قراءة في كتابي «PSYCHOLOGIE COLLECTIVE ET ANALYSE DU MOI» لسيجموند فرويد .. و «PSYCHOLOGIE DES FOULES» لغوستاف لوبون (ج6) *يسعى أفراد الجمهور للتأكد من حب الزعيم لهم، لأن الزعيم ليس في حاجة للحب ما دام محبوبا بقوة الأشياء، ونرجسيته موغلة ومطلقة. *حاجات التغوط والتبول في أماكن عامة، في المؤسسات التعليمية مراكز التكوين ومخيمات التدريب، تفرض حياة مشتركة، عدا حالة الجماع. *تزول عن الجمهور الشخصية الواعية وتغلب عليه العاطفة والاندفاع، وبالتالي فهو يعيش حياة نفسية لاواعية بدائية متسمة بالنكوص. أعتقد أنه كلما ابتعد الفرد عن الجمهور النفسي، وغرد لوحده، إلا وبلغ درجة الإبداع، لأن عملية التفرد تتيح له مجالا أوسع للتفكير والموضوعية، بعيدا عن التقليد واتباع الجماعة، التي تشكل الجمهور في بدائيته، فيتحرر بذلك من تلك العقلية التي تحكمها غريزة القطيع. الليبيدو والنرجسية بين جمهور حنبعل وجمهور اليهود، القائد العسكري القرطاجي حنبعل، المتوفى سنة 182 ق م، قاد خلفه جيشا قرطاجيا ضخما، فاجتاز به جبال الألب، وصولا إلى حوض نهر البو بإيطاليا، فغزا الإمبراطورية الرومانية في عقر دارها، وهزم جيشها شر هزيمة، وحاصرهم ما يناهز 15 عاما، حتى أضحى أسطورة تتداول إلى يومنا هذا، ليس بين العسكريين فقط، ولكن بين كل مهتم بالتاريخ القديم والبطولات، وهي الحرب التي عرفت بالحرب البونيقية الثانية، مات بعد ذلك بعد هزيمته، حيث تناول السم كي لا يقع في الأسر، والقصة معروفة ... إذ يمكن تناول قصة حنبعل من عدة جوابا، منها التكتيك العسكري، والجانب الأسطوري لشخصيته كبطل سعى لتحرير قرطاج من تسلط الرومان ...، لكن الذي يهمنا في هذا السياق، هو شخصية قائد الجمهور النفسي، الذي انساق خلفه في عملية يمكن وصفها بالانتحارية، انساق خلفه الآلاف من الجنود، لأن القائد وحده من يتكتك ويخطط ويبادر، فهو محور جميع العمليات، ومعلوم أن حرب حنبعل حكمها الذاتي أكثر من الموضوعي، وهو التشبع بروح الانتقام من الرومان وهيمنتهم، فاستطاع أن يكون ذلك القائد الذي له من الهبة والذكاء والقوة والكاريزما، ما يجعل جيشا بالآلاف ينصاع له، وفي حالة جيش حنبعل، هو جمهور منظم له قائد معروف، ولو أن الأمر انتهى به بعد 15 سنة إلى التهلكة والفناء، وتسببت الحرب البونيقية الثانية التي قادها في فناء الآلاف من البشر، معظمهم جمهور ينصاع للأوامر، جمهور اصطناعي، سواء من طرف حنبعل القرطاجي، أو من طرف القيادة الرومانية التي ضحت بآلاف من مواطنيها لتبقى روما قوية، كما قدم حنبعل نفس التضحية ليبقى اسمه أسطوريا خالدا، لكن السؤال الذي يمكن طرحه في هذه الأحوال، هل الزج بجمهور نفسي في حمامات دم، من خلال حروب للتقتيل والسطلة والمال والانتقام، هو مدعاة للفخر والبطولة؟؟ في حالة حنبعل، إن الجيش، باعتباره جمهورا نفسيا بدائيا، لم يكن له مجال للتفكير المتفرد، وإلا كان سيتمرد، بدليل أن عددا من جنود حنبعل لاذوا بالفرار، نعتقد أنهم فكروا بمعزل عن القطيع، وهي حالات لا يمكن الاعتداد بها في تحليلنا هذا، ولكن لابد من أخذها بعين الاعتبار، للبرهنة على أن الفرد بمجرد شروده عن الجمهور، سوف يفكر ويبدع ويقرر أيما كان القرار، لأن المهم هو اتخاذ القرار، ولو أتيحت الفرصة لأي جندي كي يفكر ويختار مصيره لما أقدم على الانخراط في فعل الحرب كيفما كانت أهدافها، فلحظة اتخاذ القرار لن تكون أبدا وسط الجمهور، بل كلما كان الفرد بمفرده، يمارس استقلاليته، وهذا حال جميع أنواع الجمهور، التي لها قائد أو تلك التي بدون قائد أو المنظمة أو غيرها، وهو حال الحروب التي خاضتها البشرية منذ بدء الخليقة، لو بحثنا في جوهرها سنجدها محكومة باليبيدو والتمركز حول ذات القائد ونرجسيته، والذي تحكمه عقد نفسية ونزوات ذاتية يسقطها على الجمهور فيوجهه وفقها، ولو أنه يبدو أن بعضا منها يسير وفق مصالح عامة، فنلاحظ تعارض وتصادم توجيهات الزعيم العسكري مع مصالح القائد السياسي، لأن هذا الأخير يسعى