالحها البترولية مع الجزائر والموقع الجيو استراتيجي للمغرب، وبالتالي، فأي حرب طويلة ومدمرة بين الدولتين ستقوض التوازن في شمال إفريقيا وستفسح المجال أمام تسرب عوامل عدم الاستقرار في المنطقة من تطرف وإرهاب وتهريب وغيره. وبالتالي، فبالنظر إلى مختلف هذه العوامل تواصلت المواجهة بين الدولتين لتتخذ شكل حرب عسكرية استعراضية طويلة المدى انعكست من خلال المظهرين العسكريين التالين: التسابق نحو التسلح والمناورات العسكرية حرب الاستنزاف والتنافس على الإنفاق العسكري في إطار الصراع الثنائي بين أكبر قوتين عسكريتين حول الهيمنة في المنطقة، دخلت سلطات الدولتين في سباق محموم على امتلاك السلاح وتقوية ترسانتها العسكرية الذي تصاعد في بداية الألفية الثالثة على الخصوص. فعلى الرغم من أن هذا التسابق نحو التسلح يرتبط ببيئة الصراعات الإقليمية والتهديدات الإرهابية التي تعرفها القارة الإفريقية على العموم، والمنطقة المغاربية على الخصوص، إلا أن حجم الإنفاق العسكري ونوعية العتاد المقتنى يكشف أن هناك إرادة سياسة من الطرفين لخوض غمار تخزين الأسلحة والتنافس حول اقتناء أحدث العتاد العسكري والتكنولوجيا العسكرية المتطورة. فعلى الرغم من التكتم السياسي الشديد الذي يخيم على صفقات السلاح التي يبرمها البلدان، والتي لا تخضع عادة لأي نقاش عمومي في المؤسسات التشريعية للدولتين، يخوض المغرب والجزائر حرب استنزاف ثنائي لقدراتهما وإمكانياتهما التمويلية من خلال تزايد حجم النفقات العسكرية السنوية. وهكذا أشارت التقارير الدولية المتخصصة إلى تزايد حجم صفقات السلاح، والميزانيات التي تخصص لها. فقد كشف تقرير معهد ستوكهولم الذي صدر في سنة 2016، والذي توقف عند سباق التسلح المغربي الجزائري، أن الجزائر تعد أول مستورد للسلاح في إفريقيا ب30 في المائة، متبوعة بالمغرب ب26 في المائة. وعلى سبيل المقارنة بين المغرب والجزائر من حيث الارتفاع الصاروخي لنفقات السلاح، فإنه ما بين 2005 و2009 ثم 2010 و2014، عرفت واردات الجزائر من السلاح ارتفاعا ب3 في المائة مقارنة بواردات المغرب، رغم أن المغرب ضاعف وارداته من الأسلحة ب11 مرة خلال تلك الفترة. وفي التقرير الأخير لمعهد «غلوبال فاير باور» الأمريكي، فإن ميزانية الجزائر الموجهة لاقتناء الأسلحة وصلت إلى أزيد من 10.5 ملايير دولار، في حين وصلت ميزانية المغرب إلى أزيد من 3.5 ملايير دولار. كما أنه وفق أحدث تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الصادر في سنة 2016، احتل المغرب المرتبة الثانية في لائحة مستوردي السلاح بين عامي 2012 و2016، حيث حازت الرباط على 15% من إجمالي مشتريات إفريقيا، موضحا أن الرباط أنفقت، عام 2015، نحو 3.7 مليارات دولار لشراء أسلحة، ما يمثل 3.5% من الناتج الداخلي، فيما أنفقت الجزائر 11.3 مليار دولار بين عامي 2014 و2015. وأضاف التقرير أن المغرب والجزائر اشتريتا أكثر من نصف واردات إفريقيا من السلاح. وأفادت وكالة "الاستخبارات الدفاعية الاستراتيجية" في فبراير 2018، بأن الرباط تخطط لزيادة ميزانيتها للدفاع من 3.4 مليارات دولار عام 2017، إلى 3.9 مليارات دولار في 2022. وهذا ما أكده التقرير الصادر عن وكالة "استراتيجيك ديفنس انتليجنس" الذي أورد أن المغرب سيواصل مجهوده المالي في مجال التسلح في السنوات الأربع القادمة، حيث إن مقتنياته من