يحتضن رواق أرشيف المغرب معرضا يستعرض تاريخ مصبّ نهر أبي رقراق الذي ينبع من منطقة مريرت بجبال الأطلس المتوسط، ويقطع 240 كيلومترا، حتى يصُبَّ في المحيط الأطلسي المشتهر قديما ب"بحر الظلمات". ويحاول معرض أرشيف المغرب تتبّع الحضارات التي نشأت على ضفتي المصب؛ ومن بينها إمارة بني يفرن التي أنشأت مدينة سلا على الضفة اليمنى لأبي رقراق في القرن 10 أو 11 الميلاديَين، والحضارة الموحّدية التي أسّست صومعة حسّان في القرن الثاني عشر الميلادي. تاريخ "بورقراق" يتضمن المعرض صورا تاريخية دالة توقظ وعي ناظريها؛ فمن مستودعات التخزين بميناء الرباط-سلا في القرون الغابرة، إلى صور بحارة مغاربة بالجلابيب والعمائم، وصور صومعة حسان وهي تتوسط الخلاء في مطلع القرن الماضي، إضافة إلى صور قصبة الوداية التي أسسها المرابطون في القرن الحادي عشر وهي محاطة بالجنان، ورسوم تتمثّل السفن الشراعية التي كان يبحر بها المغاربة في القرن 17، ورسوم للجهاد البحري الذي كانت تعرفه مدن أبي رقراق، وصور النقل الذي كان يجري بين ضفتي أبي رقراق والذي مازال مستمرا بنفس الصورة اليوم. كما يجد زائر المعرض وثائق تاريخية ضاربة في القدم؛ مثل الرسالة المتعلقة بافتداء الأسرى الفرنسيين التي تعود لسنة 1688، ورسالة وجهها محمد بنسعيد إلى السلطان محمد بن عبد الرحمن بشأن تنظيم الحبوب بالعدوتين سنة 1868، ورسالة من ناظر الأحباس بالعدوتين إلى الوزير الطيب بن اليماني بسبب امتناع بعض الصيادين عن دفع أرباح صيد سمك الشابل لفائدة الأحباس سنة 1867، ورسالة من الناظر نفسه إلى السلطان بخصوص وقف صيد سمك الشابل لفائدة أئمة المساجد والشرفاء وطلبة العلم سنة 1863، إلى جانب بيانات مؤن القائمين على مرسى العدوتين سنة 1889، ووثائق تاريخية أخرى. ويستشهد المعرض بكتاب للمؤرخ عبد الإله الفاسي يذكر فيه أن "ميناء العدوتين كان نشيطا قبل النصف الثاني من القرن الماضي (...) فكان يستقبل أثواب الهند القطنية والموسلين والمعادن من فولاذ وحديد، والتوابل والعقاقير والزليج والزجاجيات؛ أما صادراته فكانت الأصواف بالدرجة الأولى ثم اللحاء والأصماغ والجلود وعظام الحيوانات والحبوب أحيانا وزيت الزيتون والخضر الجافة...". كما يستحضر المعرض حديث المؤرخ المغربي محمد حجي عن الجهاد البحري الذي عرفته مدن أبي رقراق، والذي تعزّز بدار صناعة السفن الجهادية بسلا أيام المرينيين، وقيام حركة المجاهد العياشي السلوي والدلائيين في وجه محتلي الثغور المسيحيين بعد أفول نجم السعديين، وانطلاق "حركة الجهاد البحري المعروفة عند الإفرنج بقراصنة سلا كحركة تطوعية قبل أن تصبح حركة رسمية مدعّمة من طرف المولى إسماعيل ومحمد بن عبد الله.."، استمر نشاط أسطولها قرابة أربعة قرون، وامتد في المحيط الأطلسي، وبحر الشمال، وجزر الأنتي. ملتقى حضاري يذكّر معرض أرشيف المغرب بأن مصب نهر أبي رقراق كان مجالا مبكّرا للاستقرار البشري بشمال إفريقيا بفضل استفادته من إيجابيات موقعه الذي تتصل فيه اليابسة بالمحيط. وحسب دليل رواق أرشيف المغرب فإن "بورقراق" ساهم بشكل كبير في الانفتاح على الحضارات السائدة التي انفتحت بدورها على ساكنة المنطقة، وأثّرت في تطوير مهاراتها وإغناء مَعارفها؛ وهو ما أدى إلى ازدهار واحدة من أهم الحضارات برحاب أبي رقراق. وتحدث الدليل عن الفينيقيين الذين وصلوا إلى شالة منذ القرن السادس قبل الميلاد وقايضوا البضائع مع الأهالي، كما ذكر بقدوم الرومان عبر نهر أبي رقراق في القرن الثاني الميلادي، وحماية هذا النهر أمراء بني يفرن ضد تهديدات البرغواطيين في القرن التاسع الميلادي؛ وهو ما مكّنهم من تشييد نواة المدينةالإسلامية على الجانب الأيمن من النهر لتمتد إلى ضفته اليسرى بعد بناء المرابطين رباط تاشفين الذي تطور مع قدوم الموحّدين، وتواصل توسع وحداته العمرانية مع المرينيين، والسعديين، والعلويين، وصولا إلى عهد الحماية الفرنسية بالمغرب "التي شكلت منعطفا آخر في تهيئة وتعمير ضفتي مصب النهر". ومن مزايا نهر بورقراق التي يوردها "دليل رواق أرشيف المغرب" بالغُ تأثيره في تطور المكون الثقافي والاجتماعي والاقتصادي داخل هذا الفضاء العمراني؛ فقد كان للوادي دور كبير في إغناء المضمون البشري وتطوير نشاط التبادل ومختلف الأنشطة الاقتصادية؛ فضلا عن إتاحته فرصة الانفتاح على الآخر وثقافته، وتوفيره حماية طبيعية لردّ عدوان هذا الآخر، وهو ما أغنى في آخر المطاف التراكم الذي يميّز اليوم الموروث المادي واللامادي لمصبّ أبي رقراق.