المفوضة الأوروبية لشؤون البحر الأبيض المتوسط: المغرب شريك أساسي وموثوق    عزيز غالي.. "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" ومحدودية الخطاب العام    الجمعية العامة للأمم المتحدة تتبنى قرارها العاشر بشأن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام    مطالب للحكومة بضمان المساواة وتحقيق الإنصاف لجميع المنخرطين بالتغطية الصحية بالقطاعين العام والخاص    العالم يحتفل باليوم العالمي للغة العربية    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    الجواهري: سنكون من أوائل الدول التي ترخص العملات المشفرة    أسعار النفط مستقرة قبيل قرار الفائدة الأمريكية    بعد الإعصار المدمر.. ماكرون يزور جزيرة مايوت    إقلاع أول طائرة من مطار دمشق الدولي    الوداد يعلن عن منع جماهيره من حضور مباراة الكلاسيكو أمام الجيش الملكي    .إجهاض عملية للتهريب الدولي لثلاثة أطنان و960 كيلوغراما من مخدر الشيرا    "رموك" يتسبب في حادثة سير خطيرة بالبيضاء    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    الالتزام ‬الكامل ‬للمغرب ‬بمبادرات ‬السلام ‬‮ ‬والاستقرار ‬والأمن    الطلب العالمي على الفحم يسجل مستوى قياسيا في 2024    إحصاء 2024… تباطؤ ملحوظ في معدل النمو الديمغرافي    بنموسى: تحسن متوسط مدة الدراسة لدى السكان البالغين 25 سنة    إجراءات تسليم بودريقة إلى المغرب مستمرة وفق إفادة النيابة العامة بهامبروغ ل"اليوم 24"    استهداف اسرائيل لمستشفيات غزة يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية    وكالة بيت مال القدس الشريف تنظم ندوة في "أدب الطفل والشباب الفلسطيني"    مجلس الأمن الدولي يدعو لعملية سياسية "جامعة ويقودها السوريون"    بنك المغرب…توقع نمو الاقتصاد الوطني ب 2,6 بالمائة في 2024    المكتب المديري للرجاء يتخذ قرارات جديدة لتصحيح المسار    مقر الفيفا الأفريقي في المغرب.. قرار يعزز موقع المملكة على خارطة كرة القدم العالمية    الكعبي عقب استبعاده من جوائز الكرة الذهبية: "اشتغلت بجد وفوجئت بغيابي عن قائمة المرشحين"        مسجد سوريا بطنجة.. معلم تاريخي يربط المغرب بدمشق صومعته تشكل الاستثناء وصممت على النمط الأموي    شباب مغاربة يقترحون حلولا مبتكرة للإجهاد المائي    هل تساهم كميات اللحوم المستوردة في خفض الأسعار بالسوق الوطنية؟    حماس تصف محادثات الدوحة حول الهدنة بأنها "جادة وإيجابية" وإسرائيل تنفي توجه نتانياهو للقاهرة    كأس إيطاليا: يوفنتوس يفوز على كالياري برياعية ويتأهل لربع النهاية    دبي تطلق خدمة التوصيل بالطائرات بدون طيار الأولى من نوعها في الشرق الأوسط    كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    27 قتيلا و2502 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    قطاع الطيران... انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ    فينيسيوس أفضل لاعب في العالم وأنشيلوتي أحسن مدرب    "فيفا" يعوض فينيسيوس عن الكرة الذهبية بجائزة "الأفضل"    القنيطرة.. افتتاح معرض لإشاعة ثقافة التهادي بمنتوجات الصناعة التقليدية    المغرب والسعودية يوقعان بالرياض مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات التحول الرقمي الحكومي    فيفا ينظم بيع تذاكر كأس العالم للأندية‬    مجلس الشيوخ الشيلي يدعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية (سيناتور شيلي)    الأميرة للا حسناء تترأس عرض التبوريدة    حاتم عمور يطلب من جمهوره عدم التصويت له في "عراق أواردز"    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    عن العُرس الرّيفي والتطريّة والفارس المغوار    دراسة: الاكتئاب مرتبط بأمراض القلب عند النساء    باحثون يابانيون يختبرون عقارا رائدا يجعل الأسنان تنمو من جديد    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الاستثمار في مقاولات الأفكار ودعم اقتصاد المعرفة ضمن اتفاقيات التبادل الحر
