اطّلعت أمس على أخبار هذا الوطن الّذي يسكن فيّ أكثر ممّا أسكن فيه، وصدفة حطّت بي الرّحال في عاصمة الشرق. ولا أخفيكم أنّني انفعلت كثيرا على غير العادة وأنا أقرأ أنّ السّيّد عمر احجيرة ينوي هدم منزل فخامة رئيس الجمهوريّة الجزائريّة الديمقراطيّة الشّعبيّة، لأنه آيل للسقوط ويهدّد سلامة الجيران. بل إنه راسل القنصل العام الجزائري للوصول إلى اتفاق حول من يقوم بالهدم؛ أسرة فخامة الرئيس أم سلطات المدينة. للحظة تصوّرت أن يتصل السيّد القنصل العام بفخامة الرئيس يلتمس منه التوجّه إلى مدينة وجدة على متن أوّل جرّافة ويجتثّ ما تبقّى من ذكرياته بالمغرب، أو أن يكلّم أخاه السيّد السّعيد بوتفليقة ويطلب منه تفويضا للسّيد رئيس الجماعة الحضريّة لوجدة بأن يقوم بذلك. وبعد هنيهة حاولت تغيير المواقع في القصّة إلى درجة أدنى من المقام الأول، تخيّلت أن يتّصل مواطن من الدّائرة الثّامنة بالعاصمة الفرنسيّة ويطلب من السيد عمر احجيرة أن يلتمس من الوزيرة المعلومة أن تهدم شقّة وتحتفظ بأخرى أو سيتدخّل هو شخصيّا لفعل ذلك، ولم أجد نهاية منطقيّة للقصّة. فعرفت أن "البغرير"–مع كامل احترامي للبغرير أو خرينغو بلهجة الشرق-قد قفز من المقرّر الدّراسي إلى الممارسة السيّاسيّة للسّيّد الرّئيس. لست أدري ان كان السّيّد عمر احجيرة يمارس غواية القراءة أم لا. وما إذا سنحت له الفرصة لقراءة رائعة "الخميائي" للكاتب البرازيلي باولو كويلو. في هذه الرّواية يرى الرّاعي سانتياغو حلما غريبا أنه يعثر على كنز قرب أهرامات مصر، لكنّه عند وصوله إلى هناك يتعرّض للسّرقة والضّرب المبرح من طرف اللّصوص. بيد أن أحدهم بسخريّة سيقول له: "يا للقدر، الآن عرفت أين يقع الكنز بالضّبط". فيعود سانتياغو إلى ريف الأندلس ويجد كنزه تحت الشّجرة الّتي رأى عند ظلّها الحلم. لست أبالغ وأنا أشبّه السيّد الرئيس عمر احجيرة بالرّاعي سانتياغو شريطة أن يكون حلمه فتح الحدود البريّة بين الجزائر والمغرب، بعيدا عن لغط المخدّرات والحشيش، قريبا من شوق العائلات والأصدقاء الذين حرمهم السّاسة بأنانيّتهم وغرورهم من وجوه بعضهم البعض. بدل أن تلتمس أو تهدّد بالهدم، ضع بداية دعامات تقي سكّان المدينة القديمة من قسوة الأقدار التي تنهش أجساد المغاربة في فاس والدار البيضاء وغيرهما من المدن العتيقة، التي بدل أن تتحوّل إلى موارد للرّزق كما يحدث في كثير من بلدان العالم، تصبح تهديدا حقيقيّا لحياة السكان. وبعد أن تعقلها، توكل على الله وخذ بأسباب أخرى. انجز دراسة علميّة لتحويل المنزل إلى معلمة أثريّة، أو متحف رئاسيّ صغير، أو أضعف الإيمان مقرّ جمعيّة أخوّة ولا أقول صداقة مغربيّة جزائريّة. ازرع في الجيل الحالي بذور الوطنيّة والأخوّة الصادقة، وذكّرهم بفضل المغاربة على الجزائريّين، وفضل الجزائريّين على المغاربة، بدل تسليط الضوء ليل نهار على موقف الجزائر على قضيّة وحدتنا الترابيّة. فأنت حتما تعلم ماذا خسرت وجدة، والسعيديّة وبركان والنّاظور، والشرق عموما بعدما أغلقت الحدود. تعلم تماما حجم الكساد الذي ضرب المنطقة وعدد الفنادق والمطاعم التي أغلقت. حتما أنت تمشي في الأسواق التي كنت تمشي فيها شابا أيّام الحدود المفتوحة وتدرك الفرق. بعد أن تنجز الدراسة وتعرف تكلفتها، قدّم للقنصل العام مقترح إعلاء راية بلاده واسم رئيسه في بلد شاء القدر أن يكون مسقط رأسه، بدل أن تهينه وتهين شعبا كاملا بالتهديد بهدم منزل رئيسه. اطرق أبواب وزارة الثقافة الجزائريّة، جنّد معك المجتمع المدني، وأعضاء المجلس البلدي معارضة وأغلبيّة. تواصل مع الجمعيّات الجزائريّة، وضع اللبنة الأولى لحلم لا أريد أن أشيخ لأراه بأمّ عيني، وكأنّني أعيش في احدى الكوريّتين. بل حتّى الكوريتين عادتا إلى رشدهما، ونضج الزّعيم الشّاب نسبيا والبقيّة تأتي فترقّبوها. وحتما ستجد على الضّفة الأخرى قلوبا مفعمة بالوطنيّة والإسلام، ستسعى معك إلى الخير والسّلام. وإذا افترضنا أنّك لم تجد، فاستثمار المجلس في هذا العمل الإنساني والثّقافي سيكون مربحا ماديّا ومعنويّا للمدينة، حتّى عندما تغادر أنت منصبك أو هذا العالم. وسيخلّد تاريخ المدينة اسمك حينما تقبر أسماء كثيرة. ستحتاج المعلمة مسيّرا واحدا على الأقل بدوام كامل، وحارس أمن على الأقلّ بدوام كامل، وقد تكون سببا في أمن المدينة القديمة وطمأنينتها. وقد تفتح مطاعم ومقاه في ضواحي المكان، وقد تدفع من يأتي بعدك إلى النظر إلى قيمة المدينة القديمة أبعد من الخزّان الانتخابي. وقد يجدّدون الثّقة فيك وفي حزب الاستقلال إذا رفع عنهم التهميش. ختاما أقول للسّيّد احجيرة، إن لغة الدّمار والتّدمير سهلة ويمكن أن يتقنها أي جاهل أو معتوه نصادفه في صناديقنا الزّجاجيّة. أمّا لغة البناء والتّشييد، فصعبة ولا يتقنها حتّى الجهابذة لأنها تتطلّب إلى جانب العلم، الوطنيّة الصّادقة ونكران الذات. فلا تكن كالرّاعي سنتياغو تنشد البناء من اللّجنة التنفيذيّة أو استديوهات القنوات التلفزيّة، لأنّك ستخيب حتما، وباشر من مكانك، وتحديدا من المدينة القديمة، فأنت تملك كنزا لا يملكه العديد من المسيّرين في العالم. وتذكّر أن مدينة وارسو رمّمت بالكامل رغم هنجعيّة النّازيّين، فقُبر النازيّون وظلّت المدينة قبلة للسيّاح تخبرهم عن أسرار صمودها وأسرار من مرّ من هناك من خيار البشر وأشرارهم. فيا عمر لا تكن من أشرار التّاريخ، بل من أخيارهم.