تعتبر الخدمة العسكرية مؤسسة قديمة، سواء كانت إجبارية أو اختيارية، عرفتها جميع جيوش العالم؛ بما فيها الدول العربية، والمغرب ليس حالة استثنائية عن باقي الدول العربية، حيث إن المملكة المغربية شهدت الخدمة العسكرية منذ عام 1966 بموجب ظهير شريف أصدره الملك الراحل الحسن الثاني. فبالرغم من أن هذه الخدمة تشمل جميع المغاربة بدون استثناء، باختلاف أشكالهم وطبقاتهم الاجتماعية، وبالرغم من كل ما تشكله من قيم الإحساس بالانتماء إلى الوطن والتعايش الاجتماعي بين جميع الفئات بشكل أفقي؛ فإنها قد تشكل آلية لتطعيم العصابات المنظمة داخل وخارج بينية الدولة، وهو ما يستلزم توخي إستراتيجية استشرافية لما بعد انقضاء مدة هاته الخدمة. وبالتالي، يجب التعامل بشكل دقيق وحازم مع الأفواج التي ستستفيد من الخدمات العسكرية من خلال نهج مخطط تتبع طويل الأمد مرتبط باندماجهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بغية ضمان التفعيل السليم لأهداف الخدمة، المتمثلة في تكوين المواطن المغربي تكوينا عسكري ممنهج يستطيع من خلاله أن يقوم المنخرط في صفوف الجيش بواجب الدفاع عن حوزة وطنه في جميع الظروف، بالإضافة إلى تكوين هذا المواطن تكوينا فنيا ومهنيا من شأنه رفع مستواه الاجتماعي وتأهيله إلى المساهمة في النمو الاقتصادي للبلاد، وتقوية روح الامتثال ومزايا الإخلاص والإيثار والتضحية في سبيل القضايا التي تتجاوز المصالح الفردية إلى المصالح العليا للأمة لدى أفراد الشعب. إن إعادة النظر في إلزامية الخدمة وجعلها اختيارية من قبل الأفراد قد يساعد في جعل الراغبين بالتجنيد يتمتعون بإرادة قوية في الخدمة بروح عالية دون الإحساس بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد إجراء إلزامي مرتبط بمرحلة معينة، بالإضافة إلى تيسير اندماج عدد منهم في صفوف القوات العسكرية بغية امتصاص العدد الهائل من البطالة في صفوف الشباب وأيضا جعل هاته الآلية خطوة للتضامن الاجتماعي داخل الأسر الفقيرة. جدير بالذكر أن العديد من الدولة العربية، منها دول خليجية، كانت قد أوقفت هاته الخدمة لمدة تزيد عن 16 سنة بسبب الأوضاع السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة، لا سيما بعد تفاقم الجماعات والعمليات الإرهابية بالمنطقة العربية. كما أن الوضع الحالي يتطلب المزيد من الحدر؛ فكل دولة لها خصوصياتها السياسية وأولوياتها تتمثل في ضمان الأمن الداخلي وسد الطريق أمام التطرف العنيف بشتى الطرق والإمكانات. وبالتالي، فإعادة إحياء الخدمة العسكرية في بلدنا تعد خطوة كبيرة في الفترة الحالية، خصوصا أن المجلس الأعلى للأمن لا يزال لم ير النور بعد. وبالتالي، تستلزم هاته الخدمة المزيد من التشاور ونهج سياسات أمنية استباقية، حيث إن تكوين آلاف الشباب أغلبهم مراهقين على حمل السلاح أمر جاد يتطلب المزيد من الحدر، خصوصا ما بعد استيفاء المدة المحددة للخدمة وفي ظل انتشار البطالة والتهميش للشباب، واقتصاد ضعيف لم يستطع بعد احتضان عدد من العاطلين عن العمل يمكن أن تتحول هاته الخدمة إلى آلية لتطعيم الحركات المتطرفة وبالتالي يصبح استقطابهم بديل عن البطالة والفراغ. لا يجب أن ينظر إلى الخدمة العسكرية من جانبها الوطني فقط؛ فلا أحد يجادل على ذلك، ولكن يجب أن يتم التعامل مع مخرجاتها بشكل صارم يتطلب رقابة قوية وإستراتيجية استباقية لما قد تسفر عنه من سلبيات وخيمة. كما أن هاته الخدمة يجب أن ترفق ببديل فعال يستطيع معه "الشاب العسكري" الاندماج في سوق الشغل وتجويد نمط عيشه، آنذاك يمكننا أن نطمئن بما قد تنتجه الخدمة العسكرية من شباب طموح يافع مليء بالحماس والوطنية. *باحث ومحلل سياسي