بقلم: دة. مريم آيت أحمد

مفتاح تقدّم الأمم والشعوب الاستثمار في رأس المال البشري الذي يعد من أفضل أنواع رأس المال قيمة، لأنه استثمار وطني رأس ماله الاستثمار في الإنسان، وتنمية الموارد البشرية التى تحوّل الثروات من مجرد كميات نوعية ومواد خام، إلى طاقات إبداعية وتقنية ذات إسهامات فاعلة متنوّعة فى تحقيق التقدم المنشود. اليوم أصبحت ثروات الأمم لا تقاس اليوم بما لديها من مصانع وأراض زراعية، حيث انتقلت المجتمعات من العصر الصناعي إلى عصر المعرفة ،فأصبحت تحتسب بما لديها من ملكية فكرية واختراعات وابتكارات واستثمار في طاقات مجال البحث العلمي. المجتمعات التي خططت لتنمية بلدانها وضعت ضمن اولوياتها الاهتمام في الاستثمارالاقتصادي المعرفي. كمورد اقتصادي لا ينضب واستطاعت بالفعل أن تنجح هذا الاستثمار بشراكة حكومية، وتحويل نسبة ضرائب على شركات خاصة إلى صورة عائد اقتصادي يساهم في تنمية الدخل الوطني لهذه الدول. فهل استوعبنا نحن في مجتمعاتنا هذا التحول أم مازلنا في طور مرحلة المجتمع الصناعي ؟ هل الاستثمار في تراسانة الاسمنت ومقاولات البناء وحده سيمكننا من بوصلة التحكم في المحرك الدافع لعصر اقتصاديات المعرفة ؟ ألم يحن الوقت للإنتقال الى مجتمع معرفة في أجندة خططنا التنموية المستقبلية ؟ وإن نحن عقدنا العزم على دخوله ،فهل أعددنا العدة لدخوله بآليات تحتكم لقوانينه المعرفية ؟ هل استوعبنا مظاهر مجتمع اقتصاد المعرفة الذي أسس لمراكز وادي السيليكون، ومراكز الابتكار التكنولوجية، ومدنجامعية للبحث الهندسي ببوسطن، وستانفورد، وكاليفورنيا في بيركلي، ومعهد ماساتشوستس للتقنية (MIT). ؟؟ أم أننا مازلنا في طور فهم معاني مصطلحات مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة ومقاولات الأفكار؟؟
لدينا سوق ضخمة من البطالة وهدر كبير لموارد بشرية ، نحن في أمس الحاجة اليوم إلى حسن توظيفها واستثمار عقولها وكفاءتها في ميادين الابتكارات، والإنتاجية وتحقيق براعات الاختراع، وخلق فرص العمل، فهل ساهمنا كشركات ومؤسسات اقتصادية جانب الحكومات في توفير الأرضية اللازمة لمشاريع مقاولات الأفكار،من خلال توفير آليات العمل والمختبرات لتطبيق المهارات المعرفية لأجيالنا؟؟ ألم يحن الوقت أن نفكر في بناء منظومة اقتصادية حمائية لثرواتنا البشرية في إطار اتفاقيات التبادل الحر في سوق عالمية جوهرمنتجاتها الاقتصاد القائم على المعرفة.؟؟
إن المتأمل لواقع الاستثمار في مقاولات الافكار والبحث العلمي ، في وطننا العربي يجد أنه أمر شبه منعدم، فبينما تجد العالم يتسابق نحو النانو تكنولوجيا، والهندسة الوراثية، وعلوم الفضاء، فإننا لم نستطع أن نخرج من دائرة محو الأمية بألف باء". وبالتالي فالتفكير الجاد في الاستثمار العلمي وبراءات الاختراع اليوم هو خيار اقتصادي ناجح، يعبّر عن رؤية مستقبلية اقتصادية واعية. لأن الأمن في مجتمعاتنا كل لا يتجزأ، الأمن العسكري، والأمن السياسي، والأمن الروحي والأمن الغذائي، والأمن المائي، والأمن المعلوماتي والتكنولوجي لمصادر ثرواتنا ،ما هي إلا حلقات لسلسلة مترابطة بعضها مع بعض.
وكما تعزز الدول أمنها الاقتصادي والمائي والغذائي والعسكري تحتاج الى تأمين أمن بنك معلوماتها المعرفي المدخر في ثرواتها البشرية .
مجتمع المعرفة، حل اليوم بكل ثقله محل مجتمع المعلومات. لأن السياق الذي برز فيه ليس هو المجتمع التقليدي الذي يملك المعرفة، أو يستخدم ويتعلم تقنية المعلومات والاتصالات، فأزمة تمويلات البحث العلمي ومراكز الدراسات ، تدفعنا اليوم للحديث عن آفاق مجتمع ينوي الدخول لعالم المعرفة، بينما تفتقر مراكزه البحثية لأدنى أساسيات الدعم المادي من قبل الحكومات والمستثمرين الخواص، لاستقطاب كفاءات وطنية جاهزة لتفريغ عطاءاتها وقدراتها ومهاراتها، كفاءات وعقول قابلة لإستثمار جاد في بنك المعلومات ،والدخول بإنجازاتها ومشاريع اختراعاتها إلى عالم المنافسة في مقاولات الأفكاروبيع المنتوج في سوق المنافسة التكنولوجية العالمية .