السلاح ستتجاوز 18 مليار دولار حتى سنة 2022، موضحا أن هذا الخط التصاعدي الذي يسير فيه المغرب مخصص أساسا لمواجهة ما وصفها ب"التهديدات" التي تمثلها الجارة الجزائر. حرب الاستنزاف والحفاظ على توازن الردع العسكري شملت حرب الاستنزاف بين الجارين الخصمين اهتمام كل واحد منهما بتتبع والتجسس على نوعية العتاد العسكري الذي يحصل عليه الطرف الآخر في تسابق محموم حول الحصول على أحدث التكنولوجية العسكرية، خاصة تلك التي تتماثل مع طبيعة الطبوغرافيا العسكرية لكل منهما ومدى فعاليتها في ضرب العمق العسكري لكلا الجانبين، بالإضافة إلى صلاحياتها في أي حرب برية مستقبلية قد تندلع بين البلدين. من هنا تركز حرص السلطات العسكرية في كلا البلدين على اقتناء ما يهم العتاد الجوي، بالإضافة إلى الأنظمة الصاروخية المتطورة، وأحدث الدبابات الملائمة لمسرح حرب بري ذي خصوصية صحراوية. وبالتالي، فبعدما حصل المغرب على مقاتلات "F16" الأمريكية، سرعان ما طلبت الجزائر مقاتلات "سوخوي30" الروسية، ثم "سوخوي34"، التي تتفوق على "F16" في بعض المجالات، وهذا ما يمكن أن يعرض بعض المناطق الداخلية بالمغرب لتهديد القصف الجوي؛ ما جعل المغرب يتفاوض مع روسيا للحصول على "سوخوي34". كما أن اقتناء الجيش المغربي لقمرين تجسسين من فرنسا في السنتين الأخيرتين حرك القيادة السياسية بالجزائر للبحث على مصدر للحصول على نوع مشابه من هذه التكنولوجيا العسكرية المتطورة. في حين عزّزت القوات المسلحة الملكية ترسانتها من المدفعية الصاروخية بإدخال أربع بطاريات من راجمات الصواريخ الموجهة WS-2D الصينية إلى الخدمة بمدفعية الجيش المغربي. بالإضافة إلى إبرام المغرب لصفقة سلاح مع الولاياتالمتحدة حصل فيها على دبابات متطورة من نوع برامز. المناورات واستعراض القوة العسكرية من المعروف أن الحرب لا تتم فقط من خلال المواجهة المسلحة المباشرة، بل تتم أيضا بمحاولة استعراض القوة العسكرية لتخويف الخصم والتأثير النفسي على قيادته السياسية في استحضار حجم هذه القوة العسكرية وفعالية الرد في حالة اتخاذ أي قرار حرب مسلحة. وبالتالي، عادة ما توظف الاستعراضات العسكرية وعروض مختلف أنواع الأسلحة والقيام بالمناورات العسكرية لبلوغ هذا الهدف، والمناورات العسكرية بمختلف أشكالها، البرية والجوية والبحرية، التي تشارك فيها قوات البلدين، خاصة في ظرفية التوتر والتنافس بينهما، عادة ما تتضمن أبعادا سياسية، خفية تارة ومعلنة تارة أخرى. المناورات المغربية وتنبيه الخصم السياسي منذ تولي ابراهيم غالي رئاسة جبهة البوليساريو، صعدت هذه الأخيرة من لهجتها العدائية تجاه المغرب، حيث لمح غالي إلى إمكانية عودة الجبهة إلى حمل السلاح. ويمكن تفسير هذا الموقف من خلال عوامل عدة من أهمها: - موجة الاحتجاجات التي عرفتها المخيمات بتندوف ومطالبة بعض الفصائل داخل البوليساريو بالعودة إلى الحرب استنادا إلى قناعة سياسية بفشل الجهود الأممية، بعد مرور أكثر من تسعة وثلاثين سنة من تبني النهج الدبلوماسي والسياسي. - دفع سلطات الجزائر جبهة البوليساريو إلى حرب مع المغرب، خاصة في ظل الصراع الداخلي على خلافة الرئيس بوتفليقة الذي يعاني من أعطاب صحية عدة. - تحقيق الدبلوماسية المغربية لبعض الخطوات الإيجابية التي توجت بزيارات ملكية إلى دول إفريقية عدة، سواء بشرق أو جنوب القارة الإفريقية، قبل أن يتوج