لا يختلف اثنان في كون الحق في الأمن هو حق للجميع، يشمل حماية الفرد في حياته، وماله، وشخصه، وعرضه، وممتلكاته، وأهله، وأولاده (...)، وبالتالي فهو حق من الحقوق الأساسية للإنسان، نصت عليه جل المواثيق الدولية، خاصة المادة (03) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، والمادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما تم التنصيص عليه في أسمى قانون البلاد من خلال الفصل 21. وقد كان الأمن أول مطلب لإبراهيم عليه السلام، حيث دعا ربه قائلا: "رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" (سورة البقرة – الآية 126). كما أكد عليه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في حديثه: "من أصبح آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده طعام يومه، فكأنما حيزت له الدنيا". من هذا المنطلق، تتضح لنا جليا أهمية الأمن في الحياة البشرية، فهو من الحاجات الأساسية للفرد، التي لا بقاء له بدونها، فكل ضروريات وكماليات هذه الحياة مرهونة بالأمن. الحق في الأمن في دستور 2011 لا شك أن دستور 2011 شكل قيمة نوعية في اتجاه بناء دولة الحق والقانون، بحيث نص في تصديره الذي يعتبر جزء لا يتجزأ منه على هذا الحق بأن: "المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة". ولهذا خصص المشرع الدستوري الباب الثاني للحقوق والحريات، ونص على مجمل حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 دجنبر 1948) ومنها الحق في الأمن، ونص على حماية منظومتها، مع مراعاة طابعها الكوني وعدم قابليتها للتجزيء. ومن اختصاصات جلالة الملك، الحفاظ على الأمن الشامل لجميع المواطنين والمواطنات، وهذا ما جاء به الدستور في الباب الثالث الخاص بالملكية، خاصة الفصلين 41 و42. الفصل 41 ينص على أن الملك أمير المؤمنين حامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية. وينص الفصل 42 على أن "الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. والملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة". كما تم التنصيص على مجموعة من المؤسسات والهيئات التشاركية في الباب الثاني عشر منه المخصص للحكامة، التي تهتم بحماية حقوق الإنسان وحرياته والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية. وللإشارة، يقول الأستاذ عبد الرحمان الشحشي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، إن "الحكامة بداهة جيدة، فليست هناك حكامة جيدة وحكامة فاسدة. وهذا خطأ في الترجمة الحرفية من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية وقع فيه محررو الدستور". كثيرة هي هذه المؤسسات ومتنوعة، نذكر منها على سبيل المثال المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي هو مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وضمان ممارستها، والنهوض بها، وصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال (الفصل 161). ومن المستجدات التي جاء بها دستور 2011 دسترة المجلس الأعلى للأمن الذي سيضمن لا محال للجميع الحق في الأمن. وحسب الفصل 54، يعتبر المجلس هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد. وعليه، فدسترة هذا الحق تعتبر من أهم المكتسبات لكونه يحقق التنمية وما يصاحبها من تقدم وتطور وازدهار. دور المؤسسة الأمنية في حماية الحق في الأمن إن رجال مؤسسة الأمن الوطني هم الذين يقع على كاهلهم عبء حماية الوطن والمواطنين وفرض احترام القانون. ولهذا اعتمدت المديرية العامة للأمن الوطني، كباقي المؤسسات الأمنية في العالم، مفهوم الشرطة المجتمعية باعتبارها أفضل الأساليب الحديثة لتطبيق فلسفة القرب والاستجابة إلى حاجيات المواطنين الأمنية بالسرعة المطلوبة على مدار الساعة، وتكريس ثقافة الحوار والتواصل والتعاون الجاد مع الشرطة، مساهمة منها في تفعيل المفهوم الجديد للسلطة الذي أعلن عنه جلالة الملك نصره الله سنة 1999. وفي هذا الصدد، شرعت مديرية الأمن في تدريس مادة حقوق الإنسان والحريات العامة للعناصر المتدربة الوافدة على المعهد الملكي للشرطة والمدارس التابعة له، كما تم تدريسها في إطار برنامج التكوين المستمر لجميع العناصر الأمنية بالمملكة، ليكونوا في مقدمة الساهرين على احترام الحقوق والحريات؛ وذلك بهدف تحصين الموظفين ضد أي انزلاقات أو خروقات قد تمس بالحقوق والحريات الفردية والجماعية. في السياق ذاته، وضعت المديرية العامة للأمن الوطني مجموعة من الآليات والوسائل لدعم التكوين في مجال حقوق الإنسان؛ أبرزها إصدار مدونة لأخلاقيات رجال الشرطة تتلاءم والتزامات المغرب الوطنية والدولية الخاصة بحقوق الإنسان. الشرطة باعتبارها الجهاز الأمني القريب من المواطن خول لها المشرع مجموعة من الأدوار بغية ضمان هذا الحق، على رأسها الدور الوقائي الذي تتكلف به الشرطة الإدارية، والدور الزجري الذي هو من اختصاص الشرطة القضائية. تسهر الشرطة الإدارية على استتباب الأمن والحفاظ على النظام العام، والعمل على تحقيق ثلاثة عناصر مهمة، ألا وهي الأمن العام، الصحة العامة، والسكينة العامة. ويعد الدور الوقائي هو جوهر العمل الشرطي، يكون من أجل الوقاية من الجريمة والحيلولة دون وقوعها، بتواجدها في الشوارع الرئيسية والأزقة والأحياء والمدرات وكل الأماكن التي يتواجد بها المواطنون. في هذا الإطار، راهنت مصالح الأمن الوطني على تحقيق الفعالية والجاهزية في تدخلاتها الميدانية في الشارع العام، من خلال خلق قاعات للقيادة والتنسيق مصحوبة بالمجموعات المتنقلة لشرطة النجدة التي تستجيب لنداءات المواطنين، والتي تم العمل بها في مجموعة من المدن المغربية، ولقيت استحسانا لدى المواطنين. في حين نحد أن دور الشرطة القضائية يبدأ عندما تفشل الشرطة الإدارية في مهمتها، أي عند وقوع الجريمة، هنا تتدخل الشرطة القضائية من أجل حل لغز الجرائم المرتكبة، والتعرف على أسباب وقوعها، ومرتكبيها. وهذا ما نصت عليه المادة 18 من ق.م.ج، إذ إن الشرطة القضائية تقوم بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة والحجج عليها، والبحث عن الفاعلين وتقديمهم إلى العدالة. لقد حاولنا من خلال دراستنا الحديث عن الحق في الأمن الذي أصبح من المطالب الأساسية للمواطنين، باعتباره حقا دستوريا تعتمد عليه باقي الحقوق، لهذا عمل المشرع المغربي على دسترته وتوفير مجموعة من الضمانات لحمايته، وتبقى الأجهزة الأمنية هي الجهاز الأول المكلف بحماية وضمان هذا الحق. وبالتالي، فإذا كان الأمن يعتبر عنصرا شاملا، فإن مسؤولية الحفاظ عليه لا تقتصر على الأجهزة الأمنية وحدها، بل أصبحت مسؤولية جماعية تهم كافة المتدخلين، بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني، والأسرة، والأفراد، والإعلام.