يعرف الاستثمار «بأنه استخدام المدخرات لتكوين الاستثمارات (أو الطاقات الإنتاجية الجديدة) اللازمة لعمليات الإنتاج، والمحافظة على الطاقات الإنتاجية القائمة أو تجديدها. والاستثمار نوعان: استثمار في رأس المال الطبيعي وهو عبارة عن الاستثمار في المشروعات المختلفة مثل إنشاء المباني والمشاريع ؛ الاستثمار في رأس المال البشري . لقد تم تطوير مفهوم "رأس المال البشري" لأول مرة في عام 1961 من قبل ثيودور شولتز الاقتصادي الأميركي الذي قال : بأنه " كان من الواضح أن الأفراد الذين يكتسبون مهارات ومعارف مفيدة هي شكل من أشكال رأس المال و أن رأس المال هذا هو جزء كبير من نتاج الاستثمار" ، وفي سنة 1965 ، ساهم غاري بيكر في شيوع مفهوم الاستثمار بين الناس، الأمر الذي توجه بحصوله عام 1992 على جائزة نوبل في الاقتصاد وذلك لتطويره نظرية رأس المال البشري. لقد كان السائد بأن الاستثمار الحقيقي يرجع إلى الاستثمار في رأس المال " الأموال والمنقولات" ولكي يتمكن الأشخاص فرادى وجماعات من زيادة دخلهم كان لا بد لهم من أن يوجهوا جزءا من دخلهم للاستثمار في رأس المال الطبيعي، كما كان يعتقد أيضاً بأن زيادة النمو الاقتصادي يرجع إلى الزيادة التي تحصل في رأس المال الطبيعي ، غير أنه ومع تطور أساليب القياس الاقتصادي اكتشف بعض العلماء أمثال شولتزو دينيسون وغيرهم، بأن الزيادة التي تحصل في الناتج المحلي لا ترجع فقط إلى الزيادة في رأس المال الطبيعي أو الزيادة في عدد العمال الخام ولكن هناك عوامل أخرى ومن هذه العوامل التعليم، إذ أنه عند إدخال متغير التعليم لمعرفة علاقته بالزيادة في الناتج المحلي اكتشف بأنه يسهم بنسبة كبيرة في تلك الزيادة وبذلك أثبت بأن التعليم استثمار وليس استهلاك، مما مهد لميلاد مفهوم الاستثمار في رأس المال البشري والذي أكد بعض العلماء على أنه لا يقل أهمية عن الاستثمار في رأس المال الطبيعي، بل الأكثر من ذلك أكد البعض على أنه يفوقه خصوصا مع التقدم في التكنولوجيا والتقنية والتي تحتاج مهارات ومتطلبات خاصة للتعامل معها ، مما يستفاد معه بأن كلا من التعليم والتدريب هما عنصر السبق في التنافس المستقبل. هذا وقد وردت عدة تعريفات للرأسمال البشري ،إذ عرفه عرفه كنيد لبرجر (C.P.kindlerger)بأنه ذلك الجزء المضاف إلى العمالة الخام ، ما مفاده بأن الاستثمار في رأس المال البشري هو استخدام جزء من مدخرات المجتمع أو الأفراد في تطوير قدرات ومهارات ومعلومات وسلوكيات الفرد بهدف رفع طاقته الإنتاجية وبالتالي طاقة المجتمع الكلية لإنتاج مزيد من السلع والخدمات وذلك بهدف تحقيق الرفاهية للمجتمع وإعداد المواطن ليكون صالحاً في مجتمعه. وفي نفس المضمار، يربط كثير من العلماء عوائد التعليم بالجانب الاقتصادي ، ففكرة العائد من التعليم هي فكرة اقتصادية ظهرت على أيدي الاقتصاديين فهم يرون أن هناك مكاسب مادية يكسبها الفرد والمجتمع من جراء زيادة التعليم ، ما معناه أنه كلما زاد تعليم الشخص كلما زادت إنتاجيته وبالتالي زاد دخله وبالتالي زاد دخل المجتمع. وفي هذا الباب ، قال دينسون وهو من علماء اقتصاد القرن العشرين أن العائد من التعليم هو مقدار الزيادة في الدخل القومي الحقيقي التي ترتبط وتقترن بالتعليم. وتأسيسا على ذلك ، يُستخدم مصطلح «الرأسمال البشري» بشكل أساسي ليشير إلى القيمة الاقتصادية التي يحققها الموظف لجهة عمله، حيث يتم تحديد هذه القيمة وفقاً لمجموع المهارات والخبرة التي يتمتع بها المستخدم، مضافاً إليها التدريب الذي خضع له والمؤهلات التعليمية التي حصل عليها، إلى جانب قدرته على لعب دور إيجابي ضمن بيئة العمل، هذا، ويعد الدور الذي يؤديه الرأسمال البشري المتميز بالمهارات والحاصل على التحفيز المطلوب محورياً بالنسبة لعمل كافة الشركات، كما يمثل ميزة تنافسية في مختلف القطاعات الاقتصادية. وبينما يُعتبر دور الرأسمال البشري جوهرياً ضمن الإدارات والأقسام التجارية للشركات، فإن وجود الرأسمال البشري المناسب على الصعيد العملي يمكن أن يشكل الفرق ما بين تحقيق الربحية والأداء الإيجابي للشركة ونمو إيراداتها، أو الفشل في المقابل. ونتيجة لذلك، فإن انعدام القدرة على التعرف على المرشحين الملائمين والمتمتعين بالمهارات المطلوبة يمكن أن يقوّض فعالية أقوى الشركات وأكثرها كفاءة، هذا إذا ما علمنا بأن فقدان المستخدمين يُعدّ أمراً معتاداً إلى حد ما بالنسبة لكل شركة نظراً لخروج بعضهم على التقاعد أو انتقالهم إلى مناصب جديدة، إلا أنه يصبح مشكلة تواجهها الشركة إذا