ذلك بانضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي. ولتجسيد هذا الخيار العسكري، أجرت ميليشيات جبهة البوليساريو مناورات عسكرية بآغوينيت، قرب الحدود مع المغرب، في خطوة لاستعراض عتادها العسكري الذي ضم مجموعة من الأسلحة المختلفة، حيث تم استعراض عشرة وحدات من المشاة، وثلاثة فرق حاملة لسلاح "بي إم بي"، وكتائب أخرى مدربة على حمل سلاح "أورج ستالين". كما استخدمت الميلشيات في هذه المناورات آليات ومعدات عسكرية من بينها مدافع ثقيلة ودبابات، إضافة إلى قذائف وأسلحة رشاشة. وخلال هذه المناورات، استعرض قائد عسكري أمام قادة الجبهة مخططا عسكريا بشأن "التمرين التكتيكي" لتجاوز الجدار الرملي الذي ترابط خلفه القوات المسلحة الملكية المغربية. ولم تكتف الجبهة بهذه المناورات على الجهة الشمالية من الجدار الرملي في المنطقة العازلة، بل قررت إحياء الذكرى ال45 لتأسيسها التي أسمتها "باندلاع الكفاح"، بمنطقة تيفاريتي، التي تعتبرها "محررة"، في تحدّ صارخ للمغرب الذي أكد أن "تحركات التنظيم الانفصالي في المنطقة العازلة تغير الوضع الفعلي والتاريخي والقانوني لها، ويمكن أن تدفع المنطقة إلى المجهول". وقد تضمن برنامج الاحتفالات تنظيم استعراضات ومناورات عسكرية ضخمة بتيفاريتي تنفيذاً لتعليمات صادرة عن ما تسمى وزارة الدفاع الصحراوية، التي أعطت أوامرها بضرورة ضمان جاهزية الجيش الصحراوي واستعداده الدائم لكل الاحتمالات، وكذا من أجل جس نبض مدى استعداد كتائبها لخوض الحرب. وبالعزم على خوض هذه المناورات العسكرية بالمنطقة العازلة، تيفاريتي، في تجاهل لتحذيرات السلطات العليا بالمغرب، قام وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بتسليم رسالة خطية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تحذر من التطورات الخطيرة للغاية التي تشهدها المنطقة الواقعة شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء المغربية. كما تباحث مع أنطونيو غوتيريس حول "الخشية من تدهور الوضع في بئر لحلو وتيفاريتي، أو ألا تتم تسويته كما كان الحال بالنسبة للكركرات"، مشيرا إلى أن الملك محمدا السادس "حرص على التعبير باسم كافة القوى الوطنية الحية بمختلف توجهاتها عن رفض المغرب الصارم والحازم لهذه الاستفزازات والتوغلات غير المقبولة"، مبلغا الأمين العام الأممي حرص الملك على توضيح أن "هذه الأعمال تشكل تهديدا لوقف إطلاق النار، وتنتهك القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة، وتقوض بشكل جدي العملية السياسية". ولاحتواء هذا الوضع، أبلغ الجنرال دوكور درامي عبد الفتاح الوراق، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية، الجنرال دو ديفيزيون فاروق بلخير، قائد المنطقة الجنوبية، بأن تشرع الوحدات العسكرية في التحرك وبداية المناورات قرب المراكز الحدودية، في حين أعطيت تعليمات للوحدات العسكرية بكل من شبه القطاع العسكري بئر كندوز وشبه القطاع تشلا وشبه القطاع أوسرد بالرد الحازم على أي استفزاز ينم عن التحرش بالقوات المسلحة الملكية أو بالبنيات العسكرية على طول الحدود مع موريتانيا. المناورات الجزائرية وتخويف الخصم السياسي بموجب اتفاقيات عسكرية أبرمت بين المغرب والولاياتالمتحدة، جرت العادة بأن يشارك الجيش المغربي في مناورات عسكرية مشتركة بين مختلف الأسلحة العسكرية، سواء