رأسمالنا البشري ليس في حالة مريحة.. بلادنا ما زالت في مراتب متأخرة على صعيد توظيف "الرأسمال البشري".. السياسة العامة لا تولي أهمية للتعليم، والبحث، والتكوين، والتكوين المستمر، والتدريب، والتأطير، ولكل ما هو ابتكار واختراع وإبداع... لا تولي اهتماما لهذه المحاور.. والنتيجة: فشل في "الرأسمال البشري"! فشل ذريع في استثمار التعليم استثمارا عقلانيا مسؤولا، وفي تطوير المناهج التعليمية، وتأطير ومراقبة التدريس.. والفشل أيضا في إعداد كفاءات للمستقبل.. وهذا الفشل إضرار بأجيال الحاضر، وأجيال الغد، ومسار كل البلد.. السياسة العامة لا تريد تعليما ناضجا فعالا، لأن مسؤوليها لا يحرصون إلا على كراسيهم، ويحافظون على توريث بناتهم وأبنائهم مواقع مالية، ومناصب عليا، وزعامات سياسية وغيرها... السياسة العامة تتجنب الاستثمارات الكافية في تطوير الكفاءات المستقبلية.. والأحزاب، التي تفرز حكومات، لا تريد لجل فقراء البلد أن يحصلوا على المعرفة الضرورية التي تعتبر أهم مصادر الإنتاج.. وهذه "الحزبوية" الأنانية تقف وراء التقهقر التعليمي الذي يجنح إلى الهيمنة على الرأسمال المادي، ويميل لترجيح كفة كل ما هو مالي، على حساب المعرفة والكفاءة والمسؤولية والضمير المهني.. وتقف هذه النخبوية المريضة وراء احتكار السياسة والاقتصاد، واستغلال الدين، لدس الرأسمال المادي في قبضة كمشة من الأثرياء، وتوزيع الفاقة على الأغلبية الساحقة من المواطنين.. هذه السياسة تسعى للحد من التكوين، حتى لا يقتصر إلا على تقنيات بسيطة.. - ولا يحظى أغلب شبابنا بتكوين مستمر.. وهذا هو حال جل المهن العادية عندنا.. والطبقة الثرية تبعث بناتها وأبناءها إلى الخارج، لكي يعودوا فيما بعد، إلى البلد، حاملين شهادات تخولهم مناصب كبرى على رأس أبناك، وشركات عملاقة، وغيرها من كبريات المؤسسات... ويبقى الرأسمال البشري، بكل تنويعاته، مهما على كل المستويات.. ويبقى أغلب الفقراء عرضة للبطالة، ولمعاشات هزيلة جدا.. والدولة، بكل مكوناتها، لا تبدو مقتنعة بتطوير الرأسمال البشري، وتمكينه من توسيع معارفه ومهاراته، عبر قوانين مفتوحة على كل القطاعات.. وفي قوانينها ما يعقد الولوج إلى تخصصات، ويجعل الشباب محاصرين في أنواع محدودة من الدراسات والتكوينات.. وإلى هذا، ما زال التعليم لا يمارس إلا شحن المتلقي، وكأن المتلقي مجرد وعاء.. - التشحين ثم التشحين.. من جيل إلى جيل.. أجيال تم شحنها حتى بما يضر ولا ينفع.. بينما في الدول المتطورة، الديمقراطية، المسؤولة، ذات السلطة والسلطة المضادة، يعرف التعليم انفتاحا نظريا وعمليا على مختلف القطاعات الحية.. هناك الضغط الاجتماعي يواجه الضغط الحكومي.. والمعارضة تواجه الحكومة.. والمؤسسات تراقب كل السلط.. والإعلام سلطة رابعة.. و"الإعلام الجديد" سلطة خامسة.. - ولا أحد فوق القانون.. وكل مواطن يستطيع أن يدرس ما شاء من التخصصات، وأن يتطور في مهنته أو حتى في مهن أخرى.. والمفهوم السائد هو أن من يحصل على مزيد من الخبرة، يستطيع أن يتطور، ويطور مهاراته.. أما عندنا، فمن أمامه أبواب مغلقة، لأسباب مالية أو تقنية، لا يستطيع أن يكسب مزيدا من التطور.. - البلاد لا تتطور بدون مهارات! ويجب على الجهات المختصة أن تعيد النظر في تعاملها مع سياسة "الرأسمال البشري"، لكي لا يكون التعامل وكأن هذا الرأسمال تعامل فردي.. إن الرأسمال البشري يعني الدولة برمتها، لا مجموعة أشخاص.. وهذه معرفة لا يجوز أن تقتصر على فئة محدودة.. يجب أن تكون رهن إشارة العموم، لكي تنتشر ثقافة تنويع وتكوين المهارات التي من شأنها تطوير البلد.. وفي هذا السياق، لا يتوقف الأمر على تعليم تقنيات، بل أيضا تطوير الكفاءات الفنية والذكائية.. - الذكاء يمكن تطويره.. وهذا يعني التساوي أمام الحق في المعرفة.. ويعني أننا يجب أن نشتغل في إطار "فريق عمل"!وأن على الدولة أن تسن قوانين تربط بين الانفتاح على المهارات وبين مساهمة المهارات في دعم الاستقرار السياسي بحيث يكون الاستقرار رافدا أساسيا من روافد التنمية وروح المواطنة، ودعما لمكانة البلاد على الساحة الدولية.. وهذه المكانة تجلب استثمارات مؤهلة لإنعاش التشغيل.. "الرأسمال البشري" يرتبط بكل عوامل التطور، على أساس "قيمة الإنسان" التي هي محورية للعلاقات والبناء المشترك.. بلدنا بحاجة إلى الاهتمام بالعنصر البشري.. إنه الرأسمال الأكبر.. يشمل كل أنواع المعرفة.. ويقود إلى كل أنواع الابتكارات والإبداعات.. ويفتح أبوابا كثيرة للتطور.. فهل مسؤولونا جاهزون لحل المشاكل المطروحة؟ - وجاهزون لتطوير مهارات البلد؟ [email protected]