دوما للتحكم في مصير الجمهور بما فيه القائد. وهذا النوع من الجمهور هو الذي يسميه فرويد بالجمهور الاصطناعي، منه جمهور الجيش وجمهور الكنيسة، فكلاهما مخلص للقائد. ثم نضرب مثلا باليهودي، حيث اليهود في جميع بقاع العالم يشكلون جمهورا نفسيا، تقودهم عقلية القطيع، فليس هناك قائد، أو ساحة تجمهم، لكن توهمهم الراسخ بوجود "هوية يهودية" و"شخصية يهودية"، و"أرض الميعاد"، جعل منهم جمهورا بدائية، تحكمه العاطفة والاندفاع وغريزة القطيع، وقد تفاقم مع وضعهم وتوالي حقب التاريخ، هذا الوهم لدرجة الاعتقاد والقناعة، تحكمه غريزة الليبيدو، فاحتلال أرض الغير أضحى بالنسبة إليهم سلوكا غريزيا طبيعيا، الشيء الذي يفسر كل ما يقدمون عليه لإثبات ما لا يمكن إثباته، إذ لا يمكن إثبات ما يسمى بالهوية والشخصية اليهوديتين، لأن اليهودية عقيدة وكفى، وبالتالي فلنلاحظ البعض من اليهود كيف يحلقون عاليا في سماء الإبداع والعلم والفكر والعطاء، والمساهمة في الإنتاج الحضاري الإنساني، ومنهم فرويد الذي نحن بصدد قراءة منتوجه في مجال علم النفس، والأمثلة غير قليلة في هذا السياق، وما الإعلان عن توجهات الصهيونية العالمية إلا إعلان عن حقيقة مزاعم "الهوية اليهودية" .. استمرار صوت العشيرة، واستمرار وجود سيكولوجيا الأب والزعيم والقائد، يشعر الفرد بالقوة المضاعفة وهو وسط الجمهور، ومنها تقوم روح التضامن والروح المشتركة، إذ من غير المقبول تميز الفرد عن الآخرين داخل الجمهور، فتنشأ العدالة الاجتماعية والمساواة، ويتشكل الوعي الاجتماعي، من منطلق الواجب والحق، هذا الحس الجماعي يحقق نوعا من "التماهي"، كما أوضحناه سابقا. يبدو الجمهور البشري، بهذا المعنى، في صورة العشيرة البدائية، حيث يضطلع الفرد بقوة خارقة تجعل منه المحبوب والقائد المسيطرة على أفراد الجماعة، فتزول عن هذا الجمهور الشخصية الواعية وتغلب عليه العاطفة والاندفاع، وبالتالي فهو يعيش حياة نفسية لاواعية بدائية متسمة بالنكوص. يفضي الحديث عن المجتمع البدائي للحديث عن الفرد والفردانية داخل العشيرة البدائية، حيث كانت إرادة الفرد ضعيفة بعيدا عن العشيرة، وبالتالي فهو يستمد قوة وجوده داخلها، بمعنى أنه لم يكن هناك دافع آخر غير دافع الجماعة، في ذلك الحين، بحيث كانت هناك قوة عاطفية تربط بين أفراد العشيرة، ويمكن ذكر غياب الملكية الفردية والمنافسة، وكل هذه الأشياء التي سيعرفها التطور الحضاري للبشرية، جميعها عوامل ساهمت في وجود نمط العشيرة في شكلها البدائي، فلم يكن هناك تصور لعالم أوسع، سوف يتم اكتشافه فيما بعد، أما أنها تتجلى بين الجمهور النفسي، فذلك لترجمة سلوك البدائية داخل الجماعة، من خلال تفاعلها وتعاطفها وتلاحمها واندفاعها، وانصهار الفرد داخلها، لدرجة لا يمكنه التفكير بشكل متفرد. تعتبر السيكولوجيا الجماعية الأقدم بين البشر، بوجود سيكولوجيا الأب والزعيم والقائد، وهي مستمرة إلى يومنها هذا في شكل الارتباط بين الأفراد، فقط الزعيم الذي كان حرا في تفكيره وقراراته لا يخضع لأي تأثير خارجي، حيث اتسم بالقوة والاستقلالية، لم يكن في حاجة للآخرين، فأناه لم يكن مقيدا بالليبيدو، فكان يحب ذاته وما يستفيد من الآخرين حوله، وهو ما عرف ب"الإنسان الأعلى"، وهو ما يحصل الآن، حيث يسعى أفراد الجمهور للتأكد من حب الزعيم لهم، لأن الزعيم ليس في حاجة للحب ما دام محبوبا بقوة الأشياء، ونرجسيته موغلة ومطلقة. وبعدها تم تأليه أبا العشيرة، ويخلفه ابنه بعد مماته، وقد كان الأب البدائي يمنع أبناءه من إشباع رغباتهم الجنسية، فيميلون للإشباع العاطفي للتفريغ، فيحبون بعضهم بعضا، فيدخلون في سيكولوجيا الجماعة قهرا، بسبب تزمت الأب وغيرته الجنسية، الشيء الذي سيؤدي فيما بعد إلى قتل الأب من طرف الأبناء لينالوا حريتهم، ويتجاوزون مرحلة التماهي المتبادل، فتبدت السيكولوجيا الفردية أمام السيكولوجيا الجماعية، وتسليط شحنة الليبيدو على المرأة لإشباع الرغبة الجنسية والرفع من درجة النرجسية.