البحرية أو الجوية أو البرية، مع دول حليفة. وهكذا ففي إطار المناورات البحرية المشتركة حلت بالمياه الإقليمية لأكادير، طرّادة عسكرية من طراز Vella Gulf CG72 المنتمية لأسطول البحرية الأمريكية التي سبق لها أن شاركت في العديد من المناورات البحرية، سواء في مياه الخليج العربي أو مياه البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي أو البحر الأسود والكاريبي. وقد استمرت هذه المناورات لمدة 3 أيام بمشاركة أزيد من 350 ضابطا وجنديا أمريكيا، وتضمنت تمارين عسكرية في مجالات مختلفة، وضمان السلامة البحرية. أما على الصعيد البري فقد شهدت منطقة الجنوب بالمغرب مناورات سميت "الأسد الأفريقي 2018"، شاركت فيها وحدات عسكرية من 15 دولة من أوروبا وإفريقيا إلى جانب القوات الأمريكية وقوات من الجيش المغربي. وعلى الرغم من أن هذه المناورات التي يقوم بها المغرب إلى جانب دول أخرى ترمي إلى الاستعداد لكل المخاطر الخارجية المتمثلة خاصة في محاربة الإرهاب الدولي والإقليمي، فإن السلطات الجزائرية نظرت إلى هذه المناورات التي شارك فيها المغرب على أنها تستهدفها بشكل غير مباشر بسبب التنافس الإقليمي بين الدولتين والعداء المستحكم بين نظامي البلدين، الذي يشكل نزاع الصحراء الذي ما زال مستمرا لأكثر من أربعة عقود، وإقفال الحدود البرية لأكثر من عقدين، تجسيدا له. وبالتالي، قامت الجزائر بالرد على هذه المناورات العسكرية بمناورات عسكرية مضادة، بدعوى "التأهب ل"تهديدات إرهابية داخلية وخارجية"، وإرسال رسائل مفادها أن الجيش "جاهز للتصدي لأي تهديد". وهكذا، يرى الدكتور خير الدين عسري، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "سيدي بلعباس" غربي الجزائر، أن "زيادة حجم التهديدات ليس هو المبرر الوحيد للتمارين والمناورات العسكرية الجزائرية المتكررة، فهي تحمل أيضا رسائل سياسية إلى الخارج والداخل؛ فهي رسالة سياسية إلى الأعداء من منظمات إرهابية ودول، مفادها أن الجيش في جاهزية تامة للتصدي لأي تهديد، كما أن لها أهمية قصوى تتعلق برفع الروح المعنوية للجنود والضباط". ولعل ما يؤكد منحى هذه المناورات ومضمونها الردعي والتخويفي مؤشرات عدة من أهمها: - التسميات التي أطلقتها القيادة الجزائرية على هذه المناورات العسكرية مثل (طوفان)، بما تحمله هذه التسمية من حمولة سياسية وتخويفية. وهكذا اختارت قيادة الجيش الجزائري اسم "طوفان 2018" لأضخم مناورات عسكرية شاركت فيها وحدات بحرية من غواصات، وسفن القيادة، وفرقاطات متعددة المهام، وسفن قاذفة للصواريخ، وقاطرات أعالي البحار، وكاسحات الألغام، وزوارق حرس السواحل، وزوارق ومروحيات الإنقاذ، إضافة إلى وحدات الرماة البحريين ووحدات الدفاع الجوي عن الإقليم. كما أن اختيار (اكتساح 2018) لتسمية المناورة العسكرية الضخمة التي أجريت في محافظة بشار غرب الجزائر قرب الحدود المغربية كانت تحمل دلالات سياسية عدة؛ إذ أشار مكاوي بهذا الصدد إلى أن هذه "العمليات فيها أيضا رسائل مبطنة إلى المغرب؛ فمصطلح "اكتساح" المستخدم سبق أن استعمله الرئيس الجزائري أحمد بن بلة إبان حرب الرمال سنة 1963، كما استخدمه الهواري بومدين في كثير من العمليات العسكرية". - إجراء هذه المناورات قرب الحدود مع المغرب، كالمناورة العسكرية التي جرت بمنطقة شمال تيندوف (2600 كلم جنوب غرب العاصمة الجزائر)، على