هذه الرؤية الشاملة في التخطيط الاستراتيجي، تمتعت بها الدول المتقدمة ،بينما افتقرت إليها دولنا العربية، فهل نصيب 22 دولة عربية بأقل من 1% ضمن 300 مليون ورقة بحث علمي وتكنولوجي في جميع أنحاء العالم سيؤهلنا من دخول سوق مقاولات الإختراعات ؟ العالم الجديد يتكلم معنا، وفق لغة سوق الانتاج في مقاولات الأفكار والاختراعات، سوق الانجاز المعرفي،وليس سوق استيراد الافكار والاختراعات وتعلم استعمالها، نصيب دول الاتحاد الأوروبي منها 37%، والولايات المتحدة الأمريكية 34%، واليابان ودول جنوب شرق آسيا 21%، والهند 20%، وإسرائيل 10%.
فهل بهكذا نسبة يمكن أن نتحدذ اليوم عن دخول مجتمعاتنا لسوق اقتصاد معرفي يؤهلها لتنمية حقيقية ومستدامة؟ علينا أن نفكر اليوم وأكثر من أي وقت مضى في الاستثمار المقاولاتي العلمي ،وتكوين أطر تنتج المعرفة ، لأنه وبإنتاج المعرفة تتدرج المجتمعات، نحو مراتب امتلاك المعلومات لتوظيفها واستثمار أرباحها في شتى مجالات تنمية مجالات اقتصادها.... وثرواتها الوطنية .
أمامنا عنصران أساسيان سيتحكمان في صيرورة الاقتصاد مستقبلا:
- عنصر الطاقة بسبب ارتفاع الاستهلاك وتقلص الموارد،
- وعنصر الماء بسبب الاحتباس الحراري وارتفاع عدد السكان في العالم.
والدول العربية ستكون الضحية الأولى لانخفاض احتياطاتها من الطاقة وارتفاع حاجياتها من المياه، وهذا معناه أنها ستكون مضطرة لسلوك طريقتين إجباريتين:
أولا: تغيير أنماط الاستهلاك العام من الطاقة والماء بشكل أكثر اقتصادا.
وثانيا: الاستثمار من الآن في البحث العلمي لتهيئ الطاقات العلمية البديلة وتنمية طرق اقتصادية لاستغلال الماء وسوق التحكم في التكنولوجيا.
الاستثمار في مقاولات الأفكار استثمار مربح للشركات الخواص:
إن الفجوة الكبيرة التي يعانيها وطننا العربي على مستوى الاستثمار في اقتصاديات المعرفة اعتمدت منهج كون الاستثمار في مجال مقاولات الأفكارغيرمربح ومنتج، حيث يعد القطاع الحكومي على ضعف دعمه المموّل الرئيس لنظم البحث العلمي في الدول العربية بإسهام يبلغ حوالي 80% من مجموع التمويل المخصص للبحوث والتطوير، مقارنة بنسبة 3% للقطاع الخاص، و17% من مصادر مختلفة، وذلك على عكس الدول المتقدمة، التي يولي فيها القطاع الخاص حيث يحظى تمويل البحث العلمي من القطاع الخاص بنسبة كبيرة".
وهنا يغفل أصحاب هذا التوجه سواء حكومات أوشركات استثمار للخواص التجارب الرائدة التي حققتها دول من الاستثمار في البحث والتطوير وبنك المعلومات . لقد أدركت الدول الصناعية أهمية إشراك القطاع الخاص في دعم البحث والتطوير في بلادها، فقدمت لهم التسهيلات اللازمة، وخفضت الضرائب والرسوم على كل شركة أو مؤسسة خاصة تدعم الأبحاث وتسعى إلى الابتكار والتطوير في تقنية جديدة أو صناعة محددة، بينما نجد أن معظم الشركات والمؤسسات في بلادنا مستوردة للتقنية، غير مهتمة بتحسين عملها وتطويره لكي تصبح منتجة ورائدة في مجال عملها مستقبلا. إسهامات المؤسسات الخاصة في اليابان قد بلغت 81,7% من مجمل ما تم إنفاقه على البحث العلمي في البلاد، وألمانيا الغربية 63,3% ، وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية 50,2% لكل منهما، بينما نجد أن القطاع الخاص في بلادنا غير معني بوجه عام بقضية النهوض بالبحث والتطوير، وأن مهمة النهوض بهذا القطاع الحيوي المهم ملقاة على عاتق الدولة.
فكوريا الجنوبية – مثلا – استطاعت منذ عام 2000م زيادة قدرتها الاقتصادية بشكل كبير بعد أن أنفقت بسخاء على الأبحاث العلمية والتقنية، إذ احتلت المركز الخامس عالميا في مجال الاختراعات، وغزت منتجاتها التكنولوجية أسواق العالم، وهذا عائد إلى أن مجمل ما كانت تنفقه على البحث العلمي والتطوير قبل عام 2000م بلغ 0,2% من الناتج القومي، ليصبح هذا الإنفاق في مطلع هذا القرن 5%، وليستقر حاليا عند نحو 2,6% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
والدول المتقدمة حرصت منذ مطلع القرن الماضي على أن تكون لها سياسة وطنية للنهوض بالعلم والتقنية ودعم طاقاتها العلمية الوطنية وتعبئتها لتحقيق خطط التنمية الإستراتيجية .