زاد «معدل فقدانهم» على المعدلات المتعارف عليها في القطاع الاقتصادي الذي تمارس فيه الشركة أعمالها، إذ أظهرت الأبحاث بأن تكلفة فقدان مستخدم ما قد تصل إلى ضعفي راتبه السنوي وقد تصل إلى مئات آلاف الدولارات. هذا وقد أوضح بحث أجرته «تقاعد» مؤخراً حقيقة أن ما نسبته 93% من جهات العمل متوسطة الحجم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تنظر إلى أن الرأسمال البشري والاحتفاظ بالمستخدمين على المدى الطويل هما من العوامل المهمة جداً لضمان نجاحها مستقبلاً، وبالرغم من ذلك، وبمقارنة هذه المنطقة بسواها من مناطق العالم، فإن الشركات القائمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعاني من مستويات مرتفعة لتغير المستخدمين مقارنة بالأسواق الغربية. فوفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يقوم المستخدم بتغيير عمله في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعدل يبلغ 5.2 سنة مقارنة بمعدل يبلغ 11.7 سنة في فرنسا، و11.2 سنة في ألمانيا، و10.6 سنة في هولندا، و8.7 سنة في المملكة المتحدة، وبهذا يعتبر أثر التكلفة المترتبة عن ذلك هائلاً على جهات العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث أنها في الغالب تخسر الرأسمال البشري المؤهل لديها لصالح الجهات المنافسة لها. وبالتالي، ولوضع هذه المكنة " الرأسمال البشري " في سياقها الصحيح، فإن هناك العديد من تبعات التكلفة الناتجة عن ترك المستخدم لعمله والتي تلحق بجهة العمل ومنها «مصروفات خفية» كبيرة تشمل على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: • تكلفة تعيين موظف جديد (الإعلان، المقابلة، الاختيار من بين المرشحين، التعيين)؛ • تكلفة تدريب شخص جديد وهو الأمر الذي يستغرق ما يتراوح بين 12 إلى 24 شهراً للوصول إلى مستوى الإنتاجية الذي كان يحققه المستخدم الذي تم استبداله؛ • التكلفة المتواصلة للتدريب والتي تعادل في المتوسط ما يقارب 10-20% من راتب المستخدم على مدى فترة سنتين إلى ثلاث سنوات؛ واعتبارا لما سبق ذكره، فإن المنهج الأفضل يتمثل في تبني جهة العمل لنموذج متعدد الأوجه للمحافظة على المستخدمين، يكون بالإمكان تصميمه بناءً على العمر وتركيبة العاملين والدور الذي يضطلع به كل منهم لديها، وفي ظل عدم وجود «حل وحيد» جاهز للاستخدام من قبل جميع جهات العمل، فإن المطلوب هو فهم دوافع المحافظة على المستخدمين سواءً كانوا من كبارهم أو من صغارهم. وفي المغرب، واعتبارا من كونه دولة تشكل جزءا من كل الخريطة البشرية العالمية ، فإن المتتبع لمشهد الرأسمال البشري لا يمكنه إلا أن يجزم بغياب تام لاستراتيجية حقيقية تضع من بين أولوية أولوياتها إرساء الاليات والوسائل الكفيلة بجعل الرأسمال البشري بمثابة مورد أساسي للنهوض بقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا ، استثمار ذكرت به مجموعة من الخطب الملكية ، والتي أكدت مضامينها مجتمعة على اعتبار الاستثمار في الرأسمال البشري بمثابة النواة الصلبة التي يجب أن تنبني عليها قضايا التنمية الانية والمستقبلية ، ولتحقيق ذلك، يجب وضع مايلي نصب الأعين: الحرص على تعيين الموظف المناسب في المكان المناسب، خاصة وأن متطلبات بعض الوظائف قد تكون كثيرة، لا سيما إذا كان الموظف يعمل بعيداً عن أسرته، لذلك من الأهمية بمكان أن تقوم إدارة الموارد البشرية بشرح الوظيفة بشكل واضح وتفصيلي وتوضيح ما يتوقعة صاحب العمل من الموظف ومناقشة النواحي الإيجابية والسلبية حتى يكون الموظف على بيّنة ولمنع حدوث أية مفاجآت «غير متوقعة» بالنسبة له؛ وضع خريطة وطنية ، يوضح من خلالها مؤهلات مواردنا البشرية كل حسب تخصصه، الأمر الذي سيمد بلادنا ببنك حي من الموارد البشرية المتعددة التخصصات؛ المردودية مقابل الأجر؛ النهوض بالظروف الاجتماعية والاقتصادية للعامل ، مما سيوفر له ظروفا ملائمة للاضطلاع بالمهام الموكل إليه القيام بها؛ تحفيز الموارد البشرية، وذلك من خلال تمكين المتفوقين من مناصب المسؤولية ، بشكل لن يدعو أبدا للشك في نتائج عملهم؛ ضرورة خلق قنوات للاستشراف والتنظير فيما يرتبط بخريطة الرأسمال البشري، الأمر الذي وإن تحقق سيساهم في تصحيح مسارها كلما دعت الضرورة إلى ذلك. إن صنع مسار صحيح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن أن يتم في معزل عن الرأسمال البشري، وبالتالي فكلاهما مرتبط بالأخر ومن ثمة وجب الجزم بأن الموارد البشرية لهي أساس تحقيق النمو والازدهار الاقتصادي والاجتماعي.