بعد أقل من 50 كلم عن الحدود المغربية، والتي شارك فيها آلاف الجنود والضباط، إضافة إلى مقاتلات ومروحيات، بإشراف من رئيس الأركان، أو المناورة العسكرية الأخيرة (اكتساح 2018) الضخمة التي أجريت في محافظة بشار غرب الجزائر التي كانت بدورها قرب الحدود المغربية، خاصة وأن استخدام صواريخ طويلة المدى، من طراز "صاك 8"، وطائرات مسيرة وأحادية من طراز "ميغ 29"، خلال هذه المناورة العسكرية الأخيرة على الحدود المغربية، يبطن رسائل إلى المملكة بإمكانية وصول السلاح الجزائري إلى العمق المغربي في حالة أي حرب محتملة بين الطرفين. - توقيت هذه المناورات؛ إذ جرت كرد مباشر أو غير مباشر على مناورات عسكرية شاركت فيها وحدات من الجيش المغربي. وبهذا الصدد، أكد الخبير العسكري الجزائري أكرم خريف، رئيس تحرير موقع "مينا ديفونس" المتخصص في الشؤون العسكرية، أن "مناورة اكتساح 2018" تأتي رداً على مناورة الأسد الأفريقي التي أجرتها الجيوش الأمريكية والبريطانية في المغرب في الآونة الأخيرة. كما أن قيام الجيش الجزائري بمناورة (طوفان 2018) على الساحل الشمالي الغربي للبلاد، التي تعد الأكبر من نوعها خلال السنوات الأخيرة، اعتبرها مراقبون عسكريون بمثابة رد غير مباشر على المغرب، بعد المناورات العسكرية التي شاركت فيها قوات عسكرية مغربية إلى جانب البحرية الأمريكية. - حجم هذه المناورات وضخامة لوجستيكها العسكري؛ فمناورة (طوفان) التي تعد من أكبر المناورات البحرية للجيش الجزائري شاركت فيها وحدات بحرية مختلفة من غواصات وسفن القيادة ونشر القوات وفرقاطات متعددة المهام، وسفن قاذفة للصواريخ وسفن الإنزال وقاطرات أعالي البحار وكاسحات الألغام وزوارق حراس السواحل وزوارق الإنقاذ ومروحيات الإنقاذ، فضلاً عن وحدات الرماة البحريين ووحدات الغطس والأعمال تحت المائية، كانت الغاية منها هي إظهار القوة البحرية الجزائرية كقوة إقليمية في منطقة البحر المتوسط. ولعل هذا ما عكسه بيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية، من خلال إشارته إلى أن تمرين الإنزال البحري (طوفان 2018) يهدف إلى "تقييم مستوى التحضير القتالي للقوات البحرية، على غرار بقية القوات الأخرى". كما يهدف الإنزال أيضاً إلى تأهيل مختلف الوحدات لتنفيذ المهام القتالية الخاصة، فضلاً عن تقييم مستوى التعاون والتنسيق ما بين مختلف القوات، وأن "كل هذه الوحدات البحرية مسنَدة بوحدات دفاع جوية، قامت بتأمين وتنفيذ عملية إنزال مشتركة بين القوات البحرية والبرية بكامل أفرادها وعتادها وتجهيزاتها". في حين نقل عن قائد أركان الجيش، الفريق قايد صالح الذي أشرف على هذه المناورة، قوله: "مهما تعاظمت مشاكل محيطنا الجغرافي وتعقدت أزماته، تيقنوا أن محور جهودنا سيبقى حول حماية ربوع الجزائر بحدودها الوطنية ومشارفها البحرية كافة". وأضاف أن الجيش الجزائري "اعتمد على تركيبة بشرية مؤهلة علمياً وتقنياً ومتكيفة مع طبيعة المهام الموكلة، ومصممة على تمكين قواتنا المسلحة من كسب رهان الجاهزية الدائمة والقدرة العملياتية العالية، بما يكفل أداء المهام المخولة بالفعالية المطلوبة، ويسمح، بالخصوص لأسطول قواتنا البحرية بأن يثبت حضوره الدائم والناجع في حوض البحر الأبيض المتوسط، ويؤكد بالتالي المكانة الإقليمية المستحقة التي ينبغي أن تتمتع بها بلادنا في هذه المنطقة الاستراتيجية". من