فعلى سبيل المثال، معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) في الولايات المتحدة الأمريكية، معهد رائد في تشجع الباحثين على العمل بروح الفريق في جميع المجالات مع تخطي الحدود المؤسسية وحدود التخصصات والكليات. وقد أدى ذلك إلى إنشاء علاقات التعاون المشترك بين المعهد والشركات الصناعة والتجارية،ما أثمر عن تأسيس الآلاف من الشراكات والمؤسسات البحثية الرائدة، وقد ساهم في بناء الاقتصاد المعرفي والتنمية المستدامة للولايات المتحدة الأمريكية. بل حل المشكلات التقنية الحقيقية على المستوى العالمي، فهنالك حاليا أكثر من 800 شركة تعمل مع أعضاء هيئة التدريس والطلاب على المشاريع ذات الاهتمام المشترك، ومن بين هذه الشركات العالمية الرائدة؛ شركة بي أيه اي، وبي بي، ودو بونت، وايليكتريكت دو فرانس وشركة ايني، وفورد موتورز، وشركة ميرك، ونوكيا، وشركة نوفارتيس، وشركة كوانتا كومبيوتر، وروبرت بوش، وشركة شل وتوتال، وغيرها كثير....
قد نشط معهد (MIT) في تسجيل براءات الاختراع وترخيص التقنيات ونقلها إلى الصناعة، ففي عام 2009م عمل المعهد على تسجيل 131 براءة اختراع، ومنح ما يزيد على 67 رخصة. ووفقا لدراسة أجرتها مؤسسة ريادة كوفمان في عام 2009م، ما يزيد على 25 ألف شركة تم تأسيسها من قبل المعهد ما ساهم في خلق 3,3 مليون وظيفة وتريليوني دولار في المبيعات السنوية العالمية. كما تصدر المعهد المرتبة الأولى في تمويل الصناعة من نفقات البحث والتطوير بين جميع الجامعات والمؤسسات العلمية وفقا لدراسة أجرتها مؤسسة العلوم الوطنية، حيث بلغت البحوث الصناعية المعرفية التي يرعاها المعهد 116 مليون دولار في عام 2009م، أو ما يعادل 16 في المائة من مجموع تمويل البحوث في المعهد. كما لعب خريجو وطلاب وأعضاء هيئة التدريس في معهد (MIT) دورا رئيسا في إطلاق الآلاف من الشركات الناتجة عن المخرجات البحثية في جميع أنحاء العالم، بدءا من الشركات الصغيرة، المتخصصة في التقنية الفائقة إلى الشركات العملاقة مثل شركة اكاماي وجنينتيك وجيليت وهيوليت باكارد ورايثيون وشركة تيرادن. حيث شكل عديد من هذه الشركات حجر الزاوية في الاستثمارات المعرفية الحديثة على المستوى العالمي، بما في ذلك التقنية الحيوية، والتقنيات الرقمية، والشبكات الحاسوبية المحلية، والدفاع، وشبه الموصلات والحواسيب الصغيرة، والحواسيب المتطورة، ورأس المال الاستثماري. كما أنشأ معهد (MIT) مركز ديشباند للابتكارات التقنية في كلية الهندسة في عام 2002م بهدف زيادة أثر المعهد في الأسواق العالمية، ولدعم مجموعة واسعة من التقنيات الناشئة بما في ذلك التقنية الحيوية، والأجهزة الطبية الحيوية وتقنية المعلومات والمواد الجديدة والتقنية المتناهية الصغر (النانو)، وابتكارات الطاقة. ومنذ عام 2002م، مول المركز ما يزيد على 80 مشروعا وما يزيد على تسعة ملايين دولار أمريكي على شكل منح. كما انبثق عن المركز 18 مشروعا استثمارياً في مجال المعرفة وبرأس مال استثماري يزيد على 140 مليون دولار أمريكي، حيث استثمر في هذه المشاريع ما يزيد على 13 شركة كبرى. بناء على ما تقدم، فإن الاستثمار المعرفي هو المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي. واقتصاديات المعرفة تعتمد على توافر تكنولوجيات المعلومات والاتصال واستخدام الابتكار وتقنيات متناهية الصغر. كما أن الموارد البشرية المؤهلة ذات المهارات العالية، أو رأس المال البشري، هي أكثر الأصول قيمة في الاقتصاد الجديد المبني على المعرفة.
وفي العالم العربي بدأت بعض المحاولات لدعم محدودية ميزانية الجامعات المخصصة للبحث العلمي، ومنها مبادرة المملكة المغربية مؤخرا للبحث العلمي ومبادرة المملكة العربية السعودية والامارات لدعم مباشر لإجراء دراسات وأبحاث في ميادين متعددة، كما فرضت دولة الكويت نسبة معينة من أرباح شركاتها لدعم مؤسسة الكويت للأبحاث العلمية.
وقد أسفر هذا الدعم المباشر عن تسجيل عشرات براءات الاختراعات في المملكة العربية السعودية، التي تحققت في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، إذ حصل المخترعون السعوديون على 13 جائزة عالمية في معرض جنيف الدولي للمخترعين السابع والثلاثين.
