بعد أن اختارت فئة من الفرنسيين، خصوصا أنصار الحزب الاشتراكي، ممثل هذا الأخير في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجرى في ربيع 2012، اتضحت إلى حد ما خريطة الصراع بين المنافسين و كذا بين التيارات السياسية من أجل الظفر بكرسي رئاسة الجمهورية الفرنسية. الظاهر أن السباق نحو الإليزيه لن يخرج عن المرشحين الأربع الأكثر جدالا و الأكثر إثارة و هم: السيد نيكولا ساركوزي، الرئيس الحالي و ممثل حزب اليمين (الإتحاد من أجل الحركة الشعبية) و السيد فرنسوا هولاند، ممثل حزب اليسار (الحزب الاشتراكي) و السيدة مارين لوبن، ممثلة حزب اليمين المتطرف (الجبهة الوطنية) و السيد فرنسوا بايرو، ممثل حزب الوسط (الحركة الديمقرا طية). هؤلاء المرشحين، بالإضافة إلى آخرين أقل تأثيرا كالوزير الأول السابق السيد دومينيك دوفيلبان عن حركة "جمهورية متضامنة"، سيكونون على موعد مع حملة انتخابية ستنطلق بعد خمسة أشهر من الآن، وبالضبط في 9 ابريل/نيسان من السنة المقبلة. عدة فرضيات يمكن استشرافها خلال هذه الانتخابات؛ في اعتقادنا الشخصي ثلاث فرضيات هي الأقرب إلى السيناريو المحتمل، سنقدمها بناءا على قراءة للوضع السوسيو- اقتصادي الحالي لفرنسا، و بناءا على التحالفات الممكنة في حالة إجراء الدور الثاني. الفرضية الأولى، تبدو في نظرنا هي الأقوى، مفادها أن ممثل الحزب الاشتراكي السيد فرنسوا هولاند سيفوز في الانتخابات منذ الدور الأول. ما يفسر هذه الفرضية، هو نزول شعبية الرئيس الحالي بحكم أن ولاياته الحالية عرفت خلالها فرنسا مجموعة من الهزات، خصوصا على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي، إذ لم يستطع السيد ساركوزي تدبير مرحلة الأزمة المالية العالمية في بلاده بشكل جيد. الرئيس ساركوزي يتهم بتقربه من البورجوازية الإعلامية و كذا أرباب المقاولات، بالمقابل همش الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا من الأزمة العالمية. وبذلك، ستحاول هذه الفئات "الانتقام" عبر منح صوتها إلى مرشح اليسار، فرنسوا هولاند. هذا الأخير رغم افتقاده للتجربة الحكومية يتوفر على حظوظ كبيرة للفوز في الانتخابات الرئاسية، لتبنيه لمواقف متقدمة، تهم بالأساس التبادل التجاري بين الدول بناءا على مبدأ "التبادل العادل"، و غيرها من الاقتراحات على المستوى الاقتصادي و الصناعي التي ستعلن القطيعة، في حالة فوزه، مع سياسات الرئيس الحالي. الفرضية الثانية، تذهب منحى فوز السيد ساركوزي في الدور الثاني بصعوبة على ممثل اليسار، السيد فرنسوا هولاند بعد خروج السيدة مارين لوبين من الدور الأول بسهولة. سيفوز ساركوزي بعد منح ناخبي الوسط و اليمين المتطرف أصواتهم له في الدور الثاني بحكم التقارب الإيديولوجي بين اليمين و اليمين المتطرف من جهة، و بحكم التحالف الذي قد ينشأ، خلال نفس الدور، بين اليمين و الوسط من جهة أخرى، خصوصا إذا أخدنا بعين الاعتبار تصريح زعيم هذا الأخير، السيد فرنسوا بايرو، إذ أعلن بعد فوز فرنسوا هولاند في الانتخابات الأولية للحزب الاشتراكي أن التحالف مع الاشتراكيين يعد من المستحيلات، مما يعني إمكانية تحالف الوسط مع حزب ساركوزي، "الإتحاد من اجل الحركة الشعبية". الفرضية الثالثة، تبقى ضعيفة في نظرنا، يمكن اختزالها في كون الانتخابات الرئاسية المقبلة ستعرف فوز السيد نيكولا ساركوزي بعد وصوله إلى جانب ممثلة اليمين المتطرف السيدة مارين لوبن إلى الدور الثاني، و خروج ممثلي اليسار و الوسط منذ الدور الأول. ما قد يفسر فرضية فوز السيد ساركوزي في الدور الثاني على السيدة مارين لوبن، هو أن الناخبين الفرنسيين لم يصلوا بعد إلى مرحلة الاقتناع من اجل اختيار امرأة كرئيسة للجمهورية (المرأة الفرنسية حصلت على حق التصويت سنة 1944، بالمقابل المرأة الأمريكية منح لها هذا الحق منذ 1920، ومع ذلك فهذه الأخيرة لم تلج بعد البيت الأبيض كرئيسة للولايات المتحدةالأمريكية)، هذا المعطى سيدفع عدد من الناخبين، الذين لا يروقهم خطاب اليمين المتطرف وفي نفس الوقت لم يكونوا راضين عن سياسات السيد نيكولا ساركوزي خلال ولايته الأولى، إلى منح صوتهم في الدور الأول إما إلى مرشح الوسط فرنسوا بايرو أو مرشح اليسار فرنسوا هولاند، إلا أنهم سيضطرون إلى التصويت في الدور الثاني لصالح السيد نيكولا ساركوزي بسبب عدم وجود اختيار أخر غيره، انطلاقا من مبدأ "السيئ (ساركوزي) أفضل من الأسوأ (مارين لوبين)". انطلاقا من الفرضيات الثلاث، يمكن القول أن السيدان فرنسوا هولاند و نيكولا ساركوزي هما المرشحان الأوفر حظا للفوز. في اعتقادنا، سوف يلعب العامل الاقتصادي لفرنسا و تأثره بالأزمة العالمية دورا كبيرا في اختيار الناخبين لهذا المرشح أو ذاك. وبالتالي فالاقتراحات البديلة التي سوف يقدمها كل مرشح للخروج من الأزمة سوف تكون هي نقطة الحسم في الاختيار الذي سيقوم به الناخبون؛ عكس الانتخابات الرئاسية السابقة التي فاز فيها السيد ساركوزي بحكم تأثر نسبة كبيرة من الناخبين بشخصيته "الكاريزماتية" أكتر من تأثرها ببرنامجه السياسي. *باحث في سلك الدكتوراه بجامعة فيرسايل، باريس [email protected]