رغم كونه يبدو متحفظا وكتوما، إلا أن توفيق الجغم أستاذ التعليم التأهيلي بثانوية وادي المخازن بمكناس، يظل اسما بارزا كنسخة طبق الأصل ل"للمدرسين-المناضلين" الذين يجدون من تلقاء أنفسهم من أجل أن تكون لكافة التلاميذ فرصة الاستفادة من المدرسة العمومية. وبتوشيحه من طرف الملك محمد السادس بوسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط، عن جهوده في مجال تقنيات التواصل والتنشيط، وتطوير القراءة والكتابة باللغة الفرنسية، يحصد السيد الجغم ثمار جهود مضنية من دون شك، ولكن ثمار شغف متعاظم بمجال يحظى بأولوية اجتماعية. ويرى الجغم الزمن بطريقة مغايرة مثله مثل أي إنسان شغوف، حيث يسخر كامل وقته للكتب والتعلم "أنا مهووس بالكتب والثقافة، وذلك ما أحاول نقله ، بطريقة أو بأخرى ، لتلامذتي"، يقول في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء. ويعتبر الأستاذ الجغم، المؤطرة حياته اليومية كما داخل فصل ، أن نجاح دروسه بين جدران القسم يكمن في قاعدة "ذهبية" تتمثل في تقاطع مراكز اهتمام وتطلعات المتعلمين مع متطلبات تعلم اللغة الفرنسية، والعمل وفق مقاربة بيداغوجية قائمة على علاقة الثقة والاحترام بين المتلقي وأستاذه. ولم يزغ عن تطبيق نفس المقاربة في تدريس اللغة الفرنسية بكل المؤسسات التعليمية التي مر منها كثانوية النخيل في أكدز (ورزازات) ومؤسسات بسيدي سليمان والحاجب، والنتيجة إيجابية، حيث أن هدفه كان إعطاء معنى للقراءة وتحبيبها للتلميذ. ولازال الاستاذ الجغم متشبثا بالمنهج ذاته بالثانوية التأهيلية (واد المخازن) بجماعة ويسلان في مكناس التي عاد إليها سنة 2008، مجددا العهد بمدينته "العزيزة" مسقط رأسه، حيث يسعى لإفادة تلامذتها بتجربته البالغ عمرها 30 سنة. لإثارة انتباه مراهق لديه اهتمامات أخرى، وجعله يحب اللغة الفرنسية، ليس هناك عصا سحرية، بل يكفي الاستعانة بالسمعي البصري، وتنظيم ورشات للكتابة تمكن المتعلمين من التواصل مع الكت اب الشباب، ومحاولة كتابة أبيات شعرية ونصوص موزعة بين الواقع والخيال وقصص بوليسية، أو برمجة أنشطة ترفيهية تروم ، وبكل تلقائية ، رفع الحس التعبيري بالكلام لدى التلميذ. ويوضح الجغم، الخمسيني العمر لكن بطاقة شابة، أنه "عبر ممارسة القراءة بكيفية منتظمة شهريا، أسعى لترسيخها كمتعة لدى المتعلمين، وذلك ليس إلزاما وإنما اختيارا، يليها عرض شفوي لتشجيع التلاميذ على التنافس فيما بينهم ودفعهم لتحدي أنفسهم، مع إقران ذلك بإغرائهم بهدايا رمزية". وحسب المتحدث، فإن السبب الآخر للنجاح يكمن في العلاقة بين المدرس والمتلقي والمنبنية على الثقة والاحترام، حيث أحدث عنوانا إلكترونيا كمنصة لتبادل الرأي بين الطرفين ومركزة جميع أعمال ومشاريع التلاميذ. كما يصر على أهمية "الجرأة على ترك جدران المؤسسة التعليمية لحضور الأنشطة الثقافية لاسيما تلك المنظمة بمبادرة من المعهد الفرنسي بمكناس، والتردد على الخزانات والمكتبات لتعزيز متعة القراءة. وهذه طريقة أكثر فعالية لتشجيع التلاميذ على ممارسة القراءة والكتابة وتحبيبها إليهم". ويعتقد على أن الإبقاء على شعلة هذه الممارسة متقدة رهين بالمدرس الذي عليه ، بدوره ، ألا يتوقف عن التعلم. "مساري التكويني لم يتوقف عند تكوين أكاديمي صرف وعادي"، ذلك أنه بعد حصوله على دبلوم من المدرسة العليا للأساتذة بمكناس سنة 1980 وبعدها دبلوم من مدرسة في دوي بشمال فرنسا "لم يفقد أبدا شهية التعلم". وقد تابع عشرات التكوينات سواء بالمغرب أو بالخارج، خاصة في المجال الديداكتيكي وتعليم اللغات، وهندسة تكوين المكونين، والتربية على الصورة، واستعمال أدوات الإعلاميات في تعلم اللغة الفرنسية، وإعداد تسلسل بيداغوجي، وتشجيع متعة القراءة لدى المتعلم، فضلا عن تطوير تقنيات التنشيط داخل الفصل الدراسي. ولذلك كان التوشيح بوسام ملكي أفضل اعتراف بهذا المسار التعليمي المتواصل، وهو توشيح يرى فيه الأستاذ الجغم "تكريس لثقافة التعلم، ومسؤولية، وتحفيز على بذل مزيد من الجهد، في أفق تحسين مستوى التلاميذ ومرافقيهم في مسار تحقيق أفضل النتائج". وخلص إلى أن "التوشيح الملكي التفاتة مولوية تجاه كافة المدرسين بالمغرب، ستمنحهم شحنة جديدة وانطلاقة أخرى وطاقة متجددة من أجل متابعة تحسين ممارساتهم البيداغوجية وتقنيات التنشيط والتعلم". للإشارة، توفيق الجغم كان بين من أساتذة وأطر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي الذين أنعم عليهم الملك بأوسمة ملكية، يوم 17 شتنبر الجاري بالرباط، خلال حفل تقديم الحصيلة المرحلية والبرنامج التنفيذي في مجال دعم التمدرس وتنزيل إصلاح التربية والتكوين. *و.م.ع