بالاضافة الى الحد من هجرة الأدمغة العربية التي عانت ومازالت تعاني من قلة أو انعدام التطور الصناعي والتكنولوجي والاقتصادي، مما افقد مجتمعاتنا القدرة على بناء جهاز علمي وصناعي وتكنولوجي قادر على بناء اقتصاد وطني مصدر وليس مستورد للتكنولوجيا
فالوطن العربي يتكبّد خسائر فادحة من جرّاء تسرّب الكفاءات العلمية وهجرتها إلى الدول الغربية، حينما ينتقل 70 ألفا من خريجي الجامعات العربية بالهجرة سنويا إلى الدول الغربية بحثا عن فرصة عمل، فهل يمكن أن نستثمر فعلا في اقتصاد معرفي وطني يبرع في الاختراعات وينافس بها في الربح سوق التكنولوجيا العالمية ونحن نهجر أكثر من 75% من كفاءات علمية أنفت عليها دولنا منذ التعليم الابتدائي لتقطف ثمارها المتميزة وتستغل مهارات إبداعها واختراعات براعاتها أمريكا وكندا وبريطانيا. ثم تعيد تصديرها لنا بأسماء عربية لكن بعقود أجنبية تفرض علينا ميزانيات تعود بربحها على الدول المحتضنة لأبنائنا!!
إن قضية الاستثمار في مقاولات الأفكار، من القضايا المصيرية التي لا بد من الاستنفار للنهوض بها ،لأنها ترتبط بشكل جوهري بالرؤية السياسية لمجتمعاتنا، فلا يمكن أن نحقق تنمية اقتصادية حقيقية، من دون تحديد العلاقة المباشرة بين أهداف التخطيط للإستثمار في اقتصاد المعرفة وعلاقته بالأمن القوميوبنك المعلومات، وقوة الدولة الاقتصادية والاستراتيجية وقدراتها التنافسية العالمية.
إن مجتمعاتنا تضم كفاءات متميزة إن حسن توظيفها فلا بد أن تنجز كثيرا في المجالات كافة تحت مظلة التعاون بين دول العالم الاسلامي المشترك، وبالتواصل مع مراكز الأبحاث والدراسات العالمية لتبادل الخبرات والكفاءات والمعلومات، وهذا سيؤدي إلى النهوض بالبحث العلمي، الذي ستنعكس نتائجه الإيجابية على القطاعات كافة في دول جنوب جنوب.
مستقبل اقتصاد المعرفة ومقاولات الأفكار في ظل اتفاقيات التبادل الحر :
نظام حماية الملكية الفكرية.
حق الملكية الفكرية هو حق أساسي خاصة مع دخول الدول في التزامات دولية واتفاقيات التبادل الحر مع منظمة التجارة العالمية .وتاريخيا لم يسبق لأي دولة أن تطورت عبر التبادل الحر دون تقوية سياستها الحمائية الاقتصادية، فبريطانيا واليابان وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية نهجوا كلهم في فترة معينة سياسة حمائية. ولم يتم المرور إلى مرحلة التبادل الحر إلا بعد تقوية الاقتصاد الداخلي لمواجهة المنافسة الدولية.
إن اتفاقيات التبادل الحر التي تلزم دولاً ذات مستويات إنتاجية مختلفة وذات فوارق كبيرة جداً، تدرك أن حركة النمو في اقتصاديات المعرفة لن تتحقق فيها بشكل متساوي. كما هي المعاهدات المعقودة بين دول ذات مستويات نمو متقاربة مثل اتفاقية "المركوسور " في أميركا الجنوبية وهي التي تضم دول جنوب شرق آسيا، وأعضاء من الدول النامية، فإن أمامها فرص نجاح اكبر من مشروع منطقة التبادل الحر . .. واليوم يحق لنا ان نتساءل عن مستقبل مقاولاتنا الفكرية وترسانة بنك معلوماتنا المعرفية في ظل اتفاقيات التبادل الحر ؟ بمعنى هل من برامج وسياسة وقائية حمائية لمشاريع ابتكاراتنا العلمية مستقبليا ؟ الكل يعلم أنه وأمام برامج التقويم الهيكلي والخوصصة واتفاقية الشراكة وقيود المنظمة الدولية للتجارة، ستسعى اتفاقية التبادل الحر إلى تكريس المزيد من مرونة الشغل واعتماد الإصلاح القضائي لكي يصبح في خدمة المقاولات الأجنبية الوافدة ؟ . وهنا يحق لنا التساؤل عن كيفية حماية الملكية الفكرية حتى لايتم تقييد الابداعات الوطنية أمام إيداع رخص الملكية الفكرية الأجنبية ؟
هل ارتقينا بتوفير المقوّمات الأساسية التي تُمكِّن الاقتصاد في مجتمعاتنا للإنتقال إلى الاقتصاد المعرفي؟ هل راجعنا أسباب قصور فعالية الاستثمارات الخاصة والحكومية التي وجّهت لتنمية رأس المال البشري ودعم مشاريع التنمية في مقاولات الأفكار لإحداث التغيير المنشود؟ هل أعددنا الاستراتيجيات والسياسات الكفيلة باستغلال المقوّمات المتاحة والكامنة لتفعيل تنمية الموارد البشرية ؟ وبالتالي هل قاربنا في إطار سياسة توازن المصالح بين مصالح مجتمعاتنا وتسريع بناء الاقتصاد المعرفي الداخلي ضمن اتفاقيات التبادل الحر ؟ ألم يكن من الأولوية بمكان تحليل وتقويم الوضع الراهن للاستثمارات فى مجال تنمية رأس المال البشرى (ذكور وإناث) بمختلف القطاعات وعلاقتها باقتصاد المعرفة وفقاً لاحتياجات ومؤشرات وخواص ومحدّدات المجتمع المعرفى الذي نريد الولوج إليه ؟.