خلال ما سبق، يتبين أنه رغم كل النزاعات بين البلدين التي اتخذت شكل حروب مسلحة خاطفة (حرب الرمال ومعركتي أمغالا)، أو حرب بالوكالة استمرت من سنة 1976 إلى سنة 1991 وانتهت بتوقيع الهدنة، أو حرب استنزاف امتدت من سنة 1992 وما زالت متواصلة إلى الآن من خلال التسابق المحموم على اقتناء أحدث العتاد العسكري البري والجوي والبحري والتجسسي، (يتبين) أن ذلك لن يؤدي سواء في المدى المتوسط أو الطويل إلى أي تغلب عسكري لطرف على طرف آخر لعوامل عدة من أهمها: التقارب بين الدولتين في الموارد البشرية والقرب الجغرافي والتاريخ الاجتماعي، كما أن القوى الإقليمية والدولية، خاصة الولاياتالمتحدة، لن تسمح بأي اختلال قد يقوض التوازن في منطقة شمال إفريقيا لقرب هذه الأخيرة من خاصرة أوروبا وكذا لقربها من مجال الحلف الأطلسي وإشرافها الجيوستراتيجي على بوابة البحر المتوسط من خلال جبل طارق والانفتاح على المحيط الأطلسي مجال نفوذ الولاياتالمتحدة التي ما زالت القوة العظمى إلى حد الآن. وبالتالي، من المنطقي سياسيا أن تتوصل السلطات العليا في البلدين إلى حل يرضي الطرفين على المستويات التالية: - على المستوى الإقليمي لا بد من اعتراف كلا الدولتين بأنهما تمثلان القوتين الإقليميتين في المنطقة على غرار كل من فرنسا وألمانيا في منطقة غرب أوروبا، وأن أي مشروع إقليمي لا يمكن أن ينجح بدون اتفاق إرادتهما ومراعاة مصالحهما الحيوية، بما في ذلك مشروع الاتحاد المغاربي. - على المستوى الثنائي لا بد من الإسراع في فتح الحدود البرية، وإيقاف الحرب الإعلامية والدبلوماسية بين البلدين. - على مستوى النزاع بين جبهة البوليساريو، المدعمة من الجزائر لوجستيكيا وإعلاميا ودبلوماسيا وعسكريا، وبين المغرب، الذي يخوض حرب استنزاف منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، يمكن التفكير في حل وسط بين الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب وحق تقرير المصير الذي تدافع عنه الجزائر وقيادة البوليساريو؛ وذلك من خلال إنشاء إمارة منزوعة السلاح يمكن أن تضم تندوف والمناطق المحاذية لها يمكن أن تستفيد من إمكانيات كل من الجزائر والمغرب ومساعداتهما شريطة ألا تتمتع بأي مظهر من مظاهر السيادة الخارجية، وذلك على غرار إمارة أندورا ولشتتاين وموناكو المتواجدة بين الحدود الفرنسية والإسبانية. - إعادة التفكير في خلق إطار اقتصادي مشترك يهم التعاون في استغلال أي ثروات تتوفر لدى البلدين على غرار أنبوب الغاز الذي تم إنشاؤه بين الطرفين لتزويد أوروبا بهذه المادة، أو فيما يتعلق بحل المشاكل الاجتماعية التي تتخبط فيها الساكنة في كلا البلدين من بطالة الشباب، والأمن الغذائي... - التنسيق على المستوى الدبلوماسي فيما يتعلق بالتعامل مع قوى اقتصادية إقليمية أو دولية كالاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بالهجرة، والصين وتركيا والهند واليابان وروسيا... أو فيما يتعلق بالاستثمارات الصناعية والمالية والسياحية والبنيات التحتية المنجزة على ضوء التحولات الكبرى التي يعرفها النظام الرأسمالي العالمي الذي تشكل فيه القارة الإفريقية رهانا رئيسيا وحيويا خلال العقود القادمة. **** 1/3- المغرب والجزائر .. من الحرب العسكرية إلى المعركة الاستعراضية 2/3- مواجهة المغرب والجزائر .. نزاع الصحراء وبداية "الحرب بالوكالة"