هل أعددنا خطط تقدير الأولويات والاحتياجات الحالية والمستقبلية للاستثمارات فى مقاولات الأفكارواقتصاد المعرفة وتحديد دراسة جدوى لسبل تمويلها وآفاق ربحها ، مع تحديد دور كلٍ من القطاع الحكومي والخاص ومجالات المشاركة بينهما؟؟؟
هل وضعنا مشاريع دراسة بين يدي مستثمري سوق المال بالعالم الاسلامي ،واستعراضنا أمامهم نتائج وتجارب الدول الأخرى (متقدّمة ونامية) ذات التجارب المتميّزة فى تحقيق الربح الاستثماري من اقتصاد المعرفة ؟ ألم يحن الوقت لتكاثف الجهود لدول منظمةالمؤتمر الاسلامي لإقتراح رؤية جديدة لأهداف وسياسات وآليات تنفيذية محدّدة لتعزيز وتحفيز الاستثمارات فى رأس المال البشرى ومقاولات الأفكار وبراعات الاختراع، لتتوافق مع متطلبات اقتصاد المعرفة زمن توقيع اتفاقيات التبادل الحر على المدى القصير والمتوسط والطويل؟!!
الحديث عن تصديرالمنتوج الاستثماري يستحضر اليوم ميزان العرض والطلب، ودور القطاعين العام والخاص، ووضع آليات قوانيين حمائية ضد الاستيراد غير المشروع المتمثل في الإغراق أو الدعم، أو الاستيراد المكثف الذي يلحق أو يهدد بإلحاق ضرر جسيم بقطاع الإنتاج المحلي أيا كان وعلى كافة المستويات الاستثمارية .
وتمتلك مجتمعاتنا اليوم عرضا تصديرا غنيا مقارنة مع السنوات السابقة، غير أن جعله تنافسيا بقيمة الاقتصادالمعرفي ،يفترض بالضرورة الاستثمار في البحث والتنمية والابتكار في مشاريع مقاولات الأفكار،ولنا نموذج في تركيا و إسبانيا ودول شرق آسيا تشبهنا من حيث نمط ونوعية الإنتاج، لكن استطاعت أن ترتقي في كيفية تحسين وتقوية جودة التنافسيته والخدماتية . لذلك فما من سبيل سوى تقوية قدرات عرض الاقتصاد المعرفي وتطوير بنك المعلومات المحلي لدولنا لاعتماد التنافسيته، مع العمل على حث المواطنيين بدولنا على استهلاك المنتوجات المحلية من أجل تقليص واردات المنتوجات من الخارج، وهو ما يستدعي تطوير عرض يستجيب لحاجيات الساكنة المحلية. ووضع استراتيجية طموحة لتنمية الصادرات .
علينا الوعي بأهمية القصور في مجال انتاج سوق براعات الاختراع وتصديرها للإستثمار في أرباحها ، فنحن مازلنا في طور المتلقي والمستورد السلبي للمعرفة التكنولوجيا ، الأمر الذي يتطلب منا أهمية الإسراع بتنمية الموارد البشرية ودعم مقاولات الأفكار وحمايتها ،باعتبارها الركيزة الأساسية للتوجّه نحو بناء الاقتصاد المعرفي الذي يمثل السبيل الوحيد لنجاح مجتمعاتنا في مواجهة تحديات الخريطة الاقتصادية العالمية.
فإن كان الاقتصاديون يقدرون أن أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي في دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية يجد مصدره فى التقدّم المعرفى. وازدياد الإستثمار في المعرفة والمعلومات من خلال التوسّع في الإنفاق على التعليم والتدريب والتطوير المستمر لمستويات الأداء المقاولاتي الفكري والمعرفي في القطاعين الحكومى والخاص.
الاستثمار في مقاولات الأفكار استثمار مقاولاتي مربح للخواص والدول:
بمراجعة بعض البيانات التاريخية الاحصائية من عشر سنوات سابقة نجد أن منظمة اليونسكو قد اهتمت بجمع بيانات لمتابعة ما يجري في دول العالم في مجال العلوم والتكنولوجيا من عام 1995م وحتى عام 2000م فنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية أنفقت حوالي مائتي مليار دولار أمريكي في البحث العلمي عام 98م بمعدل 700 دولار للبحوث العلمية والتكنولوجية لكل فرد في العام. وليس هذا نوعا من البذخ بل هو أحد أسباب القوة والسيادة لأمريكا فقد ثبت أن البحوث العلمية تدر عوائد اقتصادية هائلة خاصة مع النمو والتوسع في استخدام هذه البحوث وحسب الاحصائيات في هذا المجال فكل مليون دولار تنفق على البحوث العلمية بأمريكا تحقق عائد 140 مليون دولار وتأتي بعدها اليابان حيث انفقت 73 مليارا على البحوث عام 1998م، وكل مليون دولار قد أعطى عائد يقدر بحوالي 124 مليون دولار وبالاتحاد الأوروبي كان عائد المليون دولار من الإنفاق على البحوث يقدر ب 98 مليون دولار.
ويرجع أسباب هذا العائد الى أن نتائج البحث العلمي تكون بالاتفاق المسبق مع المستفيدين منها مباشرة والتي تحل لهم العديد من المشاكل التي تظهر في التطبيق العملي وبالتالي ترفع من درجة الابتكار والإبداع هذا عن معظم دول العالم المتقدم وبالاطلاع على ما يجري في مجال البحث العلمي وتطبيقاته في دول مثل الهند والصين وهي حضارات قديمة مثلنا ولكنها أدركت في بداري الوقت أهمية البحث العلمي وسبقتنا بمراحل على الرغم من أن النظام السياسي في الهند هو النظام الليبرالي الرأسمالي وفي الصين النظام الشيوعي. ولنتأمل الاحصائيات في الهند والصين نجد أن الهند أنفقت 21 مليار دولار في ذات العام وبمعدل 3 دولارات للفرد فقد غزت الهند أسواق العالم بالبرمجيات المستخدمة في الكمبيوتر مستفيدة من اتقان مهندسيها لهذا المجال. ونجد الصين أنفقت نحو 40 مليار دولار على البحث العلمي عام 1998م بمعدل 4 دولارات للفرد لكبر عدد السكان ويغلب التمويل هنا من القطاع الحكومي. أما الآن وحسب الاحصائيات نجد أن أعلى دولة عربية تنفق على البحث العلمي 03,0 من ناتجها القومي في حين نجد دولة مثل كوريا تنفق حوالي 2% من ناتجها القومي على البحث العلمي هذا بخلاف الاحصائيات في دول أوروبية أخرى كذلك نجد أن عدد الباحثين في أحد مراكز الأبحاث في فرنسا تعادل عدد الباحثين في الدول العربية.
أما بالدول العربية فنجد أن لدينا الطاقات البشرية ولكنها معطلة بسبب عدم الاستفادة من البحوث العلمية لتعطي عائداً عاليا وعدم الإنفاق الحكومي أو القطاع الخاص ومن جهة اخرى نجد أن معظم بحوثنا العلمية تذهب الى الدول الغربية ويتم الاستفادة منها هناك وقد أكد الخبراء في هذا الصدد على ضرورة إعادة النظر في المنظومة الكلية لإدارة البحوث العلمية وتمويلها وتسويقها بجميع الدول العربية. ووضع الآلية للاستفادة من تلك الأبحاث في المجتمع العربي، وهنا نؤكد على أهمية توفير الامكانيات للبحث العلمي وتوفير الموارد المالية والعمل على الاستفادة من الأبحاث ووضعها محل التطبيق ليستفيد منها المجتمع. ولنا هنا وقفة مع مبادرة دولة قطر بإنشاء المؤسسة القطرية لدعم البحث العلمي مع تخصيص 2,8 من موازنة الحكومة لدعم وتمويل البحث العلمي فهي خطوة ايجابية في النهوض بالبحث العلمي ليس في قطر فحسب بل وفي المنطقة.
ويمكن القول إن قضية تنشيط البحث العلمي وتطبيقاته التكنولوجية من خلال الاحصائيات السابقة وفي ظل حماية الملكية الفكرية تحتم على الدول العربية أن تضعها في مقدمة أولوياتها في الاستثمار فهي السبيل لأي تقدم اقتصادي منشود.
بمعنى أصح نحن في حاجة ملحة للتحول من مجتمع المحفوظات ،والكتاب الناسخين للعلوم ،إلى مجتمع يحتضن إبداع العلماء والمبدعين والمهندسين والمصممين والمفكرين وأصحاب المهارات العالية المستوى, مجتمع يحفز على الابداع لايقمعه في مهده مجتمع خالي من الأمية والجهل والتعصب، لإستئصال داء آفة الفقر والفرقة ، مجتمع ينتقل من استيراد المهارات بالعملة الاجنبية،إلى تطوير وتوظيف المخزون الفكري والمهاراتي والابداعي لمواطنيه، يوفر لهم أدوات ووسائل امتلاك المعرفة ، ويدعم المناخ الثقافي الفاعل، لفهم عصر المعرفة وما يحتاجه من تغيرات وتطورات متسارعة في ميدان العلوم والاتصال .
نتحدث اليوم عن مجتمع معرفة ، فهل خطونا نحو عتبته ؟ أم اننا لم نقدر بعد القيمة الحقيقية لمعاني الاستثمار الحقيقي، في استراتيجية رهانات مجتمع المعرفة كأولوية توضع على هرم برامجنا الحكومية ، ومن تم فالمجتمع المعرفي الذي نطمح الولوج اليه ، قد يستدعي منا حزم النفير لتوفير البنى التحتية الأساسية، التي من أولى أولوياتها ،الاستثمار في مقاولات الأفكار والموارد البشرية، فهل نفكر ونخطط حقيقة من أجل حسن الاستثمار في هذه المقاولة المعرفية .؟؟ علينا أن لانبالغ في تخطي مستويات الأحلام ،ونسطر عناوين جذابة في برامجنا ومؤسساتنا وبرامجنا الوزارية التعليمية ، ننمقها بعبارات وفقرات وردية توحي بأننا دخلنا مجتمع المعرفة، ...!! لأن من دخل المجتمع المعرفي حقا ،قد وضع نفسه في طريق المعرفة واقتصاد المعرفة ،وعمل جاهدا على إعادة نظرته للمعرفة وقدر قيمتها، وجعلها بتدبير نفقاتها وميزانية برامج خطط تطبيقاتها في مقدمة أولوياته، ومن خلال منجزاته في هذا الاستثمار،ينظر إلى تقويم واقعه،وتحديد مواقفه وتطوير برامج أطر سوق الاستثمار المعرفي المستقبلي .
مجتمع المعرفة الذي نريد الاستثمار فيه اليوم ، حدد مساره الدين الإسلامي، حين دعا كل المسلمين إلى طلب العلم وتعلمه ،بوصفه فريضة شرعية واجبة على كل شخص، تمكنه من تعلم مالايعلم ، وتفتح له أبواب سبر أغوار البحث والتدبر والفهم والفاعلية والانجاز....لو تمعن أبناء العالم الإسلامي لقيمة فريضة العلم ، كما هي العبادات، لتمكنوا من تأسيس إقتصاد المعرفة بامتلاك قوة إرادة التعلم، وحسن التعبد بفريضته، لتسيير إستراتيجية ترسي نواة قاعدة تكوين رأس المال الفكري لدى أبناء المجتمع، وتكوين بنية تعليمية، علمية،بحثية، بشرية ومادية، تمكن من توطين العلوم في كافة التخصصات، والاخلاص لله (بإقرأ و بالقلم ) لتوليد معارف جديدة، والاجتهاد في حسن عمارة الأرض ،بدءاً من سلم أولويات معرفية تدعم الأنشطة ومراكز الأبحاث ،التي تُحدث تأثيراً قوياً في المجتمع، وتوفر فرص الاستفادة من الخبرات الشبابية الوطنية المتراكمة، عوض إبعادهم بالهجرة وتقديمهم لتوظيف مهاراتهم ،على طبق من ذهب لدول أجنبية ،لم تنفق على مسار تعليمهم، وإنما تستلمهم جاهزين لتوظيف كفاءتهم في تنمية بلدانها ،ويكون الخاسر الأول بلدان تصدير العقول والكفاءات المهاجرة، فكم من الميزانيات تنفق على جمعيات قد تقدم لنا عروضا فنية لمدة يوم او يومين ؟؟ وكم بالمقابل من ميزانيات منحت لمراكز دراسات وأبحاث قد تستقطب كفاءات كانت قد حزمت حقائبها استعدادا للهجرة بعقولها ... ؟!!
فهل بهكذا تدبير موارد وميزانيات ، نستطيع تقويم وتقييم هيكلة تشييد مراكز البحث العلمي والدراسات؟هل بهذا التفاوت في تدبير إنفاق المنح لمراكز البحث والدراسات مقارنة بجمعيات تركز على مجال فني معين، يمككنا الحديث عن تحول حقيقي من مجتمع تقليدي إلى مجتمع المعرفة ؟! أظن أن الطريق مازال شاقا ووعرا للحزم في خط تدشين مشروع تنموي حقيقي،يستثمر في العقول ويبني ناطحات سحاب من طوابق تلون الذكاءات والمهارات ، وفق سوق مقاولاتية تعتمد الفكر بدل الاسمنت الصلب، مقاولات ترتكز على عالم أفكار تستقبل في مكاتب تسويقها المعلومات،وتعيد إنتاجها وفق مصالح توازن مؤسساتها الوطنية ،لتصدرها بمشاريع جاهزة من الاختراعات بربح استثماري ضخم، في سوق المنافسات العالمية،هناك حيث مزايدات ومناقصات تداولات الطلب والعرض .. !!!
دة. مريم آيت أحمد
أستاذة التعليم العالي